هويدا خالد في الحجاب الذي ارتدته باختيارها
في السابق، كانت هويدا خالد ترفض الكلام. أما اليوم وقد تكلّمت، فباتت ترفض الصورة. قد لا يكون الرفض نهائياً، بل مرتبط بإزالة الضمادات عن وجهها الذي خضع قبل عشرة أيام لعملية تجميلية، ادّخرت والدتها تكاليفها من بيع اللبن
كامل جابر
ست سنوات مرّت على تلك المجزرة في عريض دبين، شرقي بلدة مرجعيون، وأودت بحياة الفلاح داود خالد وولديه عبلة (عشر سنوات) وأحمد (سنة وثمانية أشهر) فضلاً عن إصابة ابنتيه هدى وهويدا وتدمير المنزل. اليوم تتذكر العائلة المجزرة وتقيم إفطاراً عائلياً متواضعاً على «أرواح الشهداء الذين غابوا عنّا»، تقول فاطمة داود خالد. ثمة إصرار يلازم هويدا خالد، ابنة الرابعة عشرة، على مغالبة الألم والذكرى الموجعة، خصوصاً بعدما بدأت خطوط الإصابة تزول عن وجهها الحنطي الجميل. فقد أجرت عملية تجميلية منذ عشرة أيام، تكلّلت بالنجاح، وأعادت البسمة إلى وجهها وإلى قلبها. هذه الطفلة التي انتزع منها العدوان، وهي في عمر الثامنة، والدها وشقيقيها، وكذلك إحدى عينيها.
«لن تلبسي بعد اليوم نظارة»، قال لها الطبيب الذي أجرى العملية. أما ندوب الخد تحت العين اليمنى فلن يبقى منها غير آثار قليلة «ولن يراها إلا من يحدّق إلى الوجه ملياً»، تقول والدتها حميدة. تشير الأخيرة إلى أن عملية ابنتها «كلّفت ما يفوق 600 دولار في عيادة الطبيب سمير شحادة، في إحدى عيادات الجامعة الأميركية». الطبيب أجرى العملية في العيادة ليخفّف عن العائلة التكاليف، «لقد ادّخرت المبلغ من بيع اللبن، لكي أحقق هذا الحلم لهويدا ولي. لم أكن لأتمكن من إجرائها في مستشفى الجامعة الأميركية، أو أي مستشفى آخر، لقد أجرينا العميلة وخرجنا بعد ساعة».
لا تفارق البسمة وجه الطفلة التي عانت ما عانته جرّاء الإصابة من صاروخ إسرائيلي سقط في 19 تموز 2006 قرب منزلها. يومها فقدت عينها اليمنى، وأصيبت بجرح بالغ في وجنتها اليمنى. هويدا اليوم، على غير ما كانت عليه بعد العدوان بسنوات قليلة، حينما كانت تلوذ بالصمت وتسرح بعيداً كلما تطفل على حياتها لقاء صحافي، هي الآن تحاور وتجيب، لكن بعيداً عن عين الكاميرا وجهاز التسجيل، ولا تتردد في التعبير عن فرحتها بالعملية الجراحية الأخيرة. تروي: «لقد أجرى الطبيب بنجاً موضعياً، وكنت أشعر بما يدور حولي. لم أرَ الجرح الجديد في عملية التجميل جراء ضمادة وضعها الطبيب الذي أخبرنا بعد زيارة ثانية أن العملية تكلّلت بالنجاح». هذه الضمادات كانت سبب رفض هويدا التقاط صورة لها بعد هذه العملية التي أزاحت عن وجهها شيئاً من الذاكرة الأليمة.
«من المؤكد أن هويدا تحتاج إلى أشهر إضافية لكي تغيب آثار الجرح عن وجهها، وعليها ألا تعرّض هذا الجرح لأشعة الشمس اتّقاءً للحرارة التي قد تؤدي إلى التهابات» كما تؤكد والدتها. أما هويدا فتضيف: «لكن الطبيب طمأنني إلى أن كل شيء سيعود طبيعياً، وأنا فرحة جداً لإجراء هذه العملية».
تصوم هويدا أيام شهر الصوم، بالرغم من نحول جسدها، وتعزو والدتها سبب النحول إلى امتحانات نهاية العام الدراسي، «إذ تراجع إقبالها على الطعام، ولم تطمئن قبل صدور النتائج ونجاحها، وهي ستترفع إلى الصف التاسع (البروفيه)».
تدرك هويدا أن شهر تموز هو الشهر الذي تعرضت فيه العائلة لكل هذه الإصابات و«النكبات»، وبات على والدتها أن تعيل الأسرة التي بقي منها خمسة أفراد (هدى، هويدا، فاطمة، علي وهديل) من بقرة ترعاها، وتساعدها في ذلك شقيقة الزوج، مثلما تساعد في تربية الأولاد، خصوصاً بعد رحيل جدتها لأبيها أم وليد. وهي أتمّت في 12 حزيران الفائت أعوامها الأربعة عشر. وبعد النتيجة المدرسية، وفي مطلع الصيف، ركنت كتبها جانباً «لأنعم بقليل من الراحة والهدوء». تمضي الوقت الصيفي إلى جانب والدتها في البيت، أو عند بيت جدها لوالدها، القريب من بيتها عند أطراف الرابية الواقعة بين بلدتي دبين ومرجعيون والمطلة على السهل، «أو نذهب إلى بيت جدي لأمي في صيدا، لكن في زيارة تدوم ساعات قليلة». هي لمّا تزل تتابع دروسها مع شقيقيها الصغيرين علي وهديل في مدرسة الإيمان في الهبارية، «في هذه المدرسة سيفاجأ الرفاق بذهاب التشويه عن وجهي، ولن يسألوني بعد اليوم ماذا حصل لوجهك. إلى المدرسة سأعود أجمل».
موضوع ذات صلة "هويدا خالد: أحلم بكلّ شيء"
هويدا خالد بعد العملية
تعليقات: