آباء الشّعب المحترمين .. قد نعذر أنفسنا على واقع ربما صنعناه بأيدينا، حين أعطيناكم الوكالة وصفّقنا لكم طويلا
.. يُحكى أنّ أحد الملوك دفع بابنه إلى مربّ ليتعهده بالتعليم والتربيّة, ويعدّه لاعتلاء سدّة الحكم بعد أبيه. قضى الصبيّ في عهدة المربّي فترة من الزمن ذاق خلالها صنوف الذّل والهوان، حتى ساءت حالته وتغيّرت صورته، ولمّا وصل الخبر إلى الملك أمر باعتقال المربّي ومحاكمته على رؤوس الأشهاد, وكان أن صدر الحكم بالإعدام، وقبيل التنفيذ التفت الملك إلى المربّي سائلاً عن سبب جنايته على ولده, عندها أجابه المربّي قائلا : يا جلالة الملك ـ أطال الله عمرك ـ عندما تسلّم الوديعة سيخلفك ولدك, وستقف الرعيّة بين يديه يوماً لتشكو جوعها, أو تبثّ ظلامتها, أو تنوء بأثقالها، فأردت لوليّ عهدك أن يخبر الجوع ليشعر بجوع الرعيّة، وأذقته طعم الظلم ليتجنّب ظلم الضعفاء، وألبسته ثوب الذّل ليرى حقارته، وسقيته كأس الهوان ليدرك مرارته. دهش الملك لحكمة المربّي وبُعد نظرته, وأمر بالعفو عنه وإثابته ..
السّادة الكبار, أولياء الأمر وآباء الشعب المحترمين:
ليس غريباً منكم أو جديداً عليكم هذا الّتعامي عن أوضاع النّاس أو التنكّر لمعاناتهم ، وليس مستهجناً هذا الاحتجاب النرجسيّ خلف تيجان الوهم وأردية العظمة، وليس وعظاً ما أقول وقد بات مسلّماً " قد أسمعت لو ناديت حيّا, ولكن لا حياة لمن تنادي ..
وليس استجداءً أو استعطافاً ولكن !..
قد نتفهّم عدم إحساسكم بنا واستشعاركم لآلامنا, لأنّ عالمكم ليس كعالمنا، لأنّكم لا تطوون على الجوع كما نطوي، ولا تُذلّون على أبواب المستشفيات كما نُذلّ، لأنّ جلودكم الطريّة لا تلوّحها الشّمس كما تكوي جباهنا، لأنّ أكفّكم النّاعمة لا تعرف شقوق التّعب كما تعرفها أكفّنا, لأنّكم لا تألمون لسع البرد في الشّتاء، أو حمّارة القيظ في الصيف، لأنّ دياركم لا تعرف العتمة كما بيوتنا المشتاقة للضوء، لأنّ أولادكم ليسوا كما أولادنا، فلا تقفون أمام أحلامهم وأمانيّهم وقفة العاجز كما أدمنا الوقوف ..
قد نتفهّم كلّ هذا، وقد نعذر أنفسنا على واقع ربما صنعناه بأيدينا، حين أعطيناكم الوكالة وصفّقنا لكم طويلا، حين اتبعناكم بغرائزنا ولم نحاكمكم بعقولنا ..
ولكنّ الذي لا عذر لكم فيه, ولا يقبله كريم النّفس منّا, أن تدفعكم القساوة إلى تسييس صراخنا, والمتاجرة الرخيصة بأوجاعنا، أن نسمع بعضكم يقول: إنّ اعتراض النّاس على العتمة موجّه، وإنّ خروج الشّعب عن صمته مبعث للفوضى وإخلال بالأمن, أن يُطلّ أحدكم ليلقي علينا مواعظ الصبر والتّسليم، أو ينبري بعض الخياليّين منكم ليربط سوء حالنا بمحاور إقليمية, وعالمية, وكونية، مُعفياً أهل الحكم من واجباتهم, مُلقياً بالمسؤولية على الحركات الانفصالية في مقديشو !..
ما لا نعذركم فيه أيها السّادة أن تلتفّوا على مطالب النّاس العادلة، وأن تتجاهلوا الواقع من حولكم، وأن تبيعوا الشّعب وعوداً وأوهاما.
ما لا نعذركم فيه هو غروركم وتكابركم رغم فشلكم الذريع في بناء الدّولة، لذا ندعوكم ببقيّة ضمير إن وجدت أن ترحلوا ...
بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو
Cheikh_kanso@hotmail.com
تعليقات: