يتقلص النفوذ السوري في لبنان وفلسطين والعراق بشكل لافت فيما يتوسع النفوذ الايراني على حسابه . فلقد مني السوريون بهزيمة سياسية كبيرة بانسحابهم من لبنان الذين كانوا ينظرون اليه على انه المجال الحيوي لدمشق اقليميا فهو الساحة التي تتم فيها وعليها تصفية الحسابات وابرام الصفقات . وبانسحاب الجيش السوري من لبنان في العام 2005 على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم تعد سوريا قادرة على التلويح بقوة بالورقة اللبنانية كما كانت في السابق. كما ان نفوذها في العراق اصيب بوهن وضعف كبيرين لاعتبارات متعددة في اتجاه الفلسطينيين ولاسيما حركة حماس التي تمثل ثقلا سياسيا وبشريا كبيرا على الساحة الفلسطينية نحو طهران، في حين ان الجهاد الاسلامي ولاءها معروف من الاساس ويتهمونها في فلسطين وفق بعض الفلسطينيين بانها شيعة الفلسطينيين لان عناصرها غالبا يربطون على اعناقهم ربطة سوداء وعلى خلفية نشوء هذا الواقع السياسي الجديد تصاعد التدخل الايراني في المنطقة وبلغ مداه بسيطرة حماس على قطاع غزة واضعاف دعاة نظرية التسوية مع اسرائيل وفق التعبير الايراني . في حين يعترف الامريكيون صراحة ان ايران هي اللاعب الاخر الرئيسي في العراق ويدعونها الى لقاءات ثنائية للاتفاق على مستقبل العراق على وقع ازدياد الكلام عن دور لفيلق القدس الايراني في العمليات العسكرية ضد القوات الامريكية وظهور تنظيمات عسكرية مقاومة للامريكيين يدل انتماؤها الديني على انها ليست بعيدة عن طهران خلافا للسابق الذي كان فيه شيعة العراق يتحاشون الاعلان عن انتهاجهم المسار العسكري لمواجهة الامريكيين والتأكيد على دعمهم العملية السياسية . واذا صدقت التقارير الامريكية عن مسؤولية فيلق القدس الايراني عن عمليات عسكرية موجعة ضد الجيش الامريكي ودخول حزب الله اللبناني على هذا الخط فان المسألة لا تصبح فقط في اطار مساندة هذا الطرف العراقي او ذاك وانما اعتبار العراق جزءًا أساسيًّا وحيويًّا من الدور الاقليمي الايراني . اما في لبنان فإن البصمات الايرانية واضحة في اكثر من مجال في الطروحات السياسية لحل الازمة التي يتصدر الايرانيون المشاركون فيها او دعم المقاومة التي يمثل حزب الله قوتها العسكرية الوحيدة . واللافت في هذا المجال تسلم الرئيس اللبناني اميل لحود من السفير الايراني في بيروت محمد رضا شيباني رسالة خطية من الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد هنأه فيها بالذكرى الاولى للانتصار على العدو الاسرائيلي، تجاهل فيها تماما الجيش اللبناني وقائلاً مما لا شك ان بطولة قوات المقاومة الاسلامية حزب الله واستبسالها وتضامن الشعب اللبناني في هذه الساعة الدقيقة وفي مواجهة الجيش الصهيوني المدجج بالسلاح وهزيمة الصهاينة المذلة سيشكل صفحة ناصعة ومضيئة في تاريخ العالم المعاصر ونموذجا ملهما للشعوب الحرة في العالم. ونجاد ومرشد الثورة الاسلامية في ايران لم يخفيا في وقت سابق ان هزيمة المشروع الامريكي ستكون في لبنان . ويرى حزب الله ان التطورات تزداد تعقيداً في لبنان والمنطقة نتيجة نهج المكابرة والتفرد المعتمد لدى واشنطن والمستنسخ لدى الفريق الحاكم في لبنان، ولذلك لابد من الاقتراب اكثر واكثر من دول الممانعة التي تشكل طهران حاليا طليعتها على الصعيد السياسي والمادي التي وكما يقول بيان لكتلة حزب الله النيابية أن العالم العربي وبفعل السياسات العدوانية الأمريكية الإسرائيلية يراد تحويله بمجمله اليوم إلى ساحة تصفية حسابات مع الدول والقوى المعترضة والمقاومة للاحتلال الأمريكي في العراق وللاحتلال الصهيوني في فلسطين ولبنان وسوريا. وان المشاريع المشبوهة التي تسوّقها أمريكا بحجة تأمين مصالح دول المنطقة لا تخدم من خلالها إلاَّ إسرائيل وأكدت أن خيار الاستسلام للمشروع الأمريكي يتناقض مع هدف تحقيق الأمن والاستقرار وإحلال السلام في المنطقة ومع مصالح وتطلعات شعوب المنطقة. وبالطبع من هذه الزاوية يفتح حلفاء ايران باب العلاقات معها في حين يضعف شيئا فشيئا التواصل مع دمشق التي لا تستطيع مواجهة الحصان الايراني الجامح الذي يتطلع الى توسيع دوره الى البحر الابيض المتوسط وان كان على حساب حليفه السوري الوحيد في المنطقة الذي لا حول ولا قوة له سوى الاستفادة تكتيكيا اذا امكن لكي لا يفقد كل شئ.
* كاتب لبناني، من الخيام
تعليقات: