«ابتداء من 500 ليرة».. ولا زبائن
اعتماد سياسة «المضاربة المفتوحة» لاستجلاب الزبائن
النـبطيـة: «حــرق الأســعار» لا يحــرك الســوق
«تصفية، وصولد حقيقي، وحرق أسعار بسعر الكلفة»، هي فحوى اللافتات التي رفعت في الآونة الأخيرة على مداخل المحال والمؤسسات التجارية في النبطية. وكانت الأحداث الأمنية الأخيرة والأوضاع السياسية المتشنجة، قد أرخت بثقلها في عدد من المناطق اللبنانية، على الحركة التجارية في المدينة. وضاعفت تلك الأحداث من الركود الاقتصادي والتجاري الحاصل فيها من قبل، الأمر الذي تدنت معه نسبة المبيعات في المحال والمؤسسات إلى أكثر من تسعين في المئة بحسب العديد من التجار. وإذا كان هناك من حركة ضئيلة يشهدها السوق التجاري في الوقت الحالي فإنها تقتصر على محال بيع المواد الغذائية والاستهلاكية والخضار والفواكه الضرورية، التي لا بد منها بالرغم من ارتفاع أسعارها بشكل مضاعف، في غياب أي إقبال على شراء الكماليات والسلع الأخرى من الألبسة والأحذية والأدوات المنزلية وغيرها. ذلك بالرغم من تخفيضات الأسعار عليها التي تتراوح بين 30 و70 في المئة، ولجوء العديد من التجار، ولا سيما في محال الألبسة، لاعتماد سياسة المنافسة والمضاربة الحادة على الأسعار فيما بينهم بطريقة مكشوفة، وإبراز تلك الأسعار بواسطة لافتات كبيرة ملونة، رفعت فوق محالهم ومؤسساتهم التجارية. لكن كل ذلك لم يغرِ الزبائن بالولوج إليها، بعدما آثروا التفرج على هذه الأسعار من بعيد ومن دون أن يشتروا شيئاً، حتى أن سوق الإثنين التجاري في النبطية، الذي عادة ما يشهد زحمة خانقة بالتجار والبائعين والمواطنين، قد تحول إلى يوم عادي بامتياز.
«كأنه لم يكفِ التجار في النبطية الأجواء السياسية الملبدة التي يعاني منها اللبنانيون منذ سنوات عديدة، ومساهمتها في ضمور الحركة التجارية والاقتصادية في السوق التجاري فيها إلى حد غير معقول، بل أتت الأحداث الأمنية الأخيرة في مناطق بيروت والشمال والجبل والبقاع لتقضي على الحركة كلياً»، كما يقول التاجر حسن صباح، الذي يأمل أن يتمكن التجار من الصمود في وجه الأزمة في ظل الظروف والتحديات الصعبة التي تواجههم. وناشد الفرقاء السياسيين على مختلف انتماءاتهم في المعارضة والموالاة التخفيف من حدة خلافاتهم، لكي لا تفاقم أكثر فأكثر من الأوضاع الاقتصادية والتجارية المتردية التي وصلت إلى نقطة الصفر.
وفي محاولة لتحريك العجلة الاقتصادية في محله، اعتمد التاجر حسين رسلان سياسة المنافسة المكشوفة على الأسعار لملاءمتها مع الظروف الحالية التي يعاني منها المواطنون والتجار على حد سواء، بسبب الظروف الأمنية التي يعاني منها البلد، بعد الركود القاتل الذي تشهده منذ فترة طويلة، وتلافياً لوقوعه تحت وطأة الالتزام بتعهداته المالية للتجار الكبار. ما جعله يفضل سياسة البيع بالرأسمال من دون أي أرباح، بدلاً من عدم البيع على الإطلاق والتفرج على بضاعته، لكنه يأسف لأن كل تلك الإغراءات لم تجدِ نفعاً ولم تجذب المواطنين للشراء، لاهتمامهم بشراء المواد الغذائية والتموينية دون غيرها، مفضلين الاحتفاظ بقرشهم الأبيض ليومهم الأسود.
ولا تعرف مدينة النبطية منذ زمن بعيد أسوأ من الحركة التجارية التي تشهدها في الأيام الحالية، حتى في أثناء الحرب وفي ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي على تخوم منطقة النبطية في وقتٍ سابق بحسب التاجر عصام وهبي، «والدليل على ذلك أننا نتمشى خارج محلاتنا أو نلعب الورق والزهر أو نتجمع حول التلفزيون لمتابعة آخر المستجدات الأمنية والسياسية والتعليقات عليها بانتظار الفرج الذي لا يبدو قريباً، ما ينذر بأوخم العواقب على التجار، نظراً لوقوعهم تحت أعباء ومسؤوليات مادية باهظة تتوزع بين تسديد ثمن البضاعة وإيجار المحال والمؤسسات وبدلات الكهرباء والضرائب ورواتب العمال، والمتطلبات العائلية الكبيرة، وإذا استمرت الحال على هذا المنوال ألله يسترنا من الأعظم».
ويعزو رئيس «جمعية تجار النبطية» وسيم بدر الدين «الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها التجار والمواطنون في الوقت الحاضر للأوضاع السياسية الخانقة والأحداث الأمنية المتتالية التي تعصف بالبلد منذ سنوات عديدة»، آملاً بانفراج الأزمة «بجهود جميع المخلصين من السياسيين، في الوقت الذي يتساءل فيه عن الأهداف الكامنة وراء استمرار الحكومة والهيئة العليا للإغاثة، بالتلكؤ والمماطلة في دفع التعويضات لأصحاب المحال والمكاتب والمؤسسات التجارية في منطقة النبطية، ولا سيما أن مجلس الجنوب قدم لهما المستندات المطلوبة والمتعلقة بالملف»، مطالباً «الإسراع في دفع هذه التعويضات لكي يتمكن المتضررون من التجار إعادة بناء ما دمرته الحرب الاسرائيلية من أرزاقهم وممتلكاتهم، وبسبب حاجتهم الماسة لهذه الأموال للنهوض من كبوتهم التي ألمت بهم جراء الحرب، لأن إعادة النهوض بالقطاع التجاري في النبطية متوقف على دفع التعويضات المذكورة لأصحابها، بعدما فقد العديد منهم مقومات الصمود والاستمرار في السوق التجاري».
وفي مقابل الخسائر المادية التي يتحملها التجار، أو الربح القليل الذي يجنونه من اعتماد سياسة التنزيلات الكبيرة على الأسعار، كثمن لتحريك العجلة الاقتصادية والتجارية في محالهم ومؤسساتهم، فقد لاقت تلك الظاهرة ترحيباً واستحساناً لدى المواطنين، لكونها تناسب أوضاعهم الاقتصادية والمعشية المتردية بحسب رأيهم. وذلك بالرغم من علمهم بالنوعية المتوسطة للبضاعة التي يشترونها مقارنة مع مثيلاتها المعروضة في أماكن أخرى، لكنهم مضطرون لتسوقها لأن أسعارها متيسرة لهم ولأولادهم بدلاً من حرمانهم منها. وتمنى الكثيرون من المواطنين استمرار التجار على السياسة الحالية في جميع المواسم والمناسبات، لأنها الوسيلة الفضلى لشراء ما يرغبون.
تعليقات: