السيد علي فضل الله في افطار \"المبرات\" في الخيام: التعايش أهم إرث وطني إنساني نتركه لمستقبل أولادنا
أقامت جمعية \"المبرات\" الخيرية حفل إفطار في مدرسة عيسى بن مريم في بلدة الخيام - قضاء مرجعيون، في حضور فاعليات ووجوه اقتصادية واجتماعية وحزبية وتربوية وعسكرية ودينية ورؤساء بلديات ومخاتير.
افتتح الحفل بآيات من الذكر الحكيم، تلاها كلمة الجمعية ألقاها مدير المدرسة أحمد عطية، شكر فيها \"الخيرين على دعمهم لمسيرة المبرات في بناء المؤسسات وإنماء المجتمع لتقديم الأفضل على مستوى التربية والتعليم والرعاية الصحية والإجتماعية\".
تلاها كلمة العلامة السيد علي فضل الله تحدث فيها عن مشتركات الأديان فقال: \"الأديان منشؤها واحد، الرب واحد والعبادات هدفها واحد: صلاة وحج وتصدق وصيام، والمعاملات شكلها واحد، رأفة وبر وخير ونبذ للتجبر والتعصب، فرأسمال الأنبياء هو البر والرأفة والرحمة والتواضع والتواصل، وشهادة التدين ليست أنماطا وكليشيهات، فالله لا يتطلع إلى صور عباده، بل إلى قلوبهم وعقولهم يريد أن يرى فيها طهرا وصفاء ونقاء ومحبة، وإلى سلوكهم يريد أن يرى فيه خيرا وتواضعا وحسن معشر\".
ورأى ان \"اللغة القائمة والتي نعاني منها في الواقع السياسي والإعلامي، هي ليست من الدين في شيء\"، وقال: \"الطائفية ليست دينا، والمذهبية ليست دينا والشخصانية ليست من الدين، وغالبا ما يتحكم بالمواقع الطائفية والمذهبية من لا نعثر لديه من الدين إلا عباءته، أما المحتوى فهو أبعد ما يكون عن الدين وروح الدين، إذ لا مكان لدى الدين لأي لغة حقد أو عصبية أو إلغاء أو تفكير فالعلاقة مع المختلف ترتقي بالبشر ولا تنحدر بهم، ففي الدين الذي يريده الله علاج للاختلاف وليس سببا له\".
وتحدث عن إيجابيات التعايش في المنطقة، قائلا: \"إن من دواعي اعتزازنا أجواء التعايش الذي عاشته وتعيشه هذه المنطقة التي نقف عليها في علاقات الطوائف والمذاهب في ما بينها، ومن يتابع المفردات يجد أن الآخر وفزاعته لم يكن لهما وجود في قاموس أبناء هذه المنطقة ومنذ القدم، حيث الإنصهار كان هو طابع التعايش، وكل واحد منكم يحمل في ذاكرته الشواهد والدلالات والذكريات على مدى التأثير المتبادل بين الناس في هذه المنطقة، تدريسا وطبابة وزراعة وخدمات، كلها كانت تنطلق من دون حواجز أو اعتبارات دينية أو مذهبية في جو من الإحترام الكبير من كل طائفة لعادات الطائفة الأخرى وأعيادها وحلالها وحرامها\".
واضاف: \"هذا ما كان سائدا ولم تشبه شائبة سوى السياسة التي تتغذى على الحساسيات والتفرقة، وإذ جاء من يؤججها لتخويف من هنا أو إثارة من هنا وهناك، فهي كانت سحائب صيف سرعان ما تزول وتعود الأمور إلى مجاريها، خاصة أن الأسباب عرفت، والكيان الصهيوني الطارئ على هذه المنطقة سيظل طارئا وهجينا، كان له الدور المباشر وغير المباشر في تأجيج الخلافات والحساسيات وإعطائها طابعا طائفيا والآن يعمل بكل جهد مع دوائر قرار عالمية وإقليمية لإعطائها طابعا مذهبيا\".
وتابع: \"إننا نريد لهذه المنطقة أن تبقى أنموذجا يحتذى في واقعنا، أنموذجا نواجه به أزمات الخارج والداخل، إن التعايش في هذه المنطقة هو المصير والمسار وهو الواقع الذي يفرض نفسه على كل تنظير هو سابق له، هو القاعدة وليس الاستثناء\".
ودعا \"إلى التمسك بوحدتنا المستندة إلى تعايش حقيقي بيننا لمواجهة تمدد العدو في وحداته الإستيطانية والتي يزيد من بنائها من أجل بناء تعايش وهمي بين أفراد يأتي بهم من كل أنحاء العالم\".
وأضاف: \"اعتدنا في لبنان أن تقلع كل طائفة أشواكها بأظافرها فلنتعلم في هذه المنطقة أن نقلع أشواكنا معا، طوائف ومذاهب ومواقع سياسية، أن نؤكد في هذه المنطقة على حفظ وحدتنا وتماسكنا لا سيما في ظل وجود العدو الصهيوني الطامع بأرضنا ومائنا وثرواتنا، هذا العدو الذي لن يكل ولن يمل حتى يثأر لهزيمته، فبوحدتنا وبتماسكنا أسقطنا عنفوان هذا العدو وهيبته وتمرغ أنفه بالتراب، وبتماسكنا ووحدتنا نستطيع أن نكرر هذا الأمر إن كرر العدو مغامرته، فلنحتفظ بهذه الورقة الرابحة جيدا فهي صمام أماننا\".
وختم: \"إن تنوعنا غنى نعتز به، لون حياتنا وأفكارنا ورؤانا وأساليبنا، اعترفنا بذلك أم أنكرنا، فاحتكاكنا الطبيعي بعضنا ببعض يشكل إضافة قد لا يعرف المرء أهميتها الآن ولكن سيكتشف كم هو مهم هذا التعايش على مستوى المستقبل، خاصة على مستقبل أولادنا، وسيكون هذا التعايش أفضل إرث وأهم إرث وطني وإنساني نتركه لهم، فلنحافظ جميعا عليه وننقله إلى الأجيال نقيا طاهرا طبيعيا\".
تعليقات: