جانب من سهل المئذنة في كفررمان («السفير»)
يحتل العشرات من أهالي بلدة كفررمان، وهم المشهورون بزراعة الخضار البلدية على أنواعها في منطقة النبطية، ركناً خاصاً بهم في سوق الاثنين التجاري في مدينة النبطية، منذ عشرات السنين. يعرف ذلك الركن بـ«سوق أهالي كفررمان» نسبة إليهم. ويعرضون فيه منتجاتهم الزراعية الشهيرة من الخضار على أنواعها كالخس، والفجل، والبصل الأخضر، والبقدونس، والنعناع، والكزبرة والفلفل والصعتر والهندباء والسبانخ والملوخية... إضافة إلى أنواع عديدة من الأزهار البرية كالبابونج والزيزفون والبخور، حيث تلقى تلك المنتجات رواجاً كبيراً لدى الكثير من المواطنين الذين يتهافتون لشرائها من السوق الأسبوعي، نظراً لجودتها العالية وطعمها ونكهتها البلدية الغنية.
يشكل «سهل المئذنة» الزراعي التي تشتهر به بلدة كفررمان المصدر الأول لإنتاج تلك الخضار البلدية والأزهار البرية، والذي كان يعتبر بمثابة السلة الغذائية والزراعية لأهالي منطقة النبطية حتى منتصف السبعينيات، بحسب المزارع حسين شكرون، وذلك لخصوبة تربته وغزارة مياهه المتمثلة «بنهر زريقون» وعدد من الينابيع وأهمها نبع شقحا، والمئذنة، والحما، والعبارة، التي تروي أراضيه ومزروعاته.
وتحول سهل المئذنة بفعل الاحتلال الإسرائيلي له منذ العام 1985 وحتى العام 2000 إلى ساحة للحرب، وبذلك حُرم الأهالي من الذهاب إليه أو حتى رؤيته. «كما حُرموا من نعمة خيراته الوفيرة التي أنعمها عليهم جراء بوار أراضيه واحتراق بساتينه ومزروعاته كلياً»، كما يقول المزارع حسين علي أحمد، «بفعل وقوعه تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي أحاطه بجملة من المواقع العسكرية التي أقامها على التلال المحيطة به ومن بينها موقعا الطهرة والسويداء، وقام بعزله عن بلدة كفررمان من خلال إقفال الطريق الوحيدة التي تربطه بها، الأمر الذي ذهبت معه جهود ومعاناة عشرات السنين التي بذلها أهالي كفررمان في تنمية سهلهم هباء منثوراً». ومنذ الانسحاب الإسرائيلي حتى اليوم، وأمام إصرار الأهالي وعزيمتهم على إعادة الحياة إلى السهل، ومحو آثار الاحتلال عنه، يشير المزارع أحمد معلم إلى توجه الأهالي إلى السهل مجدداً، حيث عملوا على حراثته وزراعته وتنميته بكل ما أوتوا من قوة ومن نشاط وحيوية، حتى أعادوا إليه خضرته وجماله أحسن مما كانت، معتمدين في ذلك على ثقتهم بأنفسهم وجهودهم الجبارة، وخبرتهم الزراعية التي يعتدون بها.
ويقع السهل على بعد كيلومتر واحد شمال شرق بلدة كفررمان. وتقدر مساحته الإجمالية بأكثر من ألف دونم، وهو عبارة عن منخفض تحيط به التلال من جهات ثلاث، ويحده من الشمال الجبل الرفيع والوادي الأخضر، ومن الجنوب مزرعة الجرمق ومن الشرق مزرعة العرقوب، ومن الغرب بلدة كفررمان.
أهالي كفررمان خسروا ملايين الدولارات التي كانت ستنتجها أراضي السهل، أثناء فترة الاحتلال، فضلاً عن خسارتهم «التي لا تعوض جراء بوار أراضيه وإحراق بساتينه وأشجاره المتنوعة التي كانت مصدر رزقهم وحياتهم الوحيد»، وفق المزارع كامل ديب مدلج، الذي أعرب عن فرحته العارمة بعودته إلى أرضه في سهل المئذنة منذ الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب في العام 2000، والتي وصفها بـ«أرض العطاء والخيرات»، متوجهاً بالشكر الجزيل للمقاومة التي بفضلها أعيدت هذه الأراضي لأصحابها. كما شكلت عودة أهالي كفررمان لاستثمار أراضيهم في سهل المئذنة حلماً حقيقياً بالنسبة للمزارع علي نعيم قانصو وأقرانه من مزارعي كفررمان، الذين صمموا على تحقيق هذا الهدف منذ اليوم الأول الذي أعقب اندحار قوات الاحتلال، بالرغم من تحملهم المزيد من الجهود والتضحيات التي تهون في سبيل أراضيهم وأرزاقهم.
وبالرغم من الزراعة البلدية المشهورة التي ينتجها سهل المئذنة في الوقت الحاضر، فإن «العصر الذهبي لهذه الزراعة قد ولـّى إلى غير رجعة» برأي المزارع منير معلم، في ظل المنافسة الشديدة والتهريب الحاصل لجميع أنواع الخضار والفاكهة المنتجة محلياً، ما يجعل هذه المنتجات ومن ضمنها إنتاج سهل المئذنة خارج المنافسة، الأمر الذي يتسبب بالمزيد من الخسائر للمزارعين.
ويطالب المزارع محمد نعيم ظاهر المسؤولين في الدولة والحكومة بـ«ضرورة تطبيق الروزنامة الزراعية بالفعل وليس بالقول، لا سيما لجهة الحد من كميات الخضار والفاكهة المستوردة والمهربة، تلافياً للمزيد من الخسائر المادية والمعنوية التي تصيب الزراعة والمزارعين في لبنان، وعلى الأخص صغار المزارعين كمزارعي سهل المئذنة في كفررمان وغيرهم من أصحاب الزراعات المحلية الذين لا حول لهم ولا قوة». بذل أهالي كفررمان الكثير من الصبر والعناء لإنماء سهل المئذنة، وبفضل جهودهم الجبارة عاد في الوقت الحالي ليتبوأ الصدارة الأولى في إنتاج الخضار البلدية في منطقة النبطية دون أي منافس، رافداً بالتالي «سوق أهالي كفررمان» في النبطية نهارالإثنين من كل أسبوع بما لذ منها وطاب.
تعليقات: