المساحة المزروعة من البطيخ في عدلون لا تتعدى 80 دونما (مايا ياغي)
موجة تغيير المزروعات في ساحل الزهراني جاءت سريعة
«البطيخ العدلوني».. دونمات تُزرع للاستهلاك الشخصي
مايا ياغي
تنتشر على بسطات البطيخ في معظم المناطق، لافتات كبيرة تعلوها: «بطيخ عدلوني»، علامة تجارية يتغنى بها التجّار، ليرفعوا السعر، في وقت لم يتبق في بلدة عدلون الجنوبية نفسها، إلا بعض دونمات تزرع بطيخاً للاستهلاك الشخصي. وبين «بقلاوة» عدلون و«بطيخ الأنفاق» فروقات كثيرة لا يعرفها المستهلك، وتحتاج لخبرة زراعية كبيرة لاكتشافها.
يتذكّر أبو حسين سلهب أيام والده مع زراعة البطيخ، يفتح دفتر الذاكرة، راجعا إلى ما قبل العام 1945، حيث كانت زراعة الحبوب كالقمح والذرة، هي التي تميز ساحل الزهراني، وكانت زراعة البطيخ وبعض أصناف الخضار، زراعة موسمية يعتمدها المزارعون لترتاح أراضيهم الزراعية فترة من الزمن بغية استثمارها من جديد.
لكن بعدما وصلت مياه مشروع الليطاني إلى البلدة، انتشرت بساتين الحمضيات والموز بكثرة، وتوسعت زراعة البطيخ المرويّ إلى ما يقارب الألفي دونم، وكان أصحاب الأرض والمزارعون يتفقون بما يعرف بـ«نظام الحصة»، بحيث يعطى المزارع من إجمالي الإنتاج قيمة 30 في المئة، والباقي يكون لصاحب الأرض، على أساس أن المزارع يقدم العمل والعناية، والمالك يقدم كل ما تتطلبه هذه الزراعة من تكلفة مادية. هكذا أعطى سهل عدلون بمساحته المقدرة بسبعين ألف دونم عزّا أعطى للبلدة اسما عريقا: «البطيخ العدلوني»، الذي كان يتميز بمذاقه الحلو، ورائحته ولونه وكبر ثمرته.
من نيسان إلى حزيران
ينتقي المزارع أبو علي وهبي البذور من البطيخة ذات المذاق المميز، يفرشها تحت أشعة الشمس، ويتركها للعام المقبل، حيث يطمرها بالتراب ويرويها بالمياه باستمرار، ويزرعها في نيسان ويقطفها في حزيران.
هذه الطريقة التقليدية في الزراعة لا تلبي أكثر من حاجات منزل واحد في الموسم، ما دفع المستثمرين إلى اعتماد طرق جديدة في هذه الزراعة تعرف بـ«بطيخ الأنفاق»، «تطعّم شتلات البطيخ مع القرعيات، ما يعطي ضعفي إنتاج شتلة البطيخ، فالدونم الواحد من البطيخ غير المطعم قد يعطي ستة أطنان، أما المطعّم فيعطي ما يقارب 14 طنا. لكن المذاق والطعم يختلفان كثيرا عن البطيخ المزروع وفق الطريقة التقليدية»، يقول المهندس الزراعي سليم مراد، مؤكدا أن هذه «الزراعة ليست في بلدة عدلون، بل تنتشر بشكل مشاريع كبيرة عند نهر الوزاني، وفي بلدة القاع البقاعية».
حاليا لا يقتصر السوق على البطيخ العدلوني، فهناك البطيخ الأردني، السعودي، اليمني والمصري. والإنتاج المحلي لم يعد بالجودة السابقة نفسها، المواد الكيماوية والأسمدة والمغذيات ومكافحات الأمراض والحشرات، كما كل الزراعات، حوّلت زراعة البطيخ من شتلة يزرعها المزراع في خليط من مخلفات الماشية والتراب، إلى شتلة تجارية تهدف لكسب أكبر قدر ممكن من الربح، وما داخل البطيخة يبقى للحظ، ففيما يباع البطيخ العدلوني داخل البلدة بـ750 ليرة، يباع بطيخ الأنفاق بـ500 ليرة، والمستهلك لا يستطيع معرفة الفرق ما بينهما. يروي المزارع أبو حسين سعد أن «بعض الملونات توضع في أنابيب الري للبطيخ، ليأخذ اللون الأحمر القاني، ولكن المذاق لا طعم ولا رائحة».
كلفة الإنتاج مرتفعة
لا تتعدى المساحة المزروعة من البطيخ في بلدة عدلون 80 دونما، فإيجار الأرض في الموسم الواحد تقارب 300 دولار، وكلفة الإنتاج أصبحت مرتفعة. العمّال ليس لديهم خبرة، وأجرتهم مرتفعة، حتى الأراضي الزراعية استثمرت في الحمضيات والموز، وزراعة البطيخ ليست أكثر من ترك الأرض ترتاح لفترة، لأن هذه الزراعة تعتبر خفيفة تنقي الأرض وتعيدها إلى نشاطها السابق. محسن سعد ابن بلدة عدلون، يشير إلى أن «الجيل الحالي ترك الزراعة لنشاطات ومهن أخرى، والجيل القديم لم تعد تساعده قدراته الجسدية، هكذا لم يبق من زراعة البطيخ في عدلون أكثر من اسم تاريخي تميزت به».
يؤكد رئيس البلدية سميح وهبي أن «زراعة البطيخ في عدلون لا تشكل نسبة واحد من ألف من مجمل الزراعة في لبنان، لكن الاسم الذي اكتسبته كان بفعل نزاهة المزارعين القدامى، فالزراعة في تلك الأيام لم تكن تجارة». ويضيف أن «المعوقات التي ساهمت في تراجع هذه الزراعة في البلدة، تعود في الدرجة الأولى إلى ارتفاع كلفة الزراعة، وتحول المزارعين إلى زراعات أخرى».
ويشرح المزارع محسن سعد أن «من يتحكم بأنواع الزراعات في سهل عدلون ليس أبناء البلدة، بل أصحاب الأرض، الذين يبحثون في الدرجة الأولى عن الاستثمارات المربحة».
هكذا تتحول الزراعات المميزة في ساحل الزهراني، من الحمضيات إلى الموز والأشجار الإستوائية، ومن زراعة البطيخ إلى الخيم البلاستيكية للخضار، ومن زراعة الورود إلى زراعة جديدة لا نعرفها حتى الآن. موجة التغيير لم تكن تدريجية بل سريعة وملحوظة، علما أن هذه الزراعات المميزة والتي ذاع صيتها إلى بلدان أوروبا وأفريقيا والعالم العربي، هي الركيزة الأساس التي يعوّل عليها قطاع الزراعة في لبنان لمنافسة البلدان الزراعية الأخرى.
مايا ياغي
تعليقات: