رلى سليمان: القسّيسة الأولى في الشرق الأوسط

رلى سليمان: القسّيسة الأولى في الشرق الأوسط: فلينتقدوني بسبب أفعالي لا بسبب كوني امرأة
رلى سليمان: القسّيسة الأولى في الشرق الأوسط: فلينتقدوني بسبب أفعالي لا بسبب كوني امرأة




الصدفة هي التي جعلت من رلى سليمان القسّيسة الوحيدة المعيّنة رسمياً في الشرق الأوسط، والمسؤولة عن مختلف شؤون كنيسة طرابلس الإنجيلية. مسيرتها إلى المنصب لم تكن سهلة، لكنها قد تكون فاتحة الطريق أمام أخريات

تمتد مظاهر الزهد الطاغية على الكنيسة الإنجيلية في طرابلس إلى مقرّ حسابات القسيسة رلى سليمان الواقع في الأسفل. تجلس خلف مكتبها الغارق في الظلام، فمولّد الكنيسة قد نفد منه الوقود الآن. تتمتم بعبارات في سرّها، بينما تتصارع مع دفتر جلدي ضخم دوّنت فيه كلّ ما أقيم من حلقات دراسية للكتاب المقدس، واحتفالات تعميد وزفاف واعتراف. لم تكن يوماً من محبّي الأعمال الورقية، ومعارك الشوارع المشتعلة في شهر أيار الفائت، بين الميليشيات المتناحرة في عاصمة لبنان الثانية، عاثت خراباً في سجلاتها. «بسبب القتال، أُغلقت الطرق»، تقول رلى، ولذلك «لم أتمكن من تنظيم القدّاس».

سليمان البالغة من العمر 37 سنة، هي المسؤولة عن مختلف شؤون الكنيسة. تؤدي المهمات ذاتها التي توكل إلى الكاهن، باستثناء المعمودية والتناول المقدّسَيْن. «هذا لا يعني أنني لا أشارك في تقديم هذه الخدمات، لكن ينبغي أن يرافقني كاهن أثناء إقامتها. أجرينا معمودية الأسبوع الماضي وأدّيت أنا النذور للوالدين»، توضح سليمان.

بالنسبة إليها، هي وظيفة لم تكن في الحسبان. شَغِلتها إلى حدّ ما بالصدفة. بعد مغادرة القسّ السابق للكنيسة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وجدت نفسها تقوم بمهماته في انتظار عودته سريعاً. وكان ذلك قبل خمس سنوات. «كان يُطلب مني القيام بالخدمات، ولم يطاوعني ضميري على مغادرة الكنيسة وتركها من دون قسّ، لذا بدأت بالقيام بعمله. حدثت الأمور تلقائياً».

بعد اكتسابها ثقة الطائفة واحترامها، عملت سليمان بنصيحة صديق مقرّب في الكنيسة، وقدّمت طلباً رعوياً رسمياً إلى مجلس الكنيسة الإداري. تقول: «شعروا بالدهشة بعض الشيء. لا يوجد نص في علم اللاهوت يمنع المرأة من أن تكون قسّيساً، لكن صدف أن أي امرأة لم تتسلّم هذا المنصب في المنطقة سابقاً».

بعدما أجرى أعضاء الكنيسة تصويتاً حازت فيه «موافقة بنسبة 100 في المئة»، عيّنت سليمان في منصبها الجديد والخارج عن المألوف. تقول «أحب هذا العمل بشدة، أي رعاية الناس والتبشير. أظن أن المفتاح هو معرفة الناس لي. عادة يختاورن قسّاً من الرجال، إلا أنه بسبب عملي معهم، رأوا ما بداخلي بغض النظر عن جنسي». ومع أن الكنيسة استغرقت قروناً عديدة لتعيين امرأة في منصب قسّ في الشرق الأوسط، فإن مسيرة سليمان الشخصية إلى المنصب لم تكن بسيطة أبداً. ولدت سليمان في طرابلس من أب سوري وأم لبنانية. كان كلاهما مواظباً على ارتياد الكنيسة، وشجّعا بناتهما على الصلاة. وعندما أفادها مجلس الكنائس في سن السابعة عشرة بأن اهتمامها بالدين لا يتعدّى كونه افتتاناً «مراهقاً»، جرى رفض تقديم مساعدة مالية لها لتحصيل شهادة من كلية علم اللاهوت في الشرق الأدنى في بيروت. عوضاً عن الاستسلام، أمّنت سليمان تمويلاً خاصاً لدراستها وعادت إلى طرابلس بعدما شغلت منصب مستشارة تعليمية لمدة ثماني سنوات في البقاع. وفي عام 2008، عيّنت قسّيسة رسمياً.

تُمضي سليمان أيامها في عقد الاجتماعات مع أعضاء الطائفة أو في زيارة المسنين والعجزة. هي تتولى مسؤولية كل شيء داخل الكنيسة، من اختيار تراتيل القداس إلى التأكد من توافر الأثاث البلاستيكي اللازم للأطفال أثناء مراسم التعميد.

وعلى الرغم من تواضعها خلال الحديث عن مسيرتها المهنية، تقرّ بأنها ترزح تحت ضغط شديد في موقعها كامرأة مقارنة بالقساوسة من الرجال. وكما هي الحال في السياسة وإدارة الأعمال، وعملياً كل جانب من جوانب المجتمع اللبناني، لا يزال الدين موطئ قدم للرجال فقط. «هذا المجتمع ذكوري، وهذه حقيقة. على النساء أن يقمن بخمسة أو ستة أضعاف ما يقوم به الرجل، لأن الناس معتادون رؤية الرجل في معظم المناصب. هذا المجتمع بحاجة إلى بعض النماذج النسائية الجيدة». تحرص سليمان على الإيضاح أنها لا تلمح إلى نفسها، قبل أن تحاجج قائلة إن الكنيسة والمؤسسات الدينية الأخرى كانت تُعدّ على مرّ التاريخ من المؤسسات الرائدة. بالنسبة إليها، من الطبيعي أن يكون في الشرق الأوسط قسّيسة، حتى لو كانت كمنطقة متأخرة عشرات السنين عن باقي العالم.

«باعتقادي الشخصي، التغيير يحتاج إلى الوقت والحكمة. دعوا الشعب يعتاد رؤية قسّيسة أمامهم، وأودّ أن ينتقدوني بسبب أفعالي وخدماتي لا بسبب كوني امرأة».

وبينما شقّت سليمان طريقها عبر مجتمعها الديني، فلا تزال معظم الأديان ذكورية بلا أدنى شك. قد تكون مجموعة من الكنائس أيّدت في الآونة الأخيرة السماح للنساء بتسلّم منصب القسيس، لكن كما تقول سليمان، ثمة هوة بين النظرية والتطبيق. كان عليها أن تناضل حتى بعد تعيينها لتثبت نفسها قريناً للقساوسة الرجال. «عموماً، أظن أنني أعامل على قدم المساواة مع الرجل. لكن استغرق ذلك الكثير من الوقت ليتحقق. في السابق، لم تكن معاملة النساء كالرجال مقبولة جدّاً. اللامساواة مسألة عليّ أن أصرف النظر عنها في بعض الأحيان».

ماذا عن مرتّبها الذي تتقاضاه، على سبيل المثال. هنا تظهر دبلوماسية شديدة أثناء التحدث بالأرقام، فتصف مرتّبها بالـ«قريب للغاية» من رواتب زملائها الرجال. مع أن راتبها جاء نتيجة علاوات مالية متتالية فرضت على مضض منذ بدأت بممارسة مهنتها.

تماشياً مع مسيرة حياتها المهنية، تقرّ سليمان بأنها بحثت في احتمال تحوّلها إلى كاهنة في يوم من الأيام، وهو احتمال لاهوتي، أو بالأحرى واقع ثقافي.

«أعتقد أننا قريبون للغاية من تحقيق ذلك، لكنني لا أستطيع أن أحدد متى سيحدث. إنه أمر لا يؤرقني ليلاً ونهاراً»، تضيف سليمان، «إن كان تنصيب امرأة كاهنة سيؤثر سلباً على الكنيسة، فعلينا أن نعيد النظر في المسألة. ومهما حدث، لن أصاب بالإحباط». لا يتضح لنا ما إذا كان المؤمنون في المنطقة سيتقبّلون فكرة وجود كاهنة بينهم. رُحّب بوجود سليمان ضمن مجتمعها الكنسي الخاص، لكن تكثر المدارس المسيحية المعارضة لها حول العالم.

لطالما أرادت سليمان «أن تغيّر الظروف»، لكنها تصرّ على أن أولويتها الرئيسية هي الولاء للكنيسة نفسها، لا تحقيق المساواة بين الجنسين داخلها. تقول: «حققت الكنيسة خطوة إلى الأمام، وأنا أعترف بجميلهم هذا».

ينشر هذا النص بالتزامن مع موقع الجريدة الإنكليزي، وقد ترجمته عن الإنكليزية كوثر فحص.

الكنيسة الإنجيلية

تقع كنيسة طرابلس الإنجيلية خلف شارع فوضوي، على أطراف سوق مجوهرات طرابلس. هي واحدة من المباني الأصلية الأخيرة لما كان يُعرف في السابق بشارع الكنائس. كذلك فإنها جزء من المجمع الكنسي الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان، ومقرّه في الرابية. تضم 3000 عضو رسمي من كلا البلدين، إلا أنه بحسب تقديرات سليمان، يتجاوز عدد المصلين الرقم المذكور بثلاثة أضعاف.

تعليقات: