«الترويت»: الثروة الضائعة


«الترويت»: ثروة الهرمل الضائعة



رمت أحداث سوريا بثقلها على نهر العاصي، مسببة شللاً ملحوظاً في حركة مطاعم الهرمل، وتراجعاً في حركة سوق سمك «الترويت»، الذي تنتج المنطقة منه أكثر من ألف طن سنوياً. وبسبب كل هذا، برز التراجع في نمط تربية السمك، حيث عمد بعض المربين إلى تغذية أسماكهم بمخلفات المسالخ

تكاد تكون حركة المطاعم والمتنزهات مشلولة على امتداد نهر العاصي، شرق الهرمل. ويكاد يكون السبب الأساسي هو الحرب الدائرة في سوريا، إذ يسمع إلى المدينة دوي القصف والمدافع. وقد انعكس هذا الواقع سلباً على تجارة سمك «الترويت» الذي يتربى في مئات الأحواض على طول النهر وقرب ينابيع المياه المتعددة في المدينة وجوارها. هذه الثروة السمكية هي الطبق الأساسي في مطاعم الهرمل. لكن الخلل في أسواق البيع رافقه خلل آخر في عملية تغذية السمك؛ إذ راح بعض المزارعين من مربي الأسماك، من باب التوفير، يستسهل عملية تغذيته بمخلفات المسالخ، وخصوصاً أمعاء الدجاج، الأمر الذي أدى إلى خلل في نمو الأسماك، فضلاً عن تلوث مياه النهر. يُعَدّ نهر العاصي بيئة مثالية لتربية سمك الترويت، نظراً إلى أن مياهه نقية وخالية من التلوث وغنية بالأوكسيجين، إضافة إلى برودتها المناسبة. ويؤكد الخبراء أنه يمكن إنتاج آلاف الأطنان من السمك على نهر العاصي، ما يعني إدخال ملايين الدولارات إلى الدورة الاقتصادية لهذه المنطقة، فضلاً عن توفير مئات فرص العمل. لكن «لكي نحصل على هذه النتيجة الإيجابية، يجب على مربي الأسماك التزام الشروط العلمية الصحيحة لهذه التربية واحترام القوانين المرعية الإجراء، ومنها عدم استخدام مخلفات المسالخ، وخصوصاً أمعاء الدجاج في تغذية السمك»، يقول المهندس الزراعي حسين قانصوه.

ويرى قانصوه أن هذا النوع من التغذية «يسبب تلوثاً لمياه النهر يمكن رصده بالعين المجردة، فضلاً عن تراكم البقايا في أرضية الأحواض وعدم تمكن السمك من التقاطها، بسبب فكّه السفلي المنحني، ما يشكل مصدراً للتلوث وسبباً لإصابة الأسماك بالأمراض، كذلك فإنها تتحلل داخل المياه مستهلكة كمية من الأوكسيجين». ويلفت قانصوه إلى أن هذه «المخلفات المجموعة بطرق غير نظيفة أو معقمة لا تحتوي على العناصر الضرورية لنمو الأسماك نمواً سليماً، ولا يمكن أن تشكل بديلاً غذائياً للعلف المعدّ لها ومحسوباً بطرق علمية واقتصادية». مع ذلك، هناك من يهتم جدياً بمشاريعه، التي ساعدت وفرة المياه في العاصي وينابيع الهرمل في تعزيزها. وهنا، يقول المزارع حيدر عوّاد: «لقد كانت الثروة السمكية في الهرمل الثانية بعد المشمش، لكنها حالياً غدت الثروة الأساسية عند المزارعين، وغدا حوض العاصي من النبع وحتى الحدود أحواضاً للتربية، ليفوق عددها مئة مسمكة، وغدت الهرمل تنتج أكثر من ألف طن سنوياً».

يستثمر عواد حوضاً مساحته 450 متراً مربعاً، «أربي فيه حالياً 40 ألف سمكة صغيرة، لكن عندما تكبر لن يتسع لها الحوض وهنا يجب توزيعها، إما بالبيع أو بنقلها إلى أحواض أخرى». عندما تبلغ ستة أشهر «يصبح الفرخ بوزن أوقية (200 غرام)، ويصبح جاهزاً للأكل، وهكذا ترغبه المطاعم، للقلي أو للشيّ. وكلما كبر السمك، صار نموه أسرع، فعندما يبلغ السنة يكون وزنه قد صار كيلوغراماً واحداً».

اشترى عوّاد لأحواضه صندوقاً من بيوض السمك، يحتوي على مئة ألف بيضة، رباها في مياه تبلغ درجة حرارتها 11 مئوية، «السمك صغيراً يكون مثل الطفل، يتعرض لعوامل تقضي على بعضه ويبقى من مئة ألف بيضة نحو ستين ألفاً أو أكثر بقليل، أو أدنى بقليل. وهذا طبيعي، حتى لو بقي منه أربعون ألفاً يبقى مربحاً». كان عواد يصنع العلف بنفسه «فآتي بطحين السمك. أغلى مادة فيه يبلغ سعر الطن منها ألف دولار أميركي، ومع صويا وفيتامينات وغيرها تبلغ كلفة الطن الواحد من العلف 400 دولار أميركي، بينما يبلغ ثمن الطن من العلف المستورد والأجنبي 1600 دولار». واستناداً إلى التجارب، يقول عواد إن «الطن الواحد مع 200 كيلوغرام من العلف ينتج طناً من السمك الذي يباع بالمفرق بنحو ستة ملايين ليرة لبنانية وبالجملة بين 4,5 ملايين وخمسة ملايين». تُعَدّ سوريا المستهلك الأساسي لسمك الترويت، وخصوصاً عندما ينمو ويكبر. بينما تؤثر المطاعم والمستهلك اللبناني السمك الخفيف الوزن على السمين. هناك سوق للسمك في لبنان، لكن المطاعم الساحلية تستهلك السمك البحري أكثر من النهري، ولم تنجح مشاريع التعاون التي بدأت مع جهات مهتمة بالسمك النهري في عملية تدخين السمك ضمن مواصفات جيدة، إذ إن السمك المعدّ للتدخين يحتاج إلى نظام غذائي معين وتربيته بأعداد قليلة في الأحواض. الصعوبات بنظر عواد «تبدأ من عدم الاهتمام بمصنع الغذاء للسمك في الهرمل الذي صرفت عليه أموال طائلة ولم يشغل حتى الآن». يذكر أن المشروع يقع في محلة الدورة عند أطراف الهرمل، وهو «مبني منذ 10 سنوات وحاز مساعدات وأموالاً أكثر من مرة، لكن لا ندري ما العائق أمام تشغيله»، يختم.

تعليقات: