عام 1979 بدأ أستاذ المدرسة أوّل عملية تشجير (الأخبار)
في العام الماضي تقاعد معن محمود من وظيفة «توضيب» الأشجار المهملة. لكنه اليوم، بعد نتائج الانتخابات البلدية التي حصل فيها منفرداً على 867 صوتاً في حولا، حمل جرار الماء من جديد، واعداً بأن الأشجار ستزداد كلّ عام أكثر من الأصوات في الصناديق
يتنقل معن محمود (66 عاماً) بين الأشجارالمعمّرة المهملة. وحيداً، يهتم ابن بلدة حولا في قضاء مرجعيون بها. يستخدم سيارته الصغيرة لنقل عدّة الزراعة وترميم الأشجار، وهو هذه المرّة خرج من نطاق بلدته قاصداً أشجار «البطم» الكبيرة، التي يزيد عمر بعضها على 600 عام... «عمرها حتماً أكبر من وزارتي البيئة والزراعة». استاء الرجل من «اعتداءات المواطنين على الأشجار، ما يهدّد ما بقي منها باليباس والاحتراق»، فأخذ المبادرة، وتفرّغ للاهتمام بها. هذه الأشجار التي يعرفها أبناء المنطقة في مرجعيون وبنت جبيل جيداً، لأنهم يقصدونها في أوقات الربيع والصيف للتربّع في ظلالها، باتت تُستخدَم مواقدَ للحطب، لا بل إن «جذوعها حرقت وبقي منها القليل، وهي مهددة بالسقوط.
لذلك، قصدتها اليوم وتركت كلّ أعمالي البيئية الأخرى على عجل من أمري، لأرمّمها». أقفل محمود الحفر الكبيرة التي أحدثتها نيران المعتدين بواسطة الأتربة والباطون، وبات يدفع «ما تيسّر» من راتبه التقاعدي لإنجاز ذلك: «لقد شوهوا هذه الأمكنة ولا يعيرون أي اهتمام لهذه الأشجار المعمّرة التي يرتبط تاريخها بتاريخ لبنان». إلى ذلك، بنى «المتقاعد» مواقد حطب بعيدة عن الأشجار، لكي يستخدمها المتنزهون بدلاً من جذوع الأشجار، «استخدمت سيارتي لنقل حجارة الباطون والرمل والمياه وقمت ببناء المواقد». لكن ثمن من يحاول منعه. كسر هؤلاء المواقد مراراً «لكنني لن أيأس». ينتقد محمود المجالس البلدية، التي «حدّت من نشاطاته البيئية»، كما يقول؛ فـ«اهتمام بلدية حولا بزراعة الأشجار، أعفاني من الكثير من المهمات البيئية وزراعة الأشجار التي بدأت بها قبل ثلاثين عاماً، مع العديد من أبناء البلدة».
في عام 1979 بدأ استاذ المدرسة في حولا، أوّل عملية تشجير على نفقة طلاب مدرسته، بعدما تبرّعوا بمصروفهم الشخصي لشراء 50 شجرة. عملوا بإشراف أستاذهم على زراعتها على جانبي الطريق العام للبلدة. وأكمل معن محمود نشاطه هذا بعدما انضمّ إليه العديد من شبّان البلدة الذين قرّروا تنظيم عملهم وجمع التبرّعات لزرع أكبر عدد من الأشجار في الأحياء والشوارع العامة. لكن الاحتلال الإسرائيلي جعل «أصدقاء الشجرة»، كما أطلقوا على أنفسهم، يتركون البلدة، باستثناء محمود الذي بقي وحيداً يعاند الاحتلال بزراعة الأشجار. كان يطبع «روزنامة» سنوية ليبيعها لأبناء البلدة تحت اسم «جمعية أصدقاء الشجرة»، بغية تغطية ثمن الشجيرات المراد زرعها، حتى لو اضطر إلى الاستدانة لتغطية تكاليف الطباعة، مستعيناً ببعض طلابه الذين كانوا يساعدونه على زراعة الأشجار، رغم مخاطر التنقل في الطرقات والأحياء.
لم يقتصر عمل الجمعية على زراعة الأشجار، بل اتسع نشاطها ليشمل الاهتمام بالأشجار القديمة، كشجرة «الحجّة» الشهيرة التي يزيد عمرها على 400 سنة، إضافة إلى إنشاء بعض «المنشيّات» الصغيرة وترميم «عين وادي الدلاّفة» القديمة، والتي لا يعرف كبار السن تاريخ إنشائها. وتوسّع نشاط الجمعية إلى البلدات المجاورة، فساهمت بزراعة العديد من الأشجار في بلدات ميس الجبل وبنت جبيل ومرجعيون، وحصلت بعد التحرير على دعم وزارة الشؤون الاجتماعية التي ساهمت وقتها بالتعاون مع الجمعية بمشاريع زراعية وتنموية تفوق قيمتها 200 مليون ليرة لبنانية، يؤكد محمود محمود.
بطبيعة الحال، لم تسلم إنجازات «أصدقاء الشجرة» من الاعتداءات الإسرائيلية التي قضت على أكثر من 150 شجرة، والعديد من المنشيات المزروعة. اليوم، رغم المصاعب التي واجهها «صديق الشجرة» بعدما تقدم في السن، قرر الاستمرار متسلحاً بـ«دعم أهالي حولا وتقديرهم لإنجازاته».
تعليقات: