يحاول الرئيس سعد الحريري لملمة جراح شركة «سعودي أوجيه»، من دون أن يصل الى بر الأمان المالي. تفرغ الرجل لشركته وقرر الاقامة في «الغربة» منذ عام تقريباً، ساعيا إلى إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل أن يهجر أعماله ويتفرغ لـ«نعيم السياسة اللبنانية». وعندما حانت لحظة الانفراج، مني بانتكاسة مالية جديدة، أدت إلى إفقاد الشركة العالمية التي أسسها الرئيس رفيق الحريري في العام 1978، المزيد من رصيدها المعنوي والمالي، والأهم من هيبتها وسمـعتها، خاصة في السعودية، التي لطالما كانت ركيزة مشـاريع «سعودي أوجيه».
ففي خطوة مفاجئة وغير محسوبة، خسرت «سعودي أوجيه» مشروعا جديدا بقيمة 23 مليار ريال سعودي (6,2 مليار دولار) بعد إخلالها بمستلزمات العقد الموقع مع وزارة الداخلية لبناء مشروعين سكنيين ضخمين في المملكة.
ويؤكد مصدر لبناني متابع أن الشركة وإدارتها المتردية تتحمل المسؤولية الكاملة عن ضياع الصفقة، بعدما تلقت أكثر من إنذار من الجانب السعودي يدعوها إلى الالتزام بالفترة المحددة لتنفيذ مراحل المشروع.. من دون جدوى.
الأهم في الموضوع أن الشركة خسرت أيضاً مبلغ التأمين الذي كانت قد وضعته في حساب المشروع، والذي يقدر بـ600 مليون دولار، وهو ما أوقعها بعجز كبير في السيولة، من دون إغفال الصدى السلبي للقرار السعودي، وما يمكن أن يترتب عليه من قرارات داخل الشركة، التي كانت قد صرفت في العامين الماضيين مئات الموظفين على خلفية قضايا اختلاسات (تجاوزت النصف مليار دولار) وسوء إدارة وأمانة الخ...
كما أن القرار سيؤدي حتما إلى تجميد أي بحث في عودة الحريري الى لبنان (يقول قيادي بارز في «المستقبل» إنها مؤجلة أصلا)، والى تسريع ورشة بيع ممتلكات عقارية جديدة لسعد الحريري، في العاصمة ومناطق لبنانية أخرى، فضلا عن تجميد مشروع تطوير تلفزيون «المستقبل» الذي كان مقدرا أن يبصر النور، مع بدء شهر رمضان، لكن أحدا من المعنيين في فريق الحريري لم يقدم للعاملين أي إجابة واضحة حول سبب عدم دفع المتأخرات في الرواتب منذ أكثر من عامين حتى الآن.
يذكر أن المئات من العاملين في مؤسسات «المستقبل» الإعلامية والحزبية والصحية والخدماتية وغيرها، صرفوا ودفعت تعويضاتهم مطلع السنة الحالية.
وفيما كانت قيادة «تيار المستقبل» قد ألمحت الى أنها ستقيم إفطارات رمضانية إما مركزية أو مناطقية، قررت غض النظر عن الأمر، من دون تقديم أية تفسيرات، في خطوة لم يعتدها جمهور «المستقبل».
وبالرغم من إصرار مصدر لبناني متابع على اعتبار خطوة إنهاء العقد السعودي لمشروعي «كاب واحد» و«كاب اثنين» مؤشرا سياسيا لتبدل ما في العلاقة بين الحريري والقيادة السعودية، إلا أن مصدراً مقربا من «تيار المستقبل» ينزع عن الأمر الطابع السياسي، ويقول ان ما حصل «هو نتيجة طبيعية لتقصير فادح من قبل الشركة بالالتزام بتعهداتها ولا يجوز تحميله أية أبعاد أخرى»، مشيرا الى أن الشركة تسعى لاستعادة المشروعين من وزارة الداخلية، لاسيما من خلال الحركة المكوكية التي يقوم بها سعد الحريري في محاولته إصلاح ما انكسر. مع الإشارة إلى أن وزير الداخلية الحالي هو الأمير أحمد بن عبد العزيز، بينما كان يتولى هذه الحقيبة عندما رسا المشروع على «سعودي أوجيه» الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز.
وتردد أن رئيس «تيار المستقبل» أجرى اتصالات عدة بأكثر من قيادي سعودي لم تثمر حتى الآن، وإن يبدي مسؤول في «المستقبل» ثقته بأن المشروع سيؤول مجدداً إلى «سعودي أوجيه».
ولم تستبعد جهات لبنانية تلتزم مشاريع كبرى في المملكة العربية السعودية أن تكون مافيا سعودية في صلب النظام قد أرادت الاضرار بالحريري وسمعته، لحسابات مالية بحتة، ذلك أنه من المعروف تاريخيا أن الفوز بهكذا مشروع انما يحتاج الى صرف حوالي عشرة بالمئة أقله على المحيطين بدوائر القرار (تردد أن الحريري صرف حوالي نصف مليون دولار للفوز بالمشروع).
في سياق مواز، يكثر مصدر في «المستقبل» من ترداد اسم الأمير بندر بن سلطان للدلالة على المرحلة الجديدة في العلاقة بين المملكة وعدد من الملفات الاقليمية وبينها لبنان.
يضحك المصدر نفسه عندما يحكى عن دلالات خسارة الصفقة وانعكاساتها على الواقع اللبناني، مؤكداً أن الأولى بمن يصر على البحث عن انعكاسات سعودية على الواقع السياسي في لبنان أن يركز طويلاً على معاني وصول الأمير بندر إلى رئاسة المخابرات السعودية خلفا للأمير مقرن بن عبد العزيز، «بما يحمله من صفات الاندفاع والتجربة الطويلة في العمل السياسي والاستخباراتي والديبلوماسي إضافة إلى صغر سنه نسبياً».
يختلف مصدران في «المستقبل» حول الأحداث التي تزامنت مع وصول بندر إلى موقعه الجديد. الأول، يذكّر بتفجيرات العراق، والثاني، يجزم أن الملف العراقي ليس مطروحاً على الطاولة السعودية في الوقت الحالي.
يقول المصدر الثاني الأكثر خبرة، «لا يوجد في العقل السعودي حالياً إلا ملفان. الأول حدثي ويتعلق بما يجري في سوريا والثاني سياسي يتعلق بالخلاف الكبير مع إيران. من هنا، يؤكد أن الخطوتين اللتين كانتا الأكثر تعبيراً عن «مرحلة بندر» هما: أولاً، الحملة التي قامت بها الحكومة السعودية لجمع التبرعات «لنصرة الأشقاء في سوريا»، والتي للمـفارقة شاركت فيها «سعوديه أوجيه» من خلال التـبرع بـ7.5 مليون ريال سعودي (نحو مليوني دولار)، وثانياً، القمة الإسلامية الاستثنائية التي ستـعقد في مكة، والتي ستكون الصورة التي ستـجمع الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد عنوانها الأبرز، ومـبرر انعقادها الوحيد (سيشارك فيها لبنان ممثلا بالرئيـس ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي).
يؤكد المصدر البارز في «المستقبل» أن قوة بندر بن سلطان «لا تنبع من موقعه الجديد بحد ذاته، بل من كونه هو شخصياًَ قد تسلّم هذا الموقع، الذي يسمح له بالتواجد أكثر إلى جانب الملك السعودي، وبالتالي في الدائرة الضيقة لصنع القرار في المملكة، أضف إلى أنه أكثر القادرين على تنفيذ سياسة المملكة وانتزاعها من الضبابية التي كانت تشتهر بها في السابق، والتردد الذي كان يميز تعاملها مع الملفات العالقة.
يشير القيادي في «التيار الأزرق» إلى أن أكثر الأمثلة وضوحاً هو حملة التبرعات، التي جاءت بعد أن ظلت المملكة تصر على رفض تشريع كل الدعوات التي صدرت في المملكة «لنصرة السوريين»، أما دفع بندر بن سلطان باتجاه اللقاء السعودي الإيراني فهو لم يكن إلا بهدف تحريك هذا الملف، الذي يتقدم على أي ملف آخر، سعودياً، من دون أن يعني ذلك إمكان فتح كوة في جدار العلاقة المتأزمة بين البلدين.
وثمة نقطة ثالثة لا يذكرها القيادي في «المستقبل» هي مجاهرة المملكة للمرة الأولى بالمشاركة في تسليح المعارضة السورية، عبر القاعدة التركية في أضنة.
يتوقع القيادي نفسه أن تؤدي «الحيوية البندرية» إلى إحياء الدور السعودي في لبنان بعد أقل من سنتين من الانكفاء الذي أعقب سقوط الـ«سين سين».
«كل ذلك سيتم»، بحسب «المستقبل»، بعد أن يتشكل في السين الثانية (سوريا) واقع جديد، مبني على انتهاء حكم الرئيس بشار الأسد وذلك «خلال الأيام القليلة المقبلة»! يرفض المصدر المستقبلي أي نقاش حول العبارة الأخيرة، كما يرفض توصيفها كفرضية، مصراً أنها الآن صارت أمراً واقعاً.
ذلك الواقع، سيمحو كل الآمال التي تشكلت عند البعض حول احتمال أن يكون للمملكة أي بديل سني عن الحريري. أضف إلى فشل كل محاولات «8 آذار» لتركيب شريك سني بديل.
وبرغم توقعات «المستقبل» بقرب سقوط الأسد إلا أن المصدر يجزم أن ذلك لن يكون له تداعيات مباشرة على لبنان، مؤكداً أن «الاستحقاق المنتظر سيكون الانتخابات النيابية، بعدما أصرت الأكثرية الحالية على اعتماد منطق الإلغاء والعزل».
«أخطأ «حزب الله» في عدم قراءة التطورات الإقليمية والداخلية كما يجب»، يقول المصدر، قبل أن يؤكد أن تعنته وإصراره على رفض تمرير المرحلة الراهنة من خلال حكومة تجمع مختلف الأطياف فوت على لبنان فرصة كسر المتاريس السياسية التي رفعها بنفسه، في أكثر من مناسبة.
يضيف: «إذا كان الحزب قد فرض معاييره وشروطه على الحكومات الماضية، إن من خلال «7 أيار» أو من خلال الانقلاب على اتفاق الدوحة وإسقاطه لحكومة سعد الحريري أو من خلال تزكية نجيب ميقاتي رئيسا للحكومة الحالية، استناداً إلى تهديد «القمصان السود»، فإنه حان الوقت ليستمع إلى من لا يوافقه الرأي».
يختم المصدر بالقول «لا بديل عن حكومة انقاذية تحمل صفة حكومة الوحدة الوطنية»، إلا أنه يدعو «حزب الله» إلى الاقتناع بأن معاييره «لم تعد تصلح للزمن الراهن».
تعليقات: