والد الشهيد هادي جعفر في الغازية (م.ع.م)
الغازية:
في الغازية، تتعدد الروايات التي تتحدث عن هول ما تعرضت له البلدة، وهو فريد، بكل المعايير.
ففي السابع من آب، وقعت المجزرة الأولى. وفي اليوم التالي، وقعت المجزرة الثانية لما قرر العدو استهداف مشيعي شهداء اليوم السابق.
رحل في الغازية، بين تموز وآب ,2006 ثلاثون شهيدا، وأصيب ثمانون جريحا. كيف تروى حكايات كل هؤلاء؟
ربما تختصر حكاية أحمد حسن بدران بعض المآسي. فهو فقد والدته رقية وشقيقتيه ليلى وزينب وابنة شقيقته مريم وأولاده الأربعة كلهم، حسن وعلي ومنال وحنين. أما زوجته باسمة ناصر فهي الشهيدة الحية التي لها حكاية خاصة.
يستعيد أحمد الوقائع المأساوية لتلك اللحظات من حياته: «عند حوالى الساعة الثامنة إلا خمس دقائق من صباح الاثنين في السابع من آب، خرجت من المنزل برفقة والدي حسن بدران لإحضار الخبز وبعض الخضار للعائلة ولم نبتعد أكثر من خمسين مترا عن البيت حتى أغارت الطائرات الحربية الاسرائيلية عليه، وأصبت بشظية في رأسي ونقلت الى المستشفى قبل أن أعود لأشاهد ما حل بكل أفراد عائلتي».
يتابع: «قبل أن أغادر، كانت والدتي وشقيقتاي يشربن القهوة وكن يتحدثن عن المجزرة التي وقعت فجر اليوم نفسه في الغسانية، وكن قد عرفن عنها من الأخبار. تركت أولادي في نوم عميق، وكانت زوجتي في الحمام. طلبت من والدي أن نجلس قليلا ونشرب القهوة إلا انه قال انه يجب الإسراع في إحضار الخبر والخضار لإعداد الطعام».
«هكذا، غادرنا وكانت المرة الأخيرة التي جمعتنا معا... عثرنا على زوجتي باسمة ناصر على بعد ثلاثين مترا من المنزل وما زال فيها روح. كانت تئن وقد قذفتها شدة القصف خارج المنزل. كانت محترقة ومشوهة ومصابة بكسور وتنزف من كل جسدها. نقلت الى مركز الراعي لأيام وبسبب خطورة إصابتها، تم نقلها الى الجامعة الاميركية في بيروت وبقيت قيد المعالجة لأكثر من 55 يوما قبل أن تنقل الى ايطاليا لاستكمال العلاج.
بقيت باسمة في ايطاليا أكثر من شهرين ونصف الشهر. وهي ما زالت تحمل آثار تلك إصاباتها، وتحمل أيضا أكثر من ستمئة غرزة في جسدها، وتحتاج لمواصلة علاج يدها المصابة بكسور عدة.
يقول أحمد «كيف أنسى أولادي حتى ولو أن عاما كاملا قد مر على رحيلهم؟ لم يعد لحياتي معنى أو طعم. أعيش في انتظار قدري لعل الله يريحني ويجمعني بأولادي مجددا. أصبحت الحياة كالعلقم.
صار عمر ابنتي الكبرى منال اليوم 16 سنة، وابني الكبير علي صار عمره 15 سنة، وحنين 13 والصغير حسن أصبح في الحادية عشرة».
أولاده الشهداء، كبروا سنة في موتهم.
باسمة
لن يصدق أحد أن السيدة هذه هي نفسها باسمة ناصر التي في الصورة المأخوذة بعد إصابتها في المستشفى. تحسنت كثيراً، جسديا. لكن الألم ما زال مقيما في داخلها.
تقول «جرحي الأكبر هو مصابي في عائلتي، أولادي الذين فقدتهم وأفتقدهم كل لحظة. هذا جرح لن يطيب مدى العمر. كل لحظة، في كل يوم وكل ليلة، أتذكرهم. أراهم أمامي وأتخيلهم وقد صاروا أكبر وأجمل وأطول. ماذا بوسعي أن أفعل اليوم؟ أزورهم في المقبرة وأتلو الفاتحة عن أرواحهم».
تضيف: «ابني علي كان يحب لعبة كرة القدم، وكان في فريق البلدة وكلما شاهدت شباب الغازية أتخيله بينهم ومعهم. أما ابني حسن فكان يحب أن يشتغل وبقي مهموما بذلك إلى أن أشتغل في الصيف في صالون حلاقة وكان في غاية الفرح لما أعطاه صاحب المحل المفتاح. أتذكر أنه في الليلة الأخيرة قال لي: يا أمي، لا توقظيني غداً (الاثنين) فهو يوم عطلة.. وبدي ابقى نائم».
بقي علي نائماً.
الغازية.. قرية حدودية!
في حرب تموز، 2006 وجدت بلدة الغازية، أو ضاحية صيدا الجنوبية نفسها في خط المواجهة وكأنها من القرى الحدودية الأمامية.
تعرضت الى عشرات الغارات الجوية وسقط منها أكثر من ثلاثين شهيدا وحوالى ثمانين جريحا بالإضافة الى الدمار الكبير الذي أصاب الأبنية والممتلكات والبنى التحتية، من جسور وطرق وخطوط اتصالات وصرف صحي، الواقعة بين جسر الزهراني جنوبي الغازية وبين جسر سينيق، شمالي اوتستراد الجنوب.
وبرغم مرور سنة على العدوان، فإن أهالي البلدة لم يحصلوا من مجلس الجنوب على الدفعة الأولى من التعويضات إلا قبل أقل من شهر فقط، حيث جرى دفع ثلاثين مليون ليرة عن كل وحدة سكنية دمرت بشكل كامل (قدرت أضرار الوحدة السكنية التي دمرت بشكل كامل بستين مليون ليرة).
وما زالت هناك عائلات لم تتلق أي تعويضات. وحتى ان «الهدية» المالية التي قدمها حزب الله الى المتضررين من أهالي الغازية اثر الغارات التي تعرضت لها البلدة، ان عن الشهداء أو عن الاضرار، فمن المتضررين من يقول انها لم تكن متساوية بين كل المستحقين.
وتقول عطاف عبدو ناصر، المقيمة في حي بدران «ان مجلس الجنوب كشف عن الأضرار التي لحقت بمنزلي ولم أعرف ماذا سجلوا مع العلم أن بيتي لم يعد صالحا للسكن بعد تصدعه وتلف الأثاث. لكني لم أتلق أي تعويضات وأسكن حاليا بالإيجار وأنا أدفع البدل». وتلفت عطاف الى ان حزب الله دفع ما يوازي أجرة شهرين فقط من إيجار المنزل.
أما عباس حسين جوني المقيم ايضا في حي بدران فيؤكد انه لم يتلق تعويضات عن الأضرار الجزئية التي لحقت بمنزله مشيرا إلى أن مجلس الجنوب أجرى كشفا عن الأضرار وقدر كلفة إصلاحها بنحو تسعة ملايين ليرة لكن «لم أتقاضَ منها ليرة حتى اليوم، ولما راجعت مجلس الجنوب طلبوا مني مراجعة البلدية».
من جهته، يقول حليم قاسم غدار انه يملك محلين في مبنى بالقرب من ساحة البلدة، أحدهما مستودع للفحم والآخر محل أدوات منزلية، وقد أدت الغارات الى تدمير المبنى بشكل كلي واستشهد فيها أحمد مصطفى غدار كما استشهد بالقرب منها محمد كاعين، «وأنا حتى اليوم لم أتلق أي تعويضات من مجلس الجنوب، علما أني خسرت ما تفوق قيمته الثلاثين ألف دولار».
ويشير الى ان مجلس الجنوب كشف عن الأضرار وقدرها بعشرين الف دولار.
من جهته، يقول رئيس بلدية الغازية محمد سميح غدار ان الغارات الاسرائيلية على البلدة أدت الى تدمير 28 منزلا تدميرا كليا، يضاف اليها تدمير «سنتر صالح» بشكل كلي وهو يتألف من 70 وحدة. وهناك 400 وحدة تعرضت لدمار جزئي أو طفيف.
ويذكر غدار أن المقاتلات الاسرائيلية أغارت في الثامن من آب الماضي على مشيعي شهداء مجزرة السابع من آب، «وهو يوم لا يمكن أن يمحى أو ينسى من تاريخ الغازية».
المشيعون يهتفون بعد غارة على تشييع الشهداء (م.ع.م)
تعليقات: