الحدود الجنوبيّة آهلة بقوّة «سلاح الأمان»

يبنون منازلهم مقابل الحدود لثقتهم بوجود قوّة تحميهم (أرشيف ــ الأخبار)
يبنون منازلهم مقابل الحدود لثقتهم بوجود قوّة تحميهم (أرشيف ــ الأخبار)


في ظلّ تزايد عدد المطالبين بنزع سلاح المقاومة، يطرح أبناء المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلّة سؤالاً أساسياً: أين وكيف نبني منازل جديدة لنا إذا سُحب السلاح؟ فلا أحد يقدّر معنى سلاح المقاومة أكثر من الجنوبيين المقيمين هناك قبالة الحدود، ولا أحد يدري خطورة نزع السلاح أو سحبه غير هؤلاء الذين بنوا مئات المنازل لهم على بعد أمتار من الحدود

داني الأمين

«عندما يتكلّم أحد المأجورين على نزع سلاح المقاومة، تعود بي الذاكرة إلى عام 1982 وما قبله، عندما لم يكن أحد يعرف كيف يستخدم السلاح، وعندما هاجر معظم أبناء المنطقة للإقامة في صيدا وبيروت هرباً من الاعتداءات التي لحقت بممتلكاتهم وأرزاقهم وأرواحهم». هكذا يبدأ محمد صولي، ابن بلدة الطيبة الجنوبية حديثه تعليقاً على ما يثار اليوم عن مطالبات بنزع سلاح المقاومة. بالنسبة إليه، ليس بإمكان من لم ينس بعد «أصوات الدبابات الإسرائيلية تدخل وتخرج من البلدة، وأصوات هدم المنازل وصراخ النساء، أن يفهم كيف ترتفع أصوات لبنانية لتطالب بنزع السلاح. لقد كنت وقتها طفلاً وأستغرب هذه الاستباحة لأراضينا، وأسأل عن الجيش أو أي سلاح يحميني». أما شادي فيتذكر كيف كان والده يحرق الصحف الوطنية خوفاً من اعتقاله أو نسف منزله في حال دخل الإسرائيليون ووجدوها، فيما يعود بديع قطيش (حولا) بالذاكرة إلى عام 1948، «يوم دخل الصهاينة إلى البلدة وارتكبوا مجزرة فيها، راح ضحيتها أكثر من 75 شاباً ورجلاً».

كم من الوقت مرّ قبل أن يحلّ التحرير ويعود هؤلاء الى قراهم، ويبنوا منازلهم بأموال جمعوها خلال سنوات الهجرة والنزوح الطويلة. يقول صولي: «هل يدرك المطالبون بنزع السلاح أن أصحاب مئات المنازل التي بنيت قبالة الحدود، لم تكن لترتفع لولا وجود السلاح الذي صنعوه بأيديهم طوال سنوات المقاومة العنيدة؟».

مئات المنازل بنيت عند الحدود في بلدات العديسة، ومركبا وميس الجبل وبليدا وعيترون ومارون الرّاس، الحدودية. حتى إن أهالي بنت جبيل يبحثون اليوم عن أراض جديدة، لشرائها وبناء المنازل عليها، بعدما ضاقت بهم عقارات مدينتهم. أما يارون، فقد انتشرت فيها الأبنية الفخمة التي تدلّ على ثراء أصحابها، الذين هاجروا إلى بلدان كثيرة وعادوا لدفع أموالهم على البناء المكلف والحديث في بلدتهم. حتى إنهم باتوا يواجهون صعوبة في شراء الأراضي لزيادة عدد أبنيتهم التي بناها أصحابها وهم ما زالوا في عالم الاغتراب.

وفي منطقة مرجعيون أيضاً، تتكاثر الأبنية الحديثة والفخمة، وبإمكان المراقب أن يشاهد عشرات الأبنية التي زرعت فجأة على الحدود بعد حرب تموز، ولا سيما على طريق عام بلدة العديسة، مقابل مستعمرة كفرجلعادي. واللافت، كما يقول ابن البلدة خليل رمال، إن «العديد من الأهالي الذين بنوا منازلهم على الحدود لم يولدوا في البلدة ولم يسكنوا فيها سابقاً، حتى إن بعضهم من مدينة بيروت. هناك قصران بنيا حديثاً تعود ملكيتهما لآل عيتاني والحص».

وعلى طريق عام مركبا ـــ حولا، انتشرت أيضاً المنازل الملاصقة للحدود بالعشرات. يقول حسين الأشقر: «يوجد هنا منازل فخمة كلّفت أصحابها مئات آلاف الدولارات. بني هنا أكثر من 600 منزل بعد التحرير عام 2000، واستمرّ البناء على حاله بعد حرب تموز، وعلى الجميع أن يعلم أن سبب ذلك يعود إلى وجود المقاومة وسلاحها الفعّال». وفي بلدة حولا، انتشر البناء حديثاً قبالة موقع العبّاد الشهير، وأصبح حي قصور البلدة وأبنيتها الحجرية ملاصقاً للحدود. أما بلدة ميس الجبل، فقد أصبح الذهاب إليها ضرورياً لكلّ من يريد تجهيز منزله من أبناء قرى وبلدات مرجعيون وبنت جبيل بكلّ ما يلزم من المفروشات والأدوات المنزلية. أكثر من 40 محلاً تجارياً خاصاً بالمفروشات والأدوات المنزلية تنتشر على الشارع العام لبلدة صغيرة نسبياً، ملاصقة للحدود مع فلسطين، «عانت الاحتلال طوال أكثر من عشرين عاماً، ويقيم فيها آلاف المواطنين ويعتاشون بسبب الأمن الذي حظوا به بعد وجود السلاح».

عدم مبالاة الأهالي بـ«جيرة الاحتلال» أمر يعكس ثقتهم بقوّة المقاومة، وبعدم قدرة إسرائيل على شنّ الحرب في الوقت الحاضر. حتى إنّ شكري قاسم، المقيم على بعد أمتار من موقع «العبّاد» الإسرائيلي، يؤكد أن «ما يزعج الأهالي هنا ليس الجنود الإسرائيليين المختبئين على بعد أمتار، بل الأصوات النافرة المنادية بنزع سلاح الأمان لدينا، من دون مبالاة لوجودنا وسرّ إقامتنا وبناء منازلنا هنا».

أحاديث الأهالي المقيمين قرب السياج الإسرائيلي الفاصل تتمحور في معظمها حول مصادر تمويل المطالبين بنزع السلاح، وطرد الجنوبيين المقيمين في الإمارات. يقول أحدهم «هل يضمن المطالبون بنزع السلاح بقاء رواتبهم لو تحقق مطلبهم. ألا يدركون أن عملهم سيتوقف؟». يعلّق أحمد عطوي «الجميع هنا يدرك أنّ عدم وجود قوّة رادعة وموثوقة، يعني أن إسرائيل ستستبيح المنطقة عندما يروقها ذلك، فالتجارب علّمتنا ذلك». ويذكّر علي سليمان بأنّ «العدوّ الإسرائيلي ارتكب مجزرة في مثل هذه الأيام في بلدة حولا في عام 1948، لعدم وجود أي قوّة رادعة، ثمّ قام بأعمال مشابهة واحتلّ الأرض من دون أي رقيب دولي أو حسيب. ولهذا السبب، نشأت المقاومة ووصلت الى هذا الحدّ من القوّة، وإذا ما سحب سلاحها فهذا يعني القضاء على أكثر من 20 عاماً من الجهاد والعمل المقاوم المضني، ولا أدري إن كان الشيخ أحمد الأسير وغيره يدرك تاريخ الحرب مع إسرائيل وأسبابها». يضيف «لكن في جميع الحالات، فليعلم الأخير أنه إذا استطاع أحد ما يوماً، ولن يستطيع، أن يحقّق رغبته ورغبة الأميركيين والإسرائيليين بسحب السلاح، فإن هذا يعني تشريد جميع المقيمين في القرى الحدودية، لأنهم لا يبنون منازلهم مقابل الحدود حبّاً بمشاهدة المستعمرات، بل لثقتهم بوجود قوّة تحميهم وتحمي أرضهم وأطفالهم».

تعليقات: