طار النوم من عيني السفير فسأل: ماذا فعلتم.. لقد انتصر عون؟
هرب النوم من عينيّ «السفير الحليف»، وسهر مدى ليل الأحد، وحتى ساعة متقدمة من فجر الاثنين، في انتظار نتيجة انتخابات المتن؟!
ويقول مطلعون موثوقون، على حد ما تنامى إليهم في هذا الخصوص، إن «صاحب السعادة»، لم يستطع أن يخفي ما غمره لحظة تأكده من فوز مرشح الجنرال ميشال عون. فقد كان أشبه بمن ضربته «هزّة غضب» على درجة عالية من التوتر، ولم يتمالك نفسه، فوزّع ارتدادات هزّته هاتفياً، في اتجاهات أكثرية مختلفة. والسؤال الذي كرّره هذا السفير: ماذا حصل.. ماذا فعلتم؟
أراد السفير الحليف، جواباً توضيحياً، تفصيلياً، يفيده، والكلام للمطلعين الموثوقين، عما مكـّن الجنرال عون من الصمود في وجه «الأسطول الأكثري»، الممتد الى ما وراء البحار والمحيطات، وهزيمته بمرشح مغمور. وبدا أن أكثر ما وتـّر السفير، وأدهشه في آن معاً، هو كيف ان الجنرال استطاع ان يكذّب الاستطلاعات التي أجريت على نطاق واسع، سواء من قبل مستويات سياسية، أكثرية في معظمها، او بعض المقامات والمراجع الدينية، او من قبل بعض السفارات الأجنبية، وفي مقدمها السفارة الأميركية، والتي خلصت جميعاً إلى توقع، أو بالأحرى إلى تأكيد السقوط الحتمي للجنرال عون على ارض المتن، وبفارق آلاف الأصوات بين مرشحه والرئيس أمين الجميل!
ولا بد من الإشارة هنا، إلى ان هذا الفارق، ظهر في استطلاع مثير، أجري قبل أيام قليلة من انتخابات الأحد، وتحدث عن تقدم كبير للجميل، وبما يزيد عن عشرة آلاف صوت. وتردد أن نتائج هذا الاستطلاع تم إبلاغها للجميل قبيل أربعة أيام من الانتخابات (الأربعاء)، وفي عز المباحثات التي كانت جارية برعاية بكركي سعياً إلى التوافق. ومن هنا، يأتي إصرار الجميل على المعركة، على أساس أن النصر «مسوكر» ومضمون بناء على أرقام الاستطلاع، وثمنه سيكون باهظاً جداً على الجنرال. ومن هنا أيضا تأتي التحضيرات والاستعدادات الاكثرية التي تجهّزت على غير صعيد أكثري، للقيام بسلسلة احتفالات بهزيمة عون. وجهز سمير جعجع نفسه مع قواته، لاحتلال صدارتها، على اعتبار أنه صاحب الفضل الاول، وقيل انه رابط الأحد في مكان ما، في جل الديب، في انتظار الحسم، وليكون على مقربة من الانتصار، الذي لم يتم، فاستعيض عنه بالاستثمار!
وخلافاً لهذا الاستثمار على النتيجة، الذي بدأه فريق الأكثرية، بكل رموزه، لتجاوز النتائج الرقمية، وتقزيم انتصار عون وتفريغه من محتواه التمثيلي للمسيحيين، فإن «السفير الحليف» اقر امام مسؤول سياسي بارز، بهزيمة فريقه، خلال استعراض نتائج الانتخابات الفرعية من المتن الى بيروت، حيث قال: لقد استطاع الجنرال أن ينتصر.
وعندما سأله المسؤول البارز ألم تكونوا على علم بقوته على الأرض قال السفير: يبدو أن ثمة من قدّر حجم الجنرال عون ، على هواه، ووفق ما يتمناه، وفي خلاصة الأمر تبين أنه أقوى مما اعتقدنا!
يقول المطلعون الموثوقون أن المسؤول المذكور، لاحظ ان دم «السفير منشّف.. اذبحو ما بينزل منو ولا نقطة دم.. تقرأ من كلامه أنه يشعر بخسارة كبرى».
هذا الإقرار بالخسارة، لن يطول الأمر إلا وسيسحب نفسه على الواقع الأكثري برمته، وهذا يعني برأي اصحاب الكلام، ان حفلة الاستثمار الأكثري، ومهما تفاعلت إعلامياً، فإنها لن تقوى على الهروب من الواقع او تغييره او تعديله، او التقليل من حجم الهزيمة الواقعية التي أسقطت الجميّل وفريقه في المتن، فالهزيمة هزيمة. فضلاً، وهنا الأهم، ان النسبة التي نالها كل من مرشح عون والجميل، تظهر عند تشريحها ما يرضي الفريق الأكثري، ولاسيما لناحية انها تؤكد الموقع المتقدم لعون، ولا سيما في التمثيل الماروني، بحيث ان نسبة الـ43 من الموارنة، هي نسبة عالية ومهمة جداً، وخصوصاً أنها صبت لطرف وحيد، وأنها الاعلى مقابل الآخرين، الذين تجمعهم الصدفة السياسية. بينما نسبة الـ57 التي نالها الجميل، لا تمكنه من الاعلان بأنها نسبة حصرية له، وخصوصاً أنها موزعة على نسب قليلة، متفرقة وموزعة ما بينه، وبين «القوات» ونسيب لحود، والكنيسة، إضافة إلى فرقاء سياسيين ومتنيين آخرين. ما يعني أن هذه النسبة ليست ثابتة، بل هي متحركة ، وقابلة للتبدل مع أي طارئ يمكن أن تشهده الساحة السياسية.
الأهم أن حفلة الاستثمار على النتيجة واللعب على وتر التمثيل المسيحي، ومن يمثل أكثر لدى الموارنة، لن تستطيع بدورها أن تمحو مرارة الخسارة التي يشعر بها الجميل، ومن يعرفون الرجل، والكلام لشخصية سياسية واكبته عن كثب، يشكّون في أنه ينام جيداً منذ صدور النتيجة، فالخسارة كبيرة جداً ولا تقاس، بل هو لا يطيق حقيقة أنه خسر، ليس أمام الجنرال الذي يكن له ما يكنه، بل أمام شخصية مغمورة، فلم يسبق له ان وقع في هذه التجربة من قبل، وبالتالي لا يعوض عليه شيء سوى انه كان يجب ان يفوز في الانتخابات!
غير ان جانباً مهماً في خسارة الجميل، كما تقول الشخصية السياسية المذكورة، يكمن في كونه ربح كتائبياً في كل المقاييس واستطاع ان يشد عصب كثيرين واستحضر القدامى، وقطع بالتالي، الطريق على محاولات إلقاء القبض على الحزب، وخصوصاً من قبل سمير جعجع الذي «يسن أسنانه» لهذا الهدف. فللمرة الاولى يسجل هذا الحضور الكتائبي بهذه الكثافة في المتن، ومنذ العام ,1985 ولا سيما منذ انتفاضات «القوات» في تلك الفترة. والكل يذكر حملة جعجع العسكرية على أنصار الجميل والملاحقات والمطاردات التي تعرضوا لها، في ذلك الوقت، وحتى ما قبل نهاية عهده. فلا شك ان انتخابات المتن، منحت الجميل فرصة إضافية للاستمرار في الإمساك بالحزب.. وهذا يطرح السؤال عن مستقبل العلاقة مع «القوات»، وخصوصاً أن ملعبهما في ساحة واحدة؟
ماذا عن سمير جعجع؟
تقول شخصية سياسية مارونية بارزة، أنه قد يكون جعجع أكثر الخاسرين من النتائج المتنية، سواء بالانتصار الانتخابي الذي حققه الجنرال، او بالانتصار الكتائبي الذي حققه الجميل، فقد سعى جعجع ليكون الرابح الوحيد، ولكن مراهنته على سقوط الجنرال عون وتحجيمه إلى الحد الأدنى، وعلى انتهاء الجميل سياسياً وكتائبياً، كانت مراهنة فاشلة، وبالتالي بقي الاثنان، طبعا مع تقدم كبير للجنرال. وبقاء الاثنين، يعني عودة جعجع الى الخلف، تحينا لفرصة ثانية.
* كاتب ومحلل (من الخيام)
تعليقات: