التهويل الإسرائيلي لم يبدّد هدوء منطقة الوزاني (حسن بحسون)
صراحة، عبّر العدو قبل أسبوع عن قلقه من المتنزهات السياحية على نهر الوزاني، الذي يتقاطع مع فلسطين والجولان المحتلين. يظن أنها قد تستخدم لجرّ مياه الحاصباني وكقواعد لهجمات عسكرية. كذلك يظن أن قلقه قد يلاقيه خوف في الضفة اللبنانية من النهر، وتراجع في الإقبال
على وقع التهديد الإسرائيلي الأخير للبنان، على خلفية ما وصفته «إسرائيل» بـ«الخطط اللبنانية لجرّ مياه الحاصباني»، توجهنا إلى نهر الوزاني الذي يرفد نهر الحاصباني ويصبّ في بحيرة طبريا. هناك نلاحظ أن التهويل الذي أُفردت له مساحات واسعة في إعلام العدو، لم يبدّد هدوء المنطقة أو يشغل سكانها عن استكمال حصاد حقول القمح وقطف مواسم البطيخ والشمام والخوخ والبندورة والبطاطا.
قبل الوصول إلى حيّ متنزهات وادي الوزاني، ترتفع لافتة مرحبة بعبارة «أنت لست في المالديف، بل في الوزاني»، موقعة من إدارة أحد المشاريع السياحية. هذا المشروع (قرية حصن الوزاني) تحديداً، شكل محور التهديد الإسرائيلي الذي حملناه إلى صاحب المؤسسة خليل عبد الله. ننقل للرجل «قلق» العدو «من إقدام لبنان على بناء موقع سياحي على الجانب اللبناني من النهر، على مسافة قريبة جداً من مستوطنة المطلة، وقد يستخدم لجرّ مياه الحاصباني وغطاءً لشنّ هجمات على إسرائيل». لكن الحصول على تعليق منه استلزم وقتاً طويلاً، بسبب الازدحام. يبدو الرجل غير آبه لإسرائيل كلها، لافتاً إلى أنه سيظل مقتنعاً ومفتخراً بقراره تصفية أعماله في أفريقيا والعودة إلى لبنان بعد أربع سنوات من تحرير الجنوب، واستثمار جنى 40 عاماً في الغربة بـ«حصن الوزاني». استفاد من وراثته لأراضٍ تحاذي النهر والحدود ليرسم حلمه الذي رافقه لسنوات، بإنشاء متنزه وفندق وصالة أفراح في هذا المكان. وكما أنفق عبد الله وشقيقته زهرة من الخيام المجاورة، أموالهما في أرض الأجداد، لم يتوان محمود حمدان، من بلدة الغازية، في مشاركتهما المشروع لإدراكه أن إسرائيل «ما بتسترجي تعمل شي بفعل المقاومة التي فرضت الأمان».
جولة سريعة على الرواد تظهر أنهم ليسوا من أبناء المحيط فحسب. فمنهم من جاء من بيروت والجبل، فيما هناك الكثير من المغتربين والأجانب ممن دعاهم أصدقاؤهم إلى تمضية نهار في الوزاني. يقرّ البعض بأن التهديد الإسرائيلي قد يؤثر على أبناء المناطق البعيدة الذين لا يعرفون واقع الجنوب الآمن بعد التحرير وعدوان تموز، فيعدلون عن المجيء. عبد الله وزملاؤه وزوارهم يدركون أن «أفعال العدو تهدف إلى التأثير على الحركة السياحية وضرب مشهد ازدحام المتنزهات وسط أجواء من المتعة والفرح». لكن العامل الذي يقلقون منه «وسيؤثر على الحركة السياحية في المنتزهات هو حلول شهر رمضان في وسط إجازة الصيف».
في المشروع الذي بدأ إنشاؤه منذ عامين، تستمر ورشة تطويره وتوسيعه ليستوعب عدداً أكبر من الزوار. فيما تُظهر بعض أعمال الجرف أن متنزهات جديدة على طريق الإنشاء. لكن التحركات العسكرية المعادية في الجهة المقابلة المحتلة لا تهدأ أيضاً؛ إذ تشهد باستمرار خروقاً برية لجنود إسرائيليين يتسلّلون إليه ويصلون إلى النهر، فضلاً عن استحداث العدو قبل شهر مربضين لدبابات ميركافا تتمركز على تلة مشرفة عليه تقابل نقطة حراسة تابعة للجيش اللبناني. هذا فضلاً عن إلقائه لقنابل مضيئة وإبقاء جنوده في حالة تأهب لأوقات طويلة. وآخرها سجل قبل أيام عندما سلط العدو الكاشفات الضوئية باتجاه المشروع، ثم تقدمت قوة مشاة ترافقها سيارتا جيب عسكريتان واتخذت مواقع قتالية.
إزاء التهديدات العدوانية، أكد مصدر عسكري رسمي في حديث مع «الأخبار» أن إسرائيل «تتذرّع بمياه الحاصباني لإمرار مخطط ما في تلك المنطقة الحدودية، كتبرير تشييد جدار فاصل أو فرض خطة دفاعية تشمل استحداث مواقع إضافية». وتساءل المصدر: «كيف يمكن مشروع الحصن السياحي أن يكون مثار القلق، وهو ساقط عسكرياً لوقوعه في أسفل الوادي وإحاطته بالمواقع المعادية من كل جانب؟». وحذّر من أن تكون الحملة الإسرائيلية «غطاءً للقيام بأعمال جرف وتعديات في المنطقة المتحفظ عليها لبنانياً، تؤدي إلى تغيير في معالم الحدود الدولية وتخالف القرار 1701 الذي نصّ على منع تغيير معالم الأرض المحتلة». وبشأن ادعاء إسرائيل أنها عبّرت عن مخاوفها لقيادة اليونيفيل، وتنوي طرح القضية في أحد الاجتماعات الدورية الثلاثية المقبلة في رأس الناقورة، أكد المصدر أن اليونيفيل «لم تنقل هذه المخاوف إلى الجانب اللبناني الذي لا علم رسمياً له بها». إشارة إلى أن إسرائيل تسحب منذ عام 2000 كميات من مياه نهر الوزاني وتضخها نحو بلدة الغجر بموافقة الدولة اللبنانية، بناءً على طلب من الأمم المتحدة. فيما كانت في زمن الاحتلال تقيم أكثر من محطة تكرير لمياه الحاصباني المتوجهة نحو الأراضي المحتلة. وقرّرت ذات مرة أن تقطع أشجار الدلب على جانبي النهر؛ لأنها تستهلك كميات كبيرة من مياهه. لكن أهالي حاصبيا حينها تصدَّوا لمخططها.
تعليقات: