القاتل المُتنكِر

 فيروس الإيدز.. القاتل المُتنكِر
فيروس الإيدز.. القاتل المُتنكِر


بعد ان تسلّل إلى خصوصيّتك خِلسةً وانت في سُباتٍ عميق لا تدري ما يدور حولك، قام بانتهاز الفرصة وانتزاع أغلى ما تَملك، انسلّ بعدها من دون أن يترك خلفه ضجة أو أثر يُذكر، فهو نشّالًٌ مُحترف. حين استيقظت أدركت أن خطبا ما قد حدث، وانّك قد فقدت كنزاً ثميناً، لكنك لبُرهة عَرفت هويّته لِشكّك المسبق به! فأنت كنت قد سَمعت عنه وانتابَك الفَزع لمجرد ذِكر اسمه.

صرخت بمن حولك بعد أن انهارت قواك "هاتوه قد عَرفتُه..."

وُكِلت مجموعة لتعقبه والإيقاع به، لكنه كان دائماً ينجح بالتملّص منهم وبتغيير معالم وجهه وحتى بصمته. أحضروه أخيراً إليك وقاموا باستجوابه علّهم يُلبسوا عليه التهمة! لكن بلا جدوى، تملّص من فعلته كالعادة، فهو أدهى منهم جميعاً، قاموا بإطلاق سراحه وهو ينظر إليك باستهزاء واستحقار...

لم يعرِف الطب الحديث فيروساً أخبث وأدهى من فيروس الإيدز، مع أنه حديث الولادة نسبياً إلاّ أنّه ذات سُمعة سيّئة جداً، اكتسبها لتأثيره المُدمّر على جسم الإنسان وعلى جهاز مناعتِه بالأخص، لكن ما هو هذا المخلوق؟

لعلّ تسميته "مخلوق" غير دقيقة فهو أبسط من ذلك بكثير، يتكوّن خارجه من غشاء هُلامي أشبه بالتابوت، وداخله من شريط جيني أشبه بالمومياء، فهو حيًٌ وميت في نفس الوقت. هو خارج الجسد تائهًٌ هائم، باحث عن ضالتِه لا حول له ولا قوّة، أمّا إن مُكن له واستطاع التسلل إلى جسم الإنسان، حينها يُظهر وجها آخر لا رحمة فيه ولا شفقة. يتملّص هذا الفيروس إلى داخل الخليّة البشرية ويستحوذ عليها بالكامل، يقوم بتسخير مُقدّراتها لغاياته الخاصة ولتلبية أوامره، يسيطر على آلة الطباعة فيها ويبدأ بنسخ وتكوين جيش جرار على غراره ولكن بأشكالٍ وهيئات مُختلفة.

ما يثير الإستغراب في هذا الفيروس أنّه يتصرّف بذكاءٍ ماكر لا بعشوائيّة، هو يَعْلم "ومِن أين لهُ أن يَعلم!" أن عبور الحصن لا يكون إلا بتحطيم خطوط الدفاع الأماميّة والإجهاز عليها بالكامل، حينها تسهل المهمة وتصبح القلعة مرتعاً لمن أراد الدخول. بالفعل يقوم هذا الفيروس بمهاجمة خلايا مُحدّدة في جهاز المناعة لدى الإنسان، وهي خلايا تلعب دوراً أشبه بدور الجنرالات في الجيوش، وُهبت لنا بالأصل للدفاع عنّا، حيث يستحوذ عليها بالكامل، وتبدأ بعدها بتنفيذ تعليمات سيِّدها الفيروس، حينها يسهُل على اي ميكروب أو فيروس عادي بانتهاز الفرصة والقضاء على الإنسان.

ظهر الإيدز لأول مرة في عام ١٩٨١، وهناك عدّة نظريات عن أصل وجود هذا الفيروس. تتحدث إحداها عن قُدومه من عندِ مخلوقاتٍ فضائيّة أرادت تدمير سكان الأرض، طبعاً لا تخلو هذه النظريّة من الخيال العلمي، فهي أقرب إلى الخرافة منها إلى الواقع. تحدّثت أخرى على أنّه مُنتجًٌ مخبرِي، قد تم خلقه وتطويره في المختبرات على أيدي العلماء، لكن ما زال أهل العلم يستبعدون هذه الفرضيّة لعدم توافر إمكانيّات وقدرات لخلق فيروسا عادياً في ذلك الوقت، فكيف بفيروس الإيدز الذي يسبق رفاقه الفيروسات بأشواط من حيث الذكاء وقُدرة التدمير. من النظريّات الأكثر شيوعاً نظرية "القرد" والتي تَنسُب أصل الفيروس إلى نوعٍ من أنواع القرود، فبحسب الفرضيّة كان هذا الفيروس متواجدا بين فصيلة معينة من القرود، إلى حين حدوث خطأ إمّا بالتواصل أو عبر نقل دم أدى إلا انتقاله للإنسان.

أمّا النظريّة الصحيحة والأسلم، والأصح القول (الحقيقة المُخجلة)، والتي حاول الكثيرون طمسها لأسباب عدّة، هي ظهور هذا الفيروس في أميركا من قلب مُجتمع الشذوذ الجنسي عند الرجال، وتُضيف النظريّة أنّه انتقل من بعدها إلى أفريقيا القارة الأفقر، وانتشر بين سكانها كالنار في الهشيم لفقدان عنصر الوعي عند سكانها وسُبل الوقاية منه. لربّما انتقل بعدها الى المُتهم البريء القرد الذي وُجِد هذا الفيروس في دمه واتُهم حينها من قِبَل الإنسان ظُلماً وعدواناً، فما أتى به إنسانًٌ واحد من رذائل، لم تأتي بها الحيوانات كلها مُجتمِعة، هذا إن كان للحيوان رذيلة!

تدق أوساط المجتمع الطبي اليوم ناقوس الخطر من ازدياد أعداد المصابين بهذا الفيروس، الذي فاق الخمسين مليوناً، هذا عدا عن أعداد حاملي المرض من غير معرفتهم بذلك أصلاً، ويُبذل من الجهد ويُهدر من المال ما يفوق التصور للحد من انتشاره. لكنّ الوصفة الأكثر فعالية والتي بامكانها القضاء عليه والحد منه، جاءت على لسان كبار العقلاء من الأطباء والتي نادت بالعودة الى أخلاقيات العفّة، والإكتفاء بالشريك الواحد، وترك جميع العلاقات خارج الإطار الزوجي لألّا يقتحم هذا الفيروس حرمة الأسرة ويجعل حياتها كابوسا دائم.

مع أن فعل الشذوذ كان يُمارس منذ قديم الازل، الاّ أنه لم يكن في وقت من الأوقات مدعاة للفخر واللامبالات كما في عصرنا هذا، والتي بات من شروط ادّعائك التحضر فيه، مباركَتك لأفعال هؤلاء وقبولك لها خصوصا في دول الغرب. كيف ننسى قصة قوم لوط في القرآن الكريم وما بائوا به من سخط الجبّار حين تباهوا بفعلتهم، ألم يجعل الله عالِي قريَتهم سافِلها وأمطر عليهم حِجارة من سجّيل، العذاب الذي لقِيه اهل قريتي "سدوم وعمورة" اللتان دُفنتا في البحر الميت على رؤوس أهليها. من عجيب ما تقرأه اليوم، وجود أدوية وعقاقير لمجتمع الشواذ عند الرجال، تحد من انتقال الفيروس بينهم وتعِدْهُم بالحل السِحري! فما هو ألعن من مُمارسة الرذيلة، التباهي والجَهر بها علانية، حينها لن تؤخذنا شفقة ولا رحمة من الله.

سبحان الله الذي يقهر عباده ويبتليهم بألوان العذاب والمصائب، تارةً ليبلوهم وتارة ليريهم سؤ فعلهم. الذي أرانا جبروته بغضبٍ من السماء وبريحٍ صرصر ابتلى به أسلافنا، ويرينا اليوم عظيم قدرته بأصغر مخلوقاته وأفتكها على الإطلاق. فكما لكل مقامٍ مقال، كذا لكلّ زمانٍ عجائب وآيات ولعلّ الآتي أعظم...

أحمد رضا مهدي...

تعليقات: