مدخل بلدة ميمس

يوماً بعد يوم ترتفع صرخة اهالي بلدة ميمس في قضاء حاصبيا، ويعلو معها منسوب الخوف والقلق، بسبب ارتفاع عدد الوفيات بداء السرطان، التي وصلت خلال الاشهر الاربعة الاولى من هذه السنة الى ثماني حالات من اصل 11 حالة وفاة.

هذه نسبة عالية جدا بكل المقاييس المرضية والطبية، ليس في لبنان فحسب وانما في الكثير من دول العالم. ورغم هذه الظاهرة الخطيرة فان احداً من المعنيين او المرجعيات المختصة، الرسمية او الخاصة، لم يحرك ساكناً، ويعزو الاهالي ذلك الى سببين اساسيين مقلقين، هما: ان البلدة تتغذى بمياه الشرب من نبع عين فجور الذي يبعد عنها مسافة 9 كلم، بواسطة قساطل من الاترنيت بقطر 4 انشات منذ العام 1956، وان هناك دراسات تقول بان صلاحية هذه القساطل تنتهي بعد 50 سنة على الاكثر.

وبما انه مضى عليها 56 عاما فاحدى الترجيحات تقول أن الاترنيت في مثل هذه الحال يتسبب بحالات سرطانية. وقد اجرى وفد من الاهالي اتصالات حثيثة مع المعنيين استجاب وزير الصحة علي حسن خليل لمطلبهم وتقرر ان يقوم مجلس الجنوب بابدال الشبكة بالكامل، وتم تلزيمها فعلا وقد يبدأ العمل فيها خلال الشهرين المقبلين، كما اكد لـ"النهار" وزير الصحة العامة، حتى لو لم يكن ذلك المسبب لهذه الوفيات، ولقطع دابر الشك، كما قال.

اما السبب الثاني والأهم فهو أنه خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي المباشر لمعظم منطقة حاصبيا في العام 1995 قامت احدى شبكات الخليوي اللبنانية بتركيب محطة في بلدة عين قنيا، وفي نقطة تشرف على معظم قرى المنطقة لتغطيتها "خليوياً" بالكامل، ومنها بلدة ميمس التي كانت تقع في حينه خارج نطاق الاحتلال، والتي تقع في دائرة الذبذبات الخليوية للصحون التي ثبتت في عين قنيا.

ونقل عن احد المهندسين الاجانب الذي شارك في تركيب المحطة قوله أن بلدة ميمس ستتلقى الذبذبات والاشعاعات التي تتسبب بالحالات السرطانية مباشرة، وانها ستدفع الثمن غالياً من صحة وحياة ابنائها،

وبالفعل بدأت العوارض السرطانية تظهر في اعقاب ذلك، حتى وصلت الى عشرات الحالات، ومات كثيرون من جراء ذلك، وإلى ثماني وفيات، خلال الاشهر الاخيرة، ويشير الاهالي الى ان هناك عشرات الحالات التي تتعالج في العديد من المشافي اللبنانية وفي الخارج ايضاً، وقد نجح بعضهم في الخلاص من هذا الورم الخبيث، بعد استئصال بعض اجزاء جسمه.

امام هذه المأساة يناشد الاهالي المعنيين والمسؤولين على كل المستويات ان يأخذوا صرختهم في الاعتبار، والايعاز لبعض شركات الخليوي ان تنقل محطاتها الى اماكن لا تشكل ضرراً على الناس وحياتهم، خاصة تلك الموجودة في بلدة عين قنيا، والا سيضطرون لرفع دعاوى في حقها طالبين تعويضهم عن كل ما لحق بهم من ضرر مادي او معنوي منذ 17 عاما.

---------------------

وكتبت الأخبار:

ميمس تخشى قساطل «الإترنيت»

أسامة القادري

ثماني حالات وفاة بمرض السرطان في بلدة ميمس الجنوبية. العدد مرعب، لكن الأكثر إرعاباً هو أن يكون السبب اهتراء قساطل «الإترنيت» التي تجرّ مياه نبع عين فجور إلى البلدة، وإفرازها مادة «الأسبستوس» السامة. هنا في ميمس، المصابة «بالداء الخبيث»، الكلّ مصاب برعب من المياه الآتية من نبع عين فجور، الذي يبعد عن البلدة حوالى 9 كلم.

وإن كانت الدراسات البيئية «تبرّئ» مياه النهر من أن تكون هي سبب انتشار حالات السرطان، فهي تعيدها إلى سبب أساسي هو «قدم قساطل الإترنيت التي وضعت عام 1956». ويستند الأهالي في كلامهم إلى دراسات تقول إن «صلاحية هذه القساطل تنتهي بعد 50 سنة على الأكثر». وبما أنه مرّ إلى الآن 56 عاماً، فقد دق ناقوس الخطر، بعدما تبين «أن اهتراء قساطل الإترنيت أنتج مادة الأسبستوس (aspestos) وهي مادة سامة».

هذه الأخبار أدت إلى إحجام الأهالي عن استعمال مياه النبع للشرب، بعدما باتت المياه أقرب إلى السم القاتل «ببطء على شكل سرطان»، يقول أبو سعيد، أحد الأهالي. أما السبب الثاني الذي أثار مزيداً من الرعب في النفوس، فهو أن «خطورة شبكة المياه القديمة والمهترئة لا تكمن فقط في قدم القساطل، وإنما في أنه، إذا كشفت، وأخرجت من تحت الأرض، فقد تتسبب بإفراز مواد سامة بمجرد تعرضها للهواء»، يضيف الرجل نقلاً عن أحد الخبراء البيئيين.

من جهة أخرى، أكد رئيس اللجنة الصحية في بلدية ميمس، الطبيب ضياء معلاوي أنه «منذ بضع سنوات حتى اليوم تشهد البلدة سنوياً 15 حالة وفاة نتيجة إصابتهم بأمراض سرطانية»، وهي «نسبة عالية جداً مقارنة بعدد سكان البلدة الذي لا يتجاوز 3 آلاف نسمة». ويضيف «ثمة مؤشرات تؤكد أن القساطل هي السبب، إذ تبين لنا من خلال إحصاء صحي وبيئي أن البلدة تقع في منطقة جبلية بعيدة عن الملوّثات البيئية الصناعية وغيرها، لذا لم يعد هناك من سبب إلا المياه والقساطل. وبحسب الفحوص المخبرية للمياه، ظهرت مادة الأسبستوس، وهي مادة سامة ناتجة من الإترنيت المهترئ في شبكة الجر. وحسب المواصفات العالمية، يفترض أنها تتحمل في الظروف العادية فترة زمنية أقصاها 50 عاماً». وهو ما يؤكد عليه رئيس البلدية غسان أبو حمدان، مستبعداً في اتصال مع «الأخبار»، فرضية تلوث مياه النبع «لأن الفحوص المخبرية التي أجريت لمياه النبع قبل ضخها في الشبكة ومن البيوت، بينت أن مياهه، وإن كانت نسبة التكلس فيها مرتفعة قليلاً، فهي خالية من مادة الاسبستوس». لذلك، وبما أن النبع يقع في المنطقة الفاصلة بين لبايا في البقاع الغربي، وخراج حاصبيا في الجنوب، أي ببعد يصل إلى نحو 8 كلم قبل أن يتصل بشبكة البلدة الداخلية، «قصدنا الوزير علي حسن خليل، الذي وعدنا بمد الشبكة على حساب مجلس الجنوب، وبدوره رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان وعدنا بمد شبكة جديدة».

من جهته، ينطلق نائب رئيس البلدية سليمان مداح، من حاجة البلدة الماسة إلى شبكة جديدة، للحديث عن الأزمة الإضافية التي يحدثها هذا الأمر. فيشير إلى أنه «ما لم توضَع شبكة جديدة، فإن جميع الأهالي سيقعون تحت وطأة الاستمرار في دفع كلفة شراء مياه الشرب اليومية، في ظلّ ظروف اقتصادية سيئة، لمنطقة جنوبية نائية بعيدة عن الإنماء، وتفتقر إلى فرص العمل».

ميمس، أحد الشوارع الداخلية للبلدة.