هذه المقالة تحية للوالد المضحّي حسين مغنية ابن مدينة صور/ لبنان, الذي ضحّى بحياته من أجل إنقاذ ابنته من الغرق ..
هكذا "صور".. جارة البحر, صديقة الشّمس, والحصن المصون, تخبّئ حكاياها في كتب الزمان, تحفر على الصّخر المستحمّ وجوه أبنائها, تحدّث أخبارهم, تحرس أحلامهم, يؤرّقها ابتعاد المراكب عن الموانئ, فتحبس في مقلتيها دموع الحنين, وعند المساء يفيض حبّها في حضرة القمر ..
كانت صور حاضرة تلك الظهيرة, تئنّ رمالها تحت سياط اللّهب, تتنهّد بخوف أمّ, ترمق البحر بعينين مسترحمتين.. وكان حسين, ابن صور, يهمس في أذن المدينة آخر أسراره, يخبرها أنّه سيرحل, ولكنّه سيترك لها جميل الذكرى, سيعلّق على صدرها وسام البنوّة النجيبة, سيوفي قليلاً من كثيرها.. كان حسين يتحضّر لرسم لوحتة الأخيرة على رمال صور الذهبيّة, وصور الجميلة تليق بها اللوحات والكلمات, وصور العظيمة مساحة لا نهائيّة للفرح, للحزن, للتضحيات ..
هل تنكّر البحر لحبّ صور؟ هل خان عهودها؟ وكيف لهذا الواسع الجميل أن يقسو على حبيبته؟ كيف تناسى السنين الطوال؟ كيف تجاسر على قلبٍ أحبّه حدّ التّماهي والحلول ..
توقّف الزمن تلك اللحظة, الشّمس أبتِ الشّهود, فتوارت خلف سحاب يتيم, صور استعدّت للفجيعة, لبست أثواب الثّكل, صرخت بكلّ الوجع الكامن فيها منذ قرون, نثرت شعرها الفينيقيّ الجميل, ركضت كغزال خائف نحو البحر, هدأ القلب قليلا, لكنّ العينين هربتا نحو البعيد, فحسين أعاد ليال, ولكنّه لم يعد !...
هناك على الشاطئ الخجِل تسمّرت قدماها,انتظرته, وحين عاد " الوالد الفادي" جثت على ركبتيها ضمّته إلى صدرها, مسحت براحها جبينه, أغمضت عينيه, وراحت تحدو له بهمهمات موجعة, ثم تلفّتت ناحية آثارها القديمة كأنّها تختار له نصباً ليدخل راضياً في سجلات الخلود ..
بقلم : الشيخ محمد أسعد قانصو
Cheikh_kanso@hotmail.com
موضوع ذات صلة "والد صبية يقضي غرقاً إثناء محاولة انقاذ ابنته التي جرفها التيّار في بحر صور"
اثناء انتشال جثة الوالد الغريق من البحر
تعليقات: