رحلة جنين

رحلة جنين
رحلة جنين


كنت بذرة صغيرة رماها أبي في أحشاء أمي ، وهناك كان مسكني، عدة سنتيمترات في كهفٍ لا يصله لا الضوء ولا النور، أتغذى من ما تأكله أمي عبر أنبوب ٍوأبقى ساهراً إلى أن تنام هي، وعلى هذه الحال ،حتى حان موعد رحيلي إلى عالمٍ لا أفقه منه شيئاً، يسحبونني بقسوة ليخرجوني من كهفي ،أخاف النور وأصرخ ، ولقد اختلفوا في تفسير سبب صراخي، أهو خوفا ًوقد قيل أن ملكاً يسمى الملك الزاجر يزجرني لأخرج من أحشاء أمي ولأني نسيت قراءة اللوح المحفوظ على جبيني والذي يتضمن تاريخ مولدي ومماتي وصفاتي وأسرار حياتي ولهذا يقال كلّ شيئ معلوم عند رب العالمين.

هذا ما يقولونه ،أنا لا أعرف الحقيقة

أبكي، أأبكي لأنني أتيتُ إلى دنيا الهمّ والعذاب ،وبعدها الثواب والعقاب

أتيت إلى عالمٍ لا أفهم منه شيئاً، حتى أنني في أيامي الأولى لا أرى شيئاً، ويختلط عليّ النهار من الليل ،لا أعرف متى أنام في الليل أو في النهار؟ ،ومتى آكل وأنا آكل أغفو وأنا غافي أبكي أريد ان آكل.

إذا ما رأيت نفسي في المرآة أبكي خوفاً من صورتي

كلّ ما بقي من ذاكرتي أنني كنت أعرف رائحة أمي وأميّزها من بين أمهات العالم كلّه،فهي تحضنني وتهتم بي .

ينادونني باسم ربما يعجبني وربما لا يعجبني عندما أكبر.

بعد شهور ، أتألم جداًلأن أسناني ستنبت ومع كلّ سنٍ أو نابٍ أو ضرسٍ،أُصاب بالمرض الشديد،وكذلك تسهر أمي وتتألّم من أجلي

أتعرّف على الألوان والأشكال والأثاث وأنواع الطعام،أحب نوعاً ولا أطيق آخر وأرفض أكله

,إذا ما طمحت ،أريد أن أمشي ،وأحاول وأحاول بدون توقف

أيضاً أريد أن أعرف وأعي متى أريد الذهاب إلى الحمام ،وأناضل في سبيل معرفة هذا الأمر كي أبقي ثيابي نظيفة

بعد سنوات سيرسلونني إلى المدرسة ،وعليّ أن أخدم نفسي بنفسي، وتبدأ الصعوبة في كيفية الإنضباط والتأقلم والحد ّمن الحرية في مواعيد اللعب والأكل ،والبالغ الصعوبة في الموضوع، أنني أترك أمي وأدخل إلى الصف مع أناس لا أعرفهم ،هي المدرسة مرحلة جديدة،أكلمكم عنها لاحقاً.

تعليقات: