يحلّ السياح الأوروبيون في المرتبة الثانية بعد العرب وقد تراجع عددهم بنسبة 3% فقط (جوزيف عيد ــ أ ف ب)
لا يحول دخان الدواليب دون وصول طائرات محملة بالسياح والمغتريبن، إلى درجة أنّ النشاط السياحي حافظ إلى حدّ ما على مستواه المسجّل العام الماضي، بل حتّى شهد تحسناً في بعض المجالات مثل الإشغال الفندقي. ورغم ذلك يُحذّر أصحاب المؤسسات السياحية من الواقع الأليم الناتج من تقزّم الموسم وبؤس السياسة. موقفهم يجب أن يكون أكثر مرونة لتخطّي مرحلة تشابك الأزمات
الأسبوع الماضي، استقبل أحد الشبان اللبنانيين ــ وهو من خيرة جيش العاملين في الخارج ــ صديقين آتيين من ألمانيا لتمضية 15 يوماً. يروي أنّه خلال تجوّلهم سياحياً في منطقة وسط البلد، سُدّت فجأة جميع المخارج المتاحة أمامهم للعودة إلى الفندق. كان ذلك في ليل إحراق الدواليب الذي انطلق من منطقة وطى المصيطبة ووصل إلى فردان. في صبيحة اليوم التالي، قرّر السائحان العودة إلى أوروبا بعد يومين فقط من المجيء.
لا شكّ في أنّه إذا أسقطنا من الحساب بعض التحذيرات العربية من زيارة لبنان، واخرها من السعودية، وبعض الأفكار المسبقة عن قضاء العطلة على شاطئه، تبقى ليالي إحراق الدواليب الأكثر تأثيراً في صيف هذا البلد المتوسطي.
ولكن حتّى مع الدواليب ودخانها الأسود ــ الذي استدعى إعلان خطّة أمنية من دون أي إجراءات سياسية فجة وصريحة ــ لا تبدو صورة الوضع السياحي في البلاد قاتمة كما يُشاع، بل على العكس هناك مجموعة مؤشّرات توضح أنّها تزدهر في جوانب معيّنة وليست مرآة صافية لوضع بلاد تعاني الأمرين من اضطرابات الإقليم ومن بؤس السياسة الداخليّة.
فبحسب المسح الذي تعدّه مؤسّسة «Ernest & Young» عن قطاع الفنادق في منطقة الشرق الأوسط، بلغ معدّل إشغال الفنادق في بيروت 66% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مرتفعاً من 52% فقط في الفترة نفسها من عام 2011.
هذا المعدّل يجعل العاصمة اللبنانية في المرتبة 11 بين 21 سوقاً/ مدينة في المنطقة المدروسة متقدّمة على مدن أكثر استقراراً بأشواط مثل الدوحة والرياض؛ وتبقى دبي متصدّرة اللائحة بمعدّل هائل وصل إلى 91% خلال الفترة المدروسة.
ولدى مقارنة تدفّق السياح حالياً بالعام الماضي، يتضح أن نسبة التراجع لا تتجاوز 6.7% حتّى أيار الماضي. وفي هذا الشهر وحده، كان تراجع تدفق السياح 0.88% فقط. ما يعني أنّ الأوضاع هي إلى تحسّن نسبي.
وفي ما يتعلّق بالسياح الأوروبيين ــ الذين يحلّون في المرتبة الثانية بعد العرب بالنسبة إلى السياحة اللبنانية ــ فإنّ عددهم تقلّص بنسبة 3.3% فقط حتّى أيار الماضي، وهو أداء جيد نسبياً قياساً بحجم التحذيرات التي تصدرها بلدان مختلفة وبتشدّد الحكومات الأوروبية في نصائحها إلى رعاياها.
«ليس الوضع ممتازاً ولكنّه بالتأكيد ليس كارثياً كما جري تصويره» يقول وزير السياحة فادي عبود. ويُشير إلى أنّ تعداد السياح الوافدين إلى لبنان لا يأخذ حالياً السوريين في الحساب، «حيث يتضح وجود سوري لافت جداً في البلاد حالياً».
لكن وفقاً لأصحاب المؤسسات السياحية ورجال الأعمال، الوضع ليس مقبولاً، بل قل كارثياً. ويوضح الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية، جان بيروتي، أنّ المؤشرات المذكورة لا تعكس طبيعة الحركة في القطاع السياحي لمجموعة من الأسباب. فعلى صعيد الإشغال الفندقي، تبقى المؤشرات «محصورة بالعاصمة». ومع إقفال الطرق البرية بسبب الاضطرابات المستمرّة في سوريا يتوافد السياح عبر الجو ويتركّزون مباشرة في العاصمة، فيما تبقى المناطق الأخرى محرومة من الحركة، وتبقى فنادقها فارغة.
ويُشير جان بيروتي إلى جانب آخر في قراءة تدفّق الأجانب إلى لبنان خلال هذه الفترة: شهدنا خلال الفترة الأخيرة تراجعاً في حركة سياحة المؤتمرات في بلدان كثيرة محيطة بنا بسبب أوضاعها السياسية الأمنية ــ وتحديداً سوريا والأردن ومصر ــ فكان أن انتقلت هذه المؤتمرات إلى لبنان.
وبرأيه فإنّ مشكلة هذا النوع من السياحة أنّه قصير الأمد، «وأعتقد أنّ الحركة في بيروت متركّزة على هذا النوع من السياحة».
وللدلالة على مستوى معاناة القطاع، يُضيء جان بيروتي على مجموعة من المؤشرات التي يُفترض برأيه أن تُقدّم فكرة واضحة عن معدّلات التشغيل، منها أنّه خلال الأشهر الماضية ألغى 80% من السياح الأوروبيين حجوزاتهم في لبنان بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
في الواقع تمثّل بيروت وحدها 60% من الحركة السياحية في البلاد، وفقاً لأبحاث وزارة السياحة، وهو رقم ليس هيناً، مع العلم أن هناك مشكلة هيكلية ليست حديثة في سياحة الأطراف التي تعتمد بدرجة كبيرة على الوافدين برّاً وتحديداً السياح الأردنيين والإيرانيين.
غير أنّ حالة شبه الجمود التي تسيطر على حركة البرّ تعوّض عنها حركة الجوّ حيث توضح بيانات مطار بيروت الدولي، أنّ عدد الوافدين نما بنسبة 14.5% حتّى أيار الماضي مقارنة بالفترة نفسها من عام 2011. وصحيح أنّ جزءاً كبيراً من هذا النمو يعود إلى حركة المغتربين، ولكن للمغتربين أيضاً دورٌ مميز تقليدياً في إنعاش موسم السياحة.
يوافق الخبراء ورجال الأعمال، وبينهم جان بيروتي، على هذا التوصيف، غير أنّ المشكلة برأيهم هي أن تواجد المغتربين هنا لا يفوق شهراً ونصف الشهر؛ ففي أوروبا مثلاً تبدأ المدارس في منتصف آب، وفي هذا الموسم أيضاً يبدأ رمضان (شهر الصوم عند المسلمين) في 20 تمّوز الحالي على أن ينتهي في 18 آب المقبل، ما يعني أن جزءاً كبيراً من الزوار سيتركون البلاد باكراً.
ولكن في العام الماضي أيضاً حل رمضان في قلب موسم الاصطياف وكان التشغيل إلى حدود كبيرة أكثر من مقبول وتحديداً في مجال المنتجعات السياحية (راجع: منتجعات أم مناجم ذهب؟ http://www.al-akhbar.com/node/16509 )
ولذا يبدو أن توصيف البعض لمآسي الموسم السياحي «مبالغ فيه كثيراً، وربما يعود بعضها إلى حسابات سياسية» يُعلّق وزير السياحة. «عوضاً عن التذمّر ــ وهو تذمّر مقبول في كثير من الأحيان بسبب مآسي السياسة ــ يجب البحث عن توليفات لتحفيز الأعمال المختلفة في القطاع».
وفي هذا الإطار يتحدّث الخبراء عن ضرورة أن تعمد المؤسسات السياحية إلى مرونة أكبر لكي تتمكّن من تخطّى المراحل الصعبة. ويوضح أحدهم، وهو مطّلع على فلسفة عمل الفنادق الكبرى، أن إدارات تلك الفنادق ليست مرنة جداً في ما يتعلّق بالأسعار. «تجدهم متصلّبين عند المستويات السعرية المرتفعة ولا يعمدون مثلاً في أوقات الأزمات إلى تعديل تعرفتهم». يُضاف إلى ذلك أن الفنادق ذات الأسماء المرموقة، يتابع الخبير نفسه، تتعاطى بنوع من الفوقيّة مع حجوزات المجموعات الكبيرة (Package Deals) التي يُفترض أن تؤمّن ذخراً في أوقات إحجام الفئة العليا من الزبائن (VIP Customers) عن زيارة البلاد.
556.5 ألفاً
عدد السياح الذين توافدوا إلى لبنان حتّى أيار الماضي. يُؤلف العرب نحو 40% منهم يليهم الأوروبيون في المرتبة الثانية بنسبة 30%
208 دولارات
معدّل كلفة الغرفة الفندقية في منطقة بيروت وفقاً لحسابات «Ernest & Young» ما يجعل العاصمة التاسعة الأغلى في المنطقة بين 21 مدينة
نفتقد الشامبانيا العملاقة
تعوّل المؤسسات السياحية كثيراً على الخليجيّين، فوفقاً لنموذج السياحة المعتمد، تقوم الأعمال على بذخ يصل إلى حدود غير معقولة في الحانات والمقاهي (الشامبانيا العملاقة!). وبسبب تراجع تدفّق هؤلاء ــ إن لتحذيرات من حكوماتهم (4 حكومات بينها السعودية أخيراً) أو بسبب أزمة سوريا التي تعوق تدفقهم براً ــ يعلو صراخ المؤسسات: آخ! تراجع تدفق الخليجيين 50%.
تعليقات: