لا يمكن ردع الاعتداء أو منعه إلا من قبل قوى الأمن الداخلي (الأخبار)
أعادت الإشكالات التي حصلت مؤخراً بين عدد من المواطنين على خلفية اقتطاع حصص من ضفاف الليطاني أسفل بلدة قعقعية الجسر (النبطية)، تسليط الضوء على التعديات الحاصلة على مجرى النهر. تعديات منعت المواطنين من الوصول إلى النهر والسباحة في مياهه إن لم يقترن ذلك بدفع رسوم دخول، أو اجتياز معاناة للوصول إلى أماكن لم يبلغها الاعتداء بعد
على ضفتي نهر الليطاني، بين قعقعية الجسر شمالاً وصريفا جنوباً، ثمة مواطنون تسابقوا إلى وضع اليد على قطعة أرض هنا، وأخرى هناك، مجاورة للنهر تماماً. بنوا عليها جدراناً اسمنتية، تحت جنح الظلام، حتى تحوّلت إلى «شاليهات» خاصة بواضعي اليد، يمنع على الآخرين الاقتراب منها. «قد يوقف المعتدي ويحرَّر ضبط مخالفة بحقه، أو يجري غضّ النظر عنه من قبل السلطات المختصة لأمر نجهله، وفي كلتا الحالتين، يصبح البناء المقتطع، الذي قد تراوح مساحته بين تسعة أمتار مربعة، على الأقل، وعشرين متراً مربعاً ملكاً شرعياً للمعتدي»، بحسب أحد أبناء قعقعية الجسر الذي آثر عدم ذكر اسمه.
حاولت بلدية قعقعية الجسر عام 2000 توزيع هذه الأماكن ورعايتها منعاً لحصول مشاكل أو مناوشات بين أبناء البلدة الطامحين إلى بلوغ مجد النهر وجيرته، بيد أنها وجدت نفسها كمن يشرّع الاعتداء على الأملاك النهرية، لتصبح مدموغة بأسماء محددة يتصرّف أصحابها كأنهم من المالكين الحقيقيين أو من أصحاب الحقوق. ولأن «هذه الأملاك تعدّ أملاكاً عامة تابعة للدولة اللبنانية، لا تعطي البلدية أي رخصة تتعلق ببناء ما، أو تمديدات كهربائية، أو تركيب ساعات، أو إقامة مراحيض. أما الاعتداء بحد ذاته، فلا يمكن ردعه أو منعه إلا من قبل قوى الأمن الداخلي والسلطات المختصة» يقول نائب رئيس البلدية الدكتور محمد مازن حلاوي.
على الرغم من وجود هذه التعديات، تتدخل البلدية في عملية جمع النفايات من الأماكن التي يمكن أن تصل إليها سياراتها، عبر الممرات السهلة «وذلك لمنع تراكم النفايات على ضفة النهر التابعة عقارياً لبلدتنا» يقول حلاوي، لافتاً إلى أن البلدية «لا تستوفي أي رسم على هذه الخدمة، لكي لا يظن البعض أن ما يدفعه من رسوم يشرّع تعديه على الأملاك النهرية العامة». وينفي حلاوي أن تكون البلدية قد سمحت في يوم ما، لأي كان، باقتطاع مساحة من حدود النهر «لأنها في ذلك تكون سبباً في منع أي مواطن من حقه في التمتع بمياه النهر وظلال أشجاره».
وإذ يبرّر حلاوي «تمدّد أصحاب الأملاك الخاصة القريبة من حدود النهر، نحو مجراه وضفافه، فقط لأنه لولا هؤلاء لم يكن بوسع أي مواطن عبور أراضيهم والوصول إلى النهر، عدا أنهم يدفعون ما عليهم من رسوم، وبعضهم يمتلك رخصاً محددة»، لكنه في الوقت عينه، يعدّ تمدّدهم اعتداءً على الأملاك العامة، «وإن كان أمر منعهم لا يعود للبلدية، لأن هذه الأملاك ليست أملاكها». برأيه: «ما يقوم به هؤلاء لا يختلف عما يجري في مختلف المناطق اللبنانية من اعتداءات تطاول الأملاك البحرية والنهرية».
تحت عنوان «حلو الرواق» يقوم أكبر متنزه على ضفتي الليطاني، بين قعقعية الجسر وصريفا. شيّد أصحابه الجدران والجزر الاسمنتية والجسور لتسهيل الانتقال بين ضفة وضفة، وأقاموا مرائب للسيارات في أملاكهم وعلى الأملاك العامة. أما المنشآت الثابتة فهي تقوم على العقارات الخاصة بهم. يقول صاحب المشروع إبراهيم حيدر «نحن نبني الجدران ونشيّد الجزر الاسمنتية ونقوم بأعمال التأهيل والتنظيف، ليكون المكان جميلاً. نحن لا نمنع أي مواطن من السباحة أو إيقاف سيارته في الأملاك العامة، لكننا نستوفي أجرة الطاولات أو الكراسي الموزّعة على أملاكنا الخاصة، أو ثمن ما نقدمه من أطعمة وغيرها، وبالمقابل نقدم خدمات كثيرة لا تقوم بها حتى البلدية».
ويضع حيدر المشكلة في خانة «المعتدين على ضفاف النهر، الذين توزّعوا هذه الأملاك عنوة، ومنعوا الناس من الوصول إليها أو استخدامها، وهذا ما خلق بعض المشاكل والمناوشات. كان يجب على البلدية منعهم من القيام بذلك، حتى لو كانت هذه الأملاك لا تتبع لوصايتها، وهم ليسوا أصحاب حق أو من المالكين». يقول حيدر هذا، من دون أن ينفي اعتداءه على الأملاك العامة «كانت لديّ هنا أملاك قديمة العهد، أهّلتها وتمدّدت، نظفت وبنيت، جدران دعم وجدراناً تجميلية، وزرعت الشجر ومع ذلك سجلت بحقي العديد من المخالفات من قبل قوى الأمن الداخلي، وحرّرت محاضر ضبط، وجرى توقيفي أكثر من مرة، ونفذت الدولة بحقي العديد من الإجراءات القانونية، ولم أزل حتى الآن رهينة مجموعة من المخالفات والشكاوى القضائية، لكن لي أسوة بغيري، من المعتدين الكبار على الأملاك البحرية والنهرية، وهم خارج إطار الملاحقات القانونية».
يستأجر حيدر قطعة أرض قريبة من عقاره، بعيدة قليلاً عن مجرى النهر اقام فيها حفرة كبيرة بغية جمع النفايات وحرقها دورياً «لكي لا تتراكم أو تشكل ضرراً بيئياً يتوزع هنا وهناك، وقد وزّعت المستوعبات والسلال في معظم المكان وألزم الزوار والموظفين بعدم رمي النفايات خارجها، لكن ثمة نفايات تأتي من أماكن أخرى عبر المجرى، ومع ذلك نقوم بالتقاطها وجمعها». وإذ يعتبر أن «حفرته هي الملاذ الآمن للتخلص من النفايات، بالرغم من الدخان الذي يتصاعد منها بشكل دائم؛ يؤكد عدم بقاء مساحة خالية من الضفاف من دون وضع اليد عليها؛ فكلّ الضفة الشمالية التابعة لقعقعية الجسر توزعت بين مستثمرين أو متملكين بالقوة ولم يبق للناس أي ممرات أو منافذ لهم نحو النهر، وهنا تكمن المشكلة والشكوى».
أضرار بيئية
جملة من الأضرار البيئية يتعرض لها نهر الليطاني، ليس في قعقعية الجسر فحسب، بل في مجمل البلدات التي يجاورها، بين أقضية مرجعيون والنبطية وصور. فإلى جانب اقتطاع مساحات من الضفاف وتحويلها إلى مساحات اسمنتية، يعمد المعتدون إلى بناء مراحيض لا مسرب أمامها غير مياه النهر، فضلاً عن الأوساخ والفضلات التي تتجمع في أكثر من مكان ويتخلص البعض منها، من خلال رميها في مجرى النهر.
في هذا الإطار، رعت بلدية زوطر الشرقية قيام متنزه عام للناس، حول نبع لها، قريب من مجرى نهر الليطاني، فزرعت الأشجار حوله، ووزعت مستوعبات لمنع تراكم النفايات وانتشارها.
تعليقات: