غالبيّة قرى الشريط الحدودي لا تصل إليها مياه الشرب إلا نادراً فيحتاجون إلى المولدات لجرّها
إثنـا عشـر عـامـاً علـى التحـريـر: فرحـة مجروحـة بالقـلـق علـى الـوطن
الشــريــط الحــدودي: حــيــاة مـعـلّـقـــة
جرح آخر، شمالي هذه المرّة، يؤلم روح التحرير، ويثقل ذكرى 25 أيار التي بُذل من أجلها الكثير الكثيف، من الجنوب إلى الشمال مروراً بالبقاع وبيروت والجبل. فهذه المناسبة التي أفرحت اللبنانيين، ووحّدتهم كما قِيل، قبل اثني عشر عاماً، تمر هذا العام، بسبب ما يجري في الشمال، بحذر.. وربما بخجل.
بعيداً من «الهم الوطني» الراهن، فإن الذكرى، بما هي ناس وأرض، في الجنوب والبقاع الغربي وراشيّا، ولبنان كلّه ربما، قد تعبت في أعوام الحريّة، على عكس ما كان يُفترض ويُتوقّع.. وعلى عكس الوعود التي أُغدقت على تلك الأرض وأهلها في لحظة الحرية وبعدها بقليل.
وعلى الرغم من ذلك، ترى أهل تلك الأرض فرحين بـ«الحياة القليلة». المقيمون منهم هناك، الفقراء وكبار السن في الغالب، مشدودون إلى تلك الأرض حتى البديهة، يصرّون على البقاء حيث هم وكأن لا مكان آخر في الكوكب. أما الآخرون، المهاجرون في لبنان والعالم، فتراهم يشيّدون القصور احتفاءً بتلك «الحياة القليلة»، ولو لأيام أو لصورة.
هكذا، تغدو الحياة هناك، شتلة تبغ تخرج من العطش، ومهرجاناً موسمياً في حديقة إقطاعي، في آن. وما بين هذه وذاك يسأل المقيمون عن الغائبين، الناس، الأقرباء، الأحبة، الدولة، أبناء الوطن الآخرين، قبل المياه المقطوعة، والكهرباء القاسية القلب، وفرص العمل الهاربة إلى العاصمة، أو في بلاد الله الواسعة.. وأما التعليم فمازال كلمة السر التي تهمس بها الأم للأب، وهما يعتقدان أن الابن في فراشه.
تجلس فاطمة ضاهر، "المرأة البسيطة" من بلدة الطيري، في الظل، تنقي الزعتر البري، تمهيداً لتجفيفه، وإعداده لمؤونة الشتاء، بعدما تعبت من رعي البقر وبيع اللبن والحليب. كانت فاطمة تحمل أوعية اللبن من الطيري إلى صف الهواء في بنت جبيل، مسافة أربعة كيلومترات، سيراً على القدمين، لكي تبيعها إلى أهل البلدة. فيتعامل معها مسلحو الحاجز العسكري الإسرائيلي، على مزاجهم، يسمحون لها بالمرور أحياناً، ويدلقون لبنها على الطريق، أحياناً أخرى، فتعود باكية تندب حظها.
ولا تزال فاطمة، تعمل في الحقل، واحدة من فلاحات وفلاحي الشريط المحرر، الذين يشكلون سمة منطقة، يهجرها أهلها، بدل أن يعودوا إليها، فامتلاك شعور الحرية من الاحتلال، قابله قيد اقتصادي، وقد جعل ذلك القيد الأهالي يواصلون طريق النزوح إلى بيروت، والهجرة إلى حيث يقيم مهاجرو الجنوب.
بقي الشريط منطقة عسكرية، ملونة بحياة مدنية، يقيم فيها جنود "اليونيفيل"، والجيش اللبناني والمقاومون. أما السكان فهم أولئك الذين لم يجدوا لهم عملاً خارج مناطقهم، لذلك يتكوّن معظمهم من كبار السن، يقيمون في قرى تنتشر على تلالها منازل المهاجرين الفخمة والفارغة. فقد نقل التحرير الاحتلال إلى داخل حدود فلسطين، لكن الحياة لا تزال عند الحدود، مزيجاً من العسكري والمدني الذي لا تقوم معه حياة إلا بشق النفس.
المنازل الفخمة تحتل سهل الخيام
في الخيام، تكاد الطفرة العمرانية، خصوصاً بعد حرب تموز، تحتل السهل، لولا قرار البلدية بالسماح بالإعمار بنسبة خمسة في المئة من الأراضي. وقد زادت نسبة البناء بين العام 2000 والعام 2002 بنسبة سبعين في المئة. ويقول أحد رجال البلدة، محمد، إن "ثلاثة أرباع منازل السهل مقفلة، يأتي إليها أصحابها صيفاً، لقد بنوها لكي يقولوا لدينا بيت". يضيف على طريقة أهل الخيام في المزاح: "في حال توفي صاحب أحد تلك المنازل، يأخذونه إليه مدة خمس دقائق، لزيارته مرة أخيرة، ثم ينقلونه إلى منزله الأبدي".
وكان إبراهيم، من الخيام، مهاجراً إلى الكويت، وعاد إلى بلدته في العام 1982، فبنى منزله الذي دمر في العام 1976 على حسابه الخاص، ثم عمل سائقاً، يدفع للجهاز الأمني التابع لميليشيا لحد مئة دولار شهرياً، بدل انتقال بين الخيام وخارجها. يقول إن عمله "في السابق كان أفضل من اليوم بكثير لأن أحول الناس تراجعت كثيراً". ويوضح أن "عدد سكان الخيام نقص بعد التحرير، لأن قسماً منهم كان يعمل في البساتين والفنادق في فلسطين المحتلة، ولدى ميليشيا لحد، فتفتح المحال والأسواق، ويتبادل الناس النقود، ولم ينتبه أحد بعد التحرير، لا في الدولة ولا في غيرها، إلى أن عليه البحث عن بدائل".
يوجد في الخيام حالياً، بضع عيادات أطباء ومكاتب مهندسين، ويعمل قسم من الناس في زراعة السهل، وفي محال بيع المأكولات والألبسة ومواد البناء والخرضوات، مع عدد من أصحاب المهن الحرفية: الكهرباء، النجارة، الحدادة والأدوات الصحية. والخيام واحدة من البلدات القليلة التي تنعم بمياه الشفة من محطة نبع إبل، من دون مشاكل، فيما يتم ري السهل من نبع الدردارة. أما الكهرباء فهي متوافرة حالياً، كما يقول محمد، بفضل الـ"يو بي أس"، والاشتراك في المولدات التي لم تكن منتشرة سابقاً، "وكنا نسهر على ضوء القنابل المضيئة".
أدنى قدرة شرائية في الأسواق
تشترك الخيام وبنت جبيل في سوق الخميس الأسبوعي، وبينهما تتوزع الأسواق خلال باقي أيام الأسبوع على بلدات المنطقة، لكي تستفيد كل بلدة من مبيعات السوق. ومن المعروف أن البضائع المبيعة رخيصة، تستورد من الصين وسوريا وإيران. ويقول البائع خضر عباس إنه "لم يشهد ذلك التدني في القدرة الشرائية في أسواق الجنوب"، موضحاً أن التراجع بدأ في شهر رمضان الماضي ولا يزال مستمراً. يملك خضر أدوات منزلية بقيمة اثني عشر ألف دولار، باع منها في سوق الخيام من السادسة حتى الحادية عشرة صباحاً بقيمة خمسين ألف ليرة، منها عشرة آلاف ليرة ربحاً. وفي سوق النبطية الذي يقصده سكان المحافظة بقيمة مئتي ألف ليرة، وفي الطيبة بسبعين ألف ليرة. يتلقى خضر مساعدة مالية من والده، مع العلم أنه متزوج ولديه ولدان، ويقول إنه بعد حسم ثمن البنزين، يتبقى من أرباحه الشهرية نحو مئتين وخمسين ألف ليرة، بينما كانت سابقاً لا تقل عن المليون ليرة.
كان والده الموظف المتقاعد، حكمت عباس، يبيع الشراشف والستائر في بسطة مقابلة لمساعدة ولده. ويقول إنه كان في الماضي لا يعود من السوق بأقل من ألف دولار، ولا يعرف كيف سيكون الوضع في الصيف المقبل، إذ يكثر المصطافون، ويتمنى انتعاش الأسواق. وقد أصيب أحد أبناء حكمت في الحرب، وبات معوقاً، فتابع دراسته حتى حصوله على ماجستير في المحاسبة والمعلوماتية، ولم يجد وظيفة دائمة، فاضطر إلى العمل بأجر على الساعة في إحدى المؤسسات.
القليعة بلدة الجوز والصنوبر
يبدو مدخل بلدة القليعة، جارة الخيام، أكثر جمالاً من باقي بلدات الشريط ، طريق واسعة، للذهاب والإياب، وفي منتصفها ورود جورية حمراء، تذكر بصفات البلدات المسيحية التي يتداولها المسلمون، حيث يهتم أهلها بترتيب الأماكن العامة، فيقال إن المسيحيين لا ينجبون عدداً كبيراً من الأولاد، ويتفرغون لتنظيم حياتهم.
لم يكن رئيس البلدية حنا ضاهر في البلدة لدى زيارتها، فأوضح عدد من الأهالي أن ضاهر وأشقاءه من أثرياء البلدة، كان يعمل في تجارة التبغ عبر الناقورة، قبل التحرير، بينما يملك أخوته مؤسسات في أميركا اللاتينية، وقد ساهموا بأموالهم في مشاريع تحسين البلدة.
ويوضح والد المختار، من آل سعيد، أن الأهالي يعيشون مع جيرانهم بسلام. كانوا من مزارعي مرج الخيام، وتوقفت الزراعة في أوائل الثمانينات، إذ لم يبق من المزارعين سوى عشرة في المئة. وتحولوا بعد الاحتلال إلى العمل في ميليشيات لحد، ولا يزال يوجد ألف وخمسمئة شخص من القليعة في فلسطين. وتوجد نسبة كبرى من المهاجرين في كندا (نحو ألف وخمسمئة شخص)، وفي السويد العدد نفسه. وقد هاجر غالبية شباب البلدة المتعلمين للعمل في دول الخليج، والباقي يراوح عددهم بين 3000 وبين 3500 شخص، يتوزعون بين القليعة وبيروت. وكان المختار يرافق وفداً من "وكالة التنمية الأميركية" لمعاينة أراضٍ مشاع ستتم فيها عمليات تحريج ثلاثين ألف شجرة، من الصنوبر والخروب والسنديان، لكي تضاف إلى أشجار الجوز، فتصبح القليعة بلدة الجوز والصنوبر، للبيع.
انتظار المهدي والحبيب معاً
لا يزال مطعم "معبر فاطمة" قائماً في كفركلا، في انتظار وصول الجدار الإسمنتي، الذي تبنيه القوات الإسرائيلية عند الحدود، إلى المطعم، وحينها يترتب على صاحبه إما إلغاؤه، وإما رفعه على أعمدة، لكي تظهر فلسطين من جديد.
في الطريق المؤدي إلى البلدة قرب المعبر، كانت هناء، ابنة الثلاثة وعشرين عاماً، تتسامر مع رفيقاتها، في محل صغير لبيع الألبسة النسائية. ترتدي هناء العباءة الإسلامية السوداء، لكن الابتسامة لا تفارق شفتيها. تتقاضى من عملها في المحل مئة وخمسة وعشرين دولاراً في الشهر، وتعتبر الحياة جميلة، طالما يوجد فيها هدف. ولدى سؤالها ما هو هدفها؟ أجابت ببساطة وتلقائية: انتظار ظهور المهدي لتحقيق العدل، مضيفة: إن شاء الله يظهر قبل موتنا.
ومع المهدي، تنتظر هناء عودة "شخص معين من السفر"، وذلك الشخص هو حبيبها المسافر منذ ثلاث سنوات من أجل تأمين المال للزواج. تقول بخجل إنه لم يأت إلى بلدته منذ سفره، ولا يتبادلان الاتصالات الهاتفية. لكنها لا تزال معلقة بوعده لها قبل سفره: إذا عدت، وكنت غير متزوجة، سأتزوجك. تعيش على ذلك الوعد، وتملك أملاً كبيراً بأن يعود إليها.
ومن الحبيب المهاجر، إلى الصديقة أم علي العائدة مع ولدها من هجرتها إلى اوستراليا. تقول إنها عادت لكي تربي ابنها بين أهله: "راحة البال متوفرة هناك، لكن الأهل هنا". ثم تردف: لدى ابني الذي يبلغ من العمر ست سنوات هدف واحد هو عدم انقطاع الكهرباء، فيسألها دائماً: لماذا تنقطع الكهرباء. عندما يصبح في الخامسة عشرة سيهاجر من جديد. وقد ألغت الاشتراك في المولد، بسبب الفوضى في تأمين التيار: كنت أدفع خمسين دولارا في الشهر، بدل "أمبير ونصف أمبير"، ولا أحصل إلا على ست ساعات كهرباء في اليوم. لا تجد مشكلة في استخدام ابنها ألعابه الكهربائية مثل "الآي باد" والكومبيوتر، ولكنها تخاف من شراء الأغراض التي تستدعي التبريد.
أما كوكب فهي في السابعة والعشرين من العمر، تعمل في مكتبة صغيرة، وتقول: "هدفي في الحياة تربية ابن شقيقي اليتيم. أما باقي الأوقات فهي فراغ، نحكي على العالم، أو نكش الذباب، أو نبدأ بالنق".
عيترون مملكة التبغ والعلم
تتصل القرى بين كفركلا وعيترون ببعضها، فالطريق معبدة، لكنها لا تزال ضيقة، ويبدو رصيف بالحجارة الملونة على طريق بليدا، ولافتة لنقابة تجار المجوهرات كتب عليها: "لا عجب يا بن الجنوب معدنك جواهر".
تنتشر محال السوبر ماركت في كل بلدة، لكن العدد القياسي منها يوجد في عيترون، وتبلغ أربعة عشر سوبر ماركت. تضم عيترون النسبة الأقل من المهاجرين، وبقيت "تعشق" زراعة التبغ التي تشكل موردها الرئيسي، إذ تبلغ نسبة المزارعين خمسة وثمانين في المئة من السكان، يتوارثها الأبناء عن الآباء، فلا يوجد في عيترون شاب متعلم مثلا، يرفض مساعدة أهله في قطف التبغ وتوضيبه، كأن الأمر تحصيل حاصل.
يقيم حسين مواسي في آخر منزل في عيترون، لجهة المالكية في فلسطين، بعده بنى أحد المهاجرين إلى اوستراليا منزلاً يأتي إليه في الصيف. يعيش في "مملكة" التبغ الخاصة به حول منزله، ومساحتها عشرة دونمات. يخرج إلى القطاف مع زوجته وولديه عند الثالثة والنصف فجراً، ويعودون عند السابعة صباحاً، فيجتمع أفراد العائلة بعد تناول الفطور وهم خمسة أولاد، بمن فيهم الصغيرة هلا، بالإضافة إلى الزوجين، على شك الأوراق في "الميابر" وتفريغها في الخيطان ثم تجفيفها. لدى مواسي ابن يدرس المعلوماتية في بيروت، واثنان في التعليم المهني، وابنة في المرحلة المتوسطة، وقد جنى بمساعدتهم في موسم العام الماضي، خمسة وعشرين مليون ليرة. ويقول إن حياته بقيت كما هي قبل التحرير وبعده، وما تغير هو إخلاء "شباب الحزب" مواقعهم قرب منزله وحلول الجيش اللبناني مكانهم.
بالإضافة إلى التبغ، جرت في عيترون تجربة زراعية ناجحة من خلال إقامة معمل ألبان وأجبان، يتم فيه تصنيع منتجات الحليب من مواشي المنطقة، وبيعها.
وتعتبر نسبة المتعلمين في عيترون الأعلى بين قرى المنطقة، إذ ينتشر أبناؤها في مدارس رميش وتبنين والنبطية وبيروت وجامعاتها.
وعلى عكس عيترون، تمتد بين بليدا وعيناتا، أراض واسعة، على مسافة خمسة كيلومترات. كان فلاحو عيناتا يزرعون فيها الغلال من قمح وشعير وحمص وفول، ثم توقفت الزراعة أثناء الاحتلال، ولم يعد أهلها إليها.
لقد تفرق الناس، وأصبحت الأراضي بوراً، يزرع ما يقارب العشرة في المئة من مساحتها تبغاً وقمحاً. يقول محمد غانم، من أبناء عيناتا، إن أصحاب الأرض هاجروا إلى أفريقيا والسعودية وأوستراليا، ولم يبنوا فيها، أو يزرعوها. وبذلك تعيش عيناتا، التي كتب عنها الكثير بعد الحرب، من أموال المهاجرين، فيما غالبية المقيمين فيها من كبار السن. وتعيش على ذكرى العدد الأكبر من شهدائها في حرب تموز. كان أصغر أبناء غانم، شاكر، وعمره أربعة وعشرين عاما واحداً منهم. يقول والده إنه كان يعمل نجار موبيليا في العباسية، فجاء إلى البلدة للدفاع عنها واستشهد، مع رفاقه، وأصيب اثنان آخران من أبنائه، ولا يزال يحمل صورة ولده، وتطفر عيناه بالدموع عندما يتحدث عنه. يوضح أن الولد عندما يموت يحرق قلب أهله طوال حياتهم.
الطيري الأقرب إلى نسيج القرى
عادت وفاء صبرا مع إخوتها إلى بلدتها حداثا، بعد عدوان نيسان في العام 1996 ، من أجل الإقامة مع والديهم، ثم هاجر أخوها الشاب إلى البرازيل، وتعمل هي في سوبر ماركت يملكه زوجها. تحفظ الموظفين المقيمين في حداثا لقلة عددهم، وهم مسؤولة فرع الضمان الاجتماعي في بنت جبيل، ومهندس زراعي لدى وزارة الزراعة، وعدد من أساتذة التعليم الخاص والرسمي الذين يدرسون في مدرسة عيتا الجبل بعد إقفال مدرسة البلدة، بينما يتعلم التلامذة في مدارس تبنين وبنت جبيل وعيتا الجبل.
ويوضح عضو المجلس البلدي محمد ناصر أن عدد السكان المقيمين، يقارب الألف شخص من أصل ستة آلاف وسبعمئة شخص. بينهم خمسة وسبعون شاباً، منهم من يتعلم مهناً حرفية، ومنهم من يدرس في "الجامعة الإسلامية" في صور، و"جامعة الروح القدس" في رميش، بالإضافة إلى فروع "الجامعة اللبنانية" في بنت جبيل وصيدا.
كما في حداثا، تؤمن قرى الشريط مياه الشرب والخدمة، بطرق خاصة، لأن مصادر المياه قليلة. تشرب البلدة من مياه برك رأس العين مرتين في الأسبوع، تحت الضغط والمطالبة. ومن البئر الارتوازية التي حفرها مجلس الجنوب، وتصل مياهها مرتين في الأسبوع. لكن المصدرين لا يكفيان للشرب والري، فيعمل أصحاب كل منزل على بناء خزاني مياه، واحد للشرب، وآخر للري، لتجميع المياه فيهما في الشتاء، واستخدامها صيفاً.
قرب حداثا، تبدو الطيري الأقرب إلى نسيج حياة القرى، طرقات هادئة متعرجة، ومنازل تحيط بها جدران الدعم من الحجر الصخري، بعد استخراج البلدية الحجارة من أرض القرية، وتعبيدها جميع الشوارع الداخلية.
يوضح المختار أنيس شعيتو، وكان أمين سر "نقابة عمال بلدية بيروت" قبل تقاعده، وعودته إلى بلدته، بعد التحرير، أن نحو ثلاثمئة شخص يقيمون في الطيري حالياً، من أصل عدد السكان البالغ أربعة آلاف نسمة والباقي إما مهاجر وإما مقيم في بيروت. يعد الشباب بينهم على الأصابع، ويتعلمون في مدارس بنت جبيل، ويوجد عشرين مدرساً، بينما هدمت المدرسة خلال حرب تموز، وأعاد "مجلس الجنوب" بناءها، لكنها على الأرجح لن تفتح أبوابها، بسبب عدم توافر تلامذة لها، وقد استدعى ذلك الوضع سؤالاً ممازحاً للمختار: هل يوجد أطفال في القرية، لأننا لم نشاهد أحداً منهم، فأجابت زوجته ضاحكة: طبعاً لكن عددهم قليل.
الكبير والصغير يسأل: لماذا تنقطع الكهرباء؟
راحة البال هنا لكن الأهل هناك (عباس سلمان)
تعليقات: