MTV، تحية لقرارك
MTV، تحية لقرارك... مقاربة إعلامية علمية
لماذا التحية؟ لأن قرار MTV بعدم تغطية اعمال العنف المسيئة الى صورة لبنان الحضارية هو قرار اعلامي علمي هادف له مفاعيل استراتيجية عميقة... لنوضح لماذا؟
الايحاء والعدوى: عند حصول أعمال عنف في بلد يعاني حرباً وانقسامات اهلية، يعمد اعداء الوطن الى زيادة النار اضطراماً، فتلتهب ردة الفعل الجماهيرية.
رصدنا أثناء ازمات لبنان، أن الفرد ضمن لجّة الجمهور لا يتمكن من فهم وتمييز الألوان الوطنية السياسية، فهو يرى الأمور بعمومياتها العريضة ولا يكترث لمعرفة التحولات واسبابها، اذ ينشأ لدى الناس عادة في تلك الحالة مشاعر الولاء تجاه جماعاتهم والافتخار بها. وسواء أكانت هذه المشاعر مبررة ام لا، فإن اعضاء الجماعة يتأثرون بها. وإن الكثير من الصراع بين شلل الأحياء الضيقة والجماعات الدينية يقوم على المشاعر المبالغ فيها بالافتخار بالجماعة.
ويتأثر هذا المفهوم بظاهرة قوامها عاملين: الايحاء والعدوى. الايحاء الذي يخاطب المخيلة، والعدوى التي تنقل هذا الايحاء بسرعة من فرد الى آخر ومن مجموعة الى أخرى، لأن المبالغة في ردود الفعل عند الجمهور معدية.
ويلعب عنصر انتفاء المسؤولية دوراً في المبالغة هذه. فالافلات من القصاص يكون مؤكداً لدى الفرد ضمن لجّة الجمهور، حيث يتكون لديه شعور الواثق من سلطته الآنية بسبب كتلته الضخمة الطاغية.
تجلت هذه الظاهرة اثناء الأزمات الأهلية اللبنانية، حيث تحرر الساذج والجاهل والأرعن كل من إحساسه بعجزه وامتلك قوة خشنة قاسية بفعل امتلاكها المشروعية بنظر الجمهور المشارك. وحفلت هذه الحرب بمسؤولين افرزتهم الجماهير المتدافعة، فقامت على أكتافهم المفاصل الأكثر دموية.
وبالتالي، يجب على الاعلام “الا يلجأ الى تغطية اعمال العنف ذات البعد التعصبي، لأنه بذلك يمارس دوراً فتنوياً يؤدي الى توالد ظاهرة الايحاء والعدوى عند الجماهير.
عندما نعرف هذه الحقيقة العلمية المرتبطة بعلم الرأي العام والاعلام، كيف نتعمد ان نرمي الجماهير في أتون الشحن الفتنوي من أجل سبق اعلامي رخيص؟ نفهم أنه يمكن ان نشحن الجماهير من أجل ثوابت وطنية وعدو مشترك، ولكن الشحن في مشاهد حرق الدواليب وحفلات الشتائم ذات البعد المذهبي في صراع لعبة الحكم، فتلك جريمة وطنية.
الذاكرة الجماعية: من خلال تجارب اجريناها سابقاً خلال الأزمة اللبنانية، نقول إنه يحدث داخل كتلة اي جمهور صراع بين الحجج التي تبناها سابقاً وبين الرسائل الاعلامية، فينتفي المجال للمقارنة بين البرهان والتخيلات الشعورية، وتطفو الأخيرة طبعاً على السطح المترجرج وتسيطر.
وينصهر افراد الجمهور بالتصورات والذاكرة الجماعية واستدعاء مجموع الارث الاجتماعي – النفساني (الدين، المعتقد، العادات، الأساطير، الثقافة، التاريخ...). وهذا الترابط يكون جامداً لا يفككه شك وليس في حاجة الى دعمه بالبرهان.
تطبيقاً لذلك، عمد صانعو الدعايات السياسية خلال الحرب اللبنانية الى استحضار الصورة التي تسحر مخيلة جمهورهم وتزيد الاثارة. لأن الصراع السياسي في الحروب اللبنانية اتخذ مظهر لعبة معرفة كيفية تحريك الأوتار في الأوقات الملائمة، وحينما كان العقلاء من اللبنانيين يحاولون التوافق، كان بعض الاعلام يتدخل في اللحظة الحرجة ويثير الفتنة لدى الجماهير عبر تغطية ايحائية لئيمة لأعمال عنف تضرم نار الأحقاد وتؤجهها.
وبعد هذا الرصد لمضمون الخطاب (السياسي – الاعلامي – الطائفي) التحريضي، وبعد أن نعرف أن علم النفس الاجتماعي يثبت ان الجماهير بعد تحريض ممنهج قد تكرر اخطاءها السابقة، نتساءل: ترى ماذا يخبئ لنا رماد الدواليب من نار، خصوصاً عندما تنبش الكوامن الشعورية الطائفية او المذهبية الدفينة في سبق اعلامي لتغطية مشاهد حرق الدواليب وحفلات شتائم تحرك العمق الشعوري المتطرف في محطات الصراع السياسي؟
ويا للأسف، اعتقد الشعب اللبناني انه ارتقى من مصاف الدول النامية عندما تكلم اللغات الأجنبية وفتح أبوابه للحرية المفرطة، ولكن جاءت حرب السنتين والأزمات التي تلتها لتبين مدى إهماله مسألة الاعلام المعرفي في اتجاه ثقافة العيش المشترك الحقيقي.
نختم: إن السبق الاعلامي الساقط عبر تغطية ذات ايحاء طائفي او مذهبي او عنفي يدفع الى نشوء تعدديات (مجتمعية – سياسية) وايديولوجيات تعصبية قد تدمر عنصر المواطنة عند الجمهور. وهذا الأمر ينعكس سلوكاً يؤدي الى صدامات اهلية تنذر بأن تصبح نزاعاً مسلحاً داخلياً. ويا للأسف، تبرز القناعة بعد تدمير ذاتي وهستيريا جماعية بأن الحوار هو وسيلة الحل، الحوار في مناخ اعلامي يرتكز على التنوير لا على سبق اعلامي الى ساحة دواليب او حفلة شتائم.
لا بدّ من ان يعمل الحوار الوطني الحالي على تنفيذ اعلان بعبدا والالتزام بتغطية الحدث ضمن معادلة اعلام المعرفة الذي يخدم صورة لبنان الحضارية.
MTV... تحية لقرارك... وفيك للمحطات أسوة حسنة.
تعليقات: