حركة سياحية شبه معدومة في سوق عاليه («السفير»)
البلديات تلغي مهرجاناتها والطلاب بلا مورد للشتاء
تواجه قرى وبلدات الاصطياف في عاليه والمتن الأعلى، واقعا مأساويا في صيف غابت عنه معالم الحياة. أسواق تجارية شبه خالية، مقاهٍ ومطاعم بلا رواد وفنادق غادرها نزلاؤها، حتى أن بعض المؤسسات التجارية السياحية أقفلت أبوابها في هذه الفترة المفترض أنها تمثل ذروة الموسم السياحي، ما يؤكد أن المنطقتين مقبلتان على أزمة اقتصادية ومعيشية ستعبر عن نفسها مع إطلالة الشتاء والبدء في تأمين مستلزماته من مؤونة ومحروقات ومتطلبات مدارس وغيرها.
لم تشهد مناطق الاصطياف واقعا مأزوما كالذي تعيشه هذه الأيام، ويبدو أن «معجن الشتاء» المفترض أن يمتلئ في الصيف سيظل فارغا، ولعل مقاربة لبلدة القلعة المتنية تبين حجم المعاناة، خصوصا في مناطق تعتمد القطاع السياحي مورد رزق رئيسيا، ويقول كاتب «بلدية القلعة» عادل المصري إن «القلعة تستقبل في الصيف أكثر من 400 عائلة من الكويت يمضون الصيف في مجمعات سكنية يملكونها، لكن هذا العام حضرت عشر عائلات وغادرت بعد أيام قليلة». ويلفت إلى أن «هذا هو الحال في قرى المتن الأعلى كافة».
يضيف المصري «لم نتمكن هذا الصيف من إقامة المعرض التجاري الذي كنا أطلقناه لسنتين متتاليتين بجهود المجلس البلدي ورئيسه العميد المتقاعد رياض الأعور وفاعليات البلدة والجمعيات الأهلية، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية».
15% من الحركة السياحية
ويرى الدكتور المحاضر في النظريات الاقتصادية وتطبيقاتها في الجامعة اللبنانية جورج أبو حبيب أن «النشاط السياحي في مناطق الاصطياف يمثل الآن ما بين 10 و15 في المئة من الحركة السياحية على مستوى كل لبنان». ويعتبر أن «هذه النسبة تراجعت أيضا بعد الأحداث الأمنية الأخيرة التي حالت دون مجيء بعض الخليجيين ممن يملكون أبنية وممتلكات».
ويشير رئيس «بلدية محطة بحمدون» اسطه أبو رجيلي إلى ان «الموسم السياحي في بلدات الاصطياف انتهى قبل أن يبدأ»، ويوضح أنه «بعد التحذيرات التي صدرت من دول السعودية وقطر والامارات والكويت، ألغيت الحجوزات في الشقق المفروشة والفنادق المنشأة في هذه المناطق أو في محيطها.. ولم نتبلغ بأن أياً من أصحاب الشقق الخليجيين يستعد للسفر إلى لبنان، لا بل إن بعض من كان قد استقدم عائلته، اضطر إلى مغادرة بلدات الاصطياف باكراً».
ويبدأ الموسم عادة في منتصف تموز، وفق أبو رجيلي، «لكن بدء شهر رمضان في 20 تموز ألغى كل فرصة بأن يكون هناك أمل لتعويض الموسم، فالخليجيون يعودون إلى بلدانهم لقضاء رمضان، ثم يأتون مجدداً إلى لبنان لقضاء فترة الأعياد، لكن التطورات الأمنية حالت دون عودتهم».
مؤسسات سياحية تقفل أبوابها
أمام هذا الوضع، لم تفتح كثير من المحال التجارية في المنطقة أبوابها، فضلا عن مؤسسات سياحية قرر أصحابها عدم المغامرة أيضا، وتكبد خسائر. وما يثير الانتباه أن بعض المؤسسات السياحية بدأت تقفل أبوابها، ولا سيما تلك الواقعة بين بحمدون وبعلشميه، حتى أن بعض مقاهي الرصيف الصيفية غابت عن المشهد السياحي.
ويفيد ايلي عبد النور (صاحب محل سمانة) أن «مشاكلنا تنحصر ليس في تحقيق أرباح، بل في تأمين كلفة الايجار».
والحال نفسه مع سوزان أبو سعيد (صاحبة محل ملبوسات)، إذ تقول «كلفة الايجار السنوي 4 آلاف دولار، لم أتمكن من تأمين أكثر من ألف دولار حتى الآن»، مضيفة «ما يخفف عني أن كلفة إيجار المحل تظل أكثر بكثير في بعلشميه من عاليه وبحمدون، حيث لا تقل الايجارات السنوية عن 10 آلاف دولار سنويا».
ويطاول المشهد المأساوي أيضا فرص العمل الموسمية لشباب المنطقة، لا سيما الطلاب الذين يعملون من أجل تأمين أقساط المدارس والجامعات، فيما يعمل بعضهم الآخر لتغطية كلفة التدفئة في الشتاء، وتأمين متطلبات عائلاتهم الضرورية.
عاليه.. سياحة داخلية
في مدينة عاليه، تبدو الصورة مختلفة نسبيا، فثمة حركة متمثلة بالسياحة الداخلية، فضلا عن خصوصية موقع المدينة كعاصمة للقضاء. ويرى عضو «بلدية عاليه» عصام عبيد أنه «إذا لم تتأمن مؤونة فصل الشتاء في تلك المناطق يكون الوضع صعباً، لا سيما بالنسبة لمتطلبات المواطنين في الشتاء مثل التدفئة وأقساط المدارس وسواها».
ويمثّل تأجير الشقق المصدر الأساسي لإيرادات السكان المحليين باستثناء عاليه التي بدأت تعتمد أكثر على السياحة الداخلية. ويرى عبيد أن «هناك استياء كبيرا من الموسم الحالي، لا سيما أنه امتداد لفشل مواسم سابقة لم يكن العامل الأمني وحده المؤثّر فيها». ويؤكد «أننا أصبحنا مدينة ذات طابع اصطيافي محلّي أيضاً، ولها مقوّمات قد تختلف عن المفهوم التقليدي للسياحة الصيفية، كما أصبحت عاليه تعتمد في دورتها الاقتصادية على مكوّنات سياحية محلية تحرّك التجارة والاستهلاك فيها، وبنتيجة هذا الأمر، فإن تأثر عاليه هو أقل من غيرها. فعلى سبيل المثال تمتاز عاليه مقارنة مع بحمدون وباقي قرى الاصطياف بأن الإيجار هو العنصر الأساسي المحرّك للنشاط السياحي فيها، لكن في عاليه تحوّل المستأجر إلى مالك ولم يعد وجوده محصورا في فترة الصيف فقط، إضافة إلى انه بسبب قرب المدينة من بيروت وتحسّن الطرق المؤدية إليها، أصبحت تعتمد أكثر على عوامل تنشيط السياحة المحلية».
أما حال أصحاب المصالح في القرى والبلدات الذين عانوا ما عانوه من الركود، فيواجهون ظروفا صعبة بعد مغادرة سكانها من الخليجيين على وجه السرعة، وإلغاء الحجوزات التي كانت مقررة إلى لبنان بعد عيد الفطر، ما انعكس سلبا على الحركة وشلها عموما في مناطق جبل لبنان.
في المقابل، ألغت بعض البلديات مهرجاناتها السياحية التي كانت قد شرعت بتحضيرها مع بداية الصيف، وفي هذا السياق يأسف رئيس «جمعية تجّار عاليه» سمير شهيب لما حصل على المستوى الأمني أخيرا وراهنا في الشمال، مؤكداً «العمل على استكمال موسم الاصطياف بالتي هي أحسن والبناء للمواسم المقبلة».
تعليقات: