عاد آب.. فعذراً منك موسى الصدر
عاد شهر آب فعذراً منك موسى الصدر..
عذراً منك.. فأربعة وثلاثون عاماً من السنين العِجاف..
إلا منها ما علمتنا كانت لنا في المسير عونا..قناديل حملناها مشاعل اضاءت طريقنا حتى وصلنا فانتصرنا..وكان سلاحنا وضيعاً ..وحين اصبح سلاحنا أمضى.؟يبقى السؤال عن آب واسرار آب والى متى ننتظر الجواب؟!!
انه "آب" وما ادراك ما "آب"شهر،موسى الصدر،ويستمر لهيبه حتى ما بعد أفول الشمس "
عذراً سماحة الامام ،فحين أذكر اسمك يتمالكني شعورا بالتقسير فنعترف امام دموعنا ان "ايوب"نبي الصبر..عانق سواد مقلتيه طويلا..ونحن لسنا بأنبياء كي تخجل الشمس من دموعنا..ولم يبشرنا احد بقدوم يوسف عصرنا عليه السلام..فأنت منحتنا عمرك.. فهديناك بدلاً منها وعوداً ترافقنا حتى الممات..نرددها دوماً..تأتي الشهور وتذهب وتبقى انت يا سيدي كل الشهور..تعانق قضبان سجنك التي اكل الصدأ بئسها ..تتحدى السجّان فترفع يديك عالياً علّ السماء تلمح بريق عينيك..تبكينا في زنزانتك شفقة على مر الغياب وأمره..تخفف عن روحك النقية بكلمات الله المباركة كما الانبياء في سجونهم..سلاحك الدعاء.. ولنا نصيب من دعائك "فـ أيوب"دعى ربه فستجاب ..لعلك يا إمام مستجاب الدعاء.. وسر الله ما حان اجله بعد..وانت الناسك صبح مساء ..فمن غياهب الجب نسمع انين غربتك الممزوجة بالصبر.. والذئاب حولك يرهقها المكر.. فيقتلها حقد افعالها حتى تحفر قبورها بأنيابها حفرا وما لها من مآب..ومن آب تهب الرجال فتعصب الجباه بأيآت عديدة..الوانها سديدة سود وخضر..ترفع القبضات عالياً ..تصدح الحناجر.. لبيك يا إمام.. لبيك يا "آب"..!!
تُنصب المنابر في كل ساح..تقلّب الاوراق المتخمة بإسمكم سيدي.!
يتناوب على قصة معاناتكم كل فطاحلة الشعر والقصائد واناشيد الحرية.. وللسياسة النصيب الاكبر من وجعكم.. نجود في سرنا "نفديك يا إمام"..!! فنحن ابنائك كموج البحر..نهوج ونموج..كأننا في ساحة حرب حامية الوطيس..لا سيوف فيها ولا خيول او صهيل.. او في حقل قمح سنابله خضراء تتمايل مع الريح..نراها صفراء كالذهب المصفى.. يخيّل إلينا ان قطافها حان..نُطرب حين يُهتف باسمك ويرفع احدهم رسمك.. فيخّيل لنا اننا فهمنا صدى المعاني والكلمات..كأننا في وادِ سحيق.. صدّع سكونه زئير الاسود ..فنشعر بنشوة النصر بعد الوفاء بالعهد.. والعهد انت يا سيدي..ومنك كل العهد..فنحن يا سيدي وفاءنا من كل عام جمهرة شعبية اصداءها قوية..اناشيدها اغنية ثورية،شعاراتها عاطفية..ونحن كذلك حتى تأخذ الشمس من وجوه الناس الطيبة حقها.. فترتسم على ملامحها معاناة قضيتكم النقية.. واسئلة طالت حكايتها بعد ان اغبرت وجوهها فدمغتها الشمس بصخب الساحات .. كما تدمغ المياه المتساقة عبر السنين صخور الاودية الصلبة..فتشكل منها تحفة ربانية.. وتحفتنا يا سيدي انك وبكلمات ربك صقلت فينا حب الخير والتضحية..فعذراً لك ومنك والكلام اليك..فإن سلاحنا حرر وقهر. وردع الاعداء ردعاً..لكنه اخفق يا سيدي في ضمير الاخوة الاعداء من العرب المستعربين في الصحارى الميّتة كقلوبهم الميتة.. اعداء امتهم ..تجار اوطانهم..وما اكثرهم في امة العرب..فنحن يا سيدي قلنا ما لنا وما علينا..واصحاب المنابر المتنقلة في سنين غيابك قالوا ما عندهم وما امكنهم من القول الذي لم نفهمة.. والشاهد شمس آب.. علينا او عليهم..فبعد ان قلنا وقالوا ..ها هو صاحب الجمع المنبري الغفير.. يلملم اوراقه المكدسة ويُخفض مذياعه المتعب من شهيق الحِكم والمواعظ.! وزفير العبر والمقاصد.! فيلملم الجمع تعبه وينتظر إشارة الانصراف لـ آب آخر..وساحة أشعارا اخرى!! فتتناثر الاوراق بعد ان بدأت الساحات تنكشف تحت اقدام الحشود من محبيك الخلص.. وها هي الشمس بدأت بالمغيب وكالعادة.. ودّعت سنابلها الى "آب"جديد..وعام آخر من اعوام المغيب وشروق جديد..وها هي الرايات تُنكّس بأيادي انصارك المخلصين فتُجمع برزمة واحدة..كأنها تختزل قضيتهم بالرأي الاوحد..ويعود الجمع كأنهم جيش من الظافرين..لا جواب لديهم.. ولا من مجيب..فيدب السكون رويداً رويداً..حتى يغيب الاثر ويبقى اثرك يا سيدي مختبئاً في سر "آب" وما ادراك ما آب.. آب غيابك..آب النصر الذي تحقق بالامس القريب.وآب الذي عانق شهر رمضان هامساً في اذنيه عن سر الغيبة القسرية.. فالى اللقاء يا سيدي مع العذر الشديد..الشديد..مع وعدِ جديد..مع "آب " جديد..تتجدد كل حكايات التاريخ في دفاتر الأمم..وتبقى عناوين تضحياتك يا سيدي بين دفتي كتبنا نتعلمها جيل بعد جيل.. ليس فيها من السر جديد..كما ليس بسر تغييبك من جديد..! فاللهم ـ لا علم لنا إلا ما علمتنا ـ يعلم السر وما يخفى ـ فالعلم عند الله.."والله شديد العقاب"..فالبسطاء لا يطلبون المستحيل..بل يصبرون حين يوعدون بالقليل.!! فكم من الوعود لم تتحقق.!!وكم من الوفاء يبقى حبراً على ورق؟!!وكم من الانبياء لم تصلنا اخبارهم إلا ما ندر.؟فيكفيكم سيدي أنكم في قلوبنا دوماً ..وفي وجداننا وعقولنا علماً من اعلام مقاومتنا التي ظفرت فحققت بفضل الله وفضلكم وما لله كان يوما عليكم عهداً ونذرا..فيا سيدي غرزك أنبت نباتا حسناً.. وهو باقِ ابداً..وزرعك أثمر فاستطاب..فبارك بمن زرع والزارع انت..وبارك بمن يسقي ويحمي دون كلل..فكلنا طيب الثمار تذوقنا..عزا وكرامة مأكلنا اصبحت ومشربنا..ما اطيب النعم لو تكتمل فرحتنا.. حراً نراك من اغلال الحاقدي حرا.فاجزى الله بمن كفر بنعمة البصر والبصير.فا أه.. آه لو يُبصرون فيتبصّرون.؟!! ليتها تتحقق الاحلام بلمح البصر..والحالمون نحن.؟!! فمن قال بالاشعار وحدها تبصر الامنيات.؟!!
فاعذراً لك..عذراً لك سيدي.. فها نحن كما نحن لم نتغيّر..عربٌ..
والعرب عشّاق كلام.!!
فعـــذراً منـــك مــوسى الصــدر.لــم يحـــن الوقـــت بعــد..
* حسين مروة - بنت جبيل
تعليقات: