مقاتل من الجيش السوري الحر يوزع المؤونة في حلب (يوسف بودلال ــ رويترز)
توجهت أسلحة عناصر الجيش السوري الحر نحو الجيش النظامي وأطلقت الرصاص نحوه، ولكنها أخطأت الهدف الذي أوجدت من اجله، فبدل إسقاطه النظام، سارعت اخطاء الجيش الحر في تدهور وتراجع «الثورة» التي يدّعي أنه يقاتل باسمها ومن اجل انتصارها. تقول المعادلة التاريخية أن أي حركة ثورية تتخذ من السلاح وسيلة لتحقيق أهدافها تبنى على ثلاثية الفكر والتنظيم والهدف الواضح. هذه الثلاثية غابت عن الجيش الحر، فهو لا يمتلك عقيدة تجمعه سوى شعار إسقاط النظام الذي يبقى مجرد شعار لا قيمة له. إذ لا وجود لقاعدة فكرية يلتقي عليها أعضاؤه بوصفها مجموعة من المبادئ والقيم التي من المفترض انها تعبر عن الحالة التي يعمل على تقديمها بديلاً للنظام الذي يحاربه، فلم يقدم نموذجاً للنظام الاجتماعي ــ السياسي الذي يسعى إلى تحقيقه. غياب الاساس الفكري سهّل دخول التيارات التكفيرية لكي تصبح هي المعبّر الفكري والقيمي عن الجيش الحر، وليصبح معبراً رئيسياً لتنظيمات سلفية وجدت في الحدود المتروكة فرصة مهمة لدخولها، مع التأكيد على أن هناك بيئة حاضنة لهذه الافكار في سوريا، اعطت تسهيلاً أكبر لانتشارها، وبالتالي أصبحت تقدم هذه التيارات أنها المعبّر عن الثورة وعن مستقبل هذه الثورة والمتحدث الوحيد باسمها.
يتوازى غياب الفكر مع غياب التنظيم، فقائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الاسعد لا يملك القدرة على قيادة كتيبة واحدة من هذا الجيش المشتت، فكل كتيبة لها توجهها وعملها وقائدها، مما يشكل من كل كتيبة مجموعة منفصلة عن الثانية. هكذا يصبح اسم الجيش السوري الحر مجرد شعار تتناقض تحته البيانات والتصاريح. تتناقض بين سيطرة تامة على منطقة معينة وانسحاب تكتيكي منها. ورأينا دخول الجيش الحر بين المدنيين والاعتداء في الكثير من المناطق عليهم وقد حوّل عناصره من «حماة للتظاهرات السلمية» التي كانوا يعتبرونها أحد أهدافهم إلى معتدين عليهم وخاصة في المناطق التي لا يجدون فيها بيئة حاضنة لهم. كذلك فتح غياب التنظيم المجال امام قطّاع الطرق وأمام مجموعة ترغب في الثأر ومجموعة ثانية تنتقم على أسس طائفية ومذهبية، فأصبح الجيش الحر في فوضى داخلية غير قادر على ضبطها على الارض. يسجل نتيجة غياب التنظيم وبحسب معارضين وأفراد من الجيش الحر أنّ هناك سرقات لاموال ترسل لدعم تحركاتهم. هذا ما يدفع إلى تبادل الاتهامات بين مختلف أطراف المعارضة وخاصة بين الجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري. فوضى الفكر والتنظيم تنتج حكماً فوضى الهدف والرؤية، فالاختلاف في البنية الاساسية للجيش السوري الحر يعطي كل كتيبة أسلوباً تحقق بها أهدافها. لكن الازمة ليست هنا وإنما لو وضعنا سيناريو مفترضاً هو سقوط النظام وانهيار الجيش النظامي، فالسيناريو المكمل له هو قتال طويل الامد بين هذه الكتائب في صراع مسلح على السلطة بعد استبعاد للمفكرين وللمعارضين المطالبين بالحراك
السلمي.
الجيش الحر هو أداة غربية ــ عربية يهدف تمويله مادياً ومده بالسلاح وتوفير تغطية إعلامية مخصصة له إلى تحقيق اهداف هذه الدول في ضرب بنية المجتمع من خلال ممارسات الجيش الحر وخاصة في المحاكم الميدانية التي ساهمت في ضرب هيبة الدولة وفرض سلطة الامر الواقع. هذه الاداة هي بديل عن التدخل الخارجي العسكري، فهي تنشّط حركة بيع وشراء الاسلحة وتوفر على الدول كلفة الدخول في حرب مباشرة، وتفتح باب الحرب الاهلية على مصراعيه بتقاتل أبناء البلد الواحد والقرية الواحدة. وحتى إن كان هناك من مخطط لتدخّل عسكري خارجي، فهذه الاداة تعمل على إضعاف الجيش النظامي واستنفاد قوته بهدف تسهيل الضربات العسكرية، إن تم التوافق على استخدامها.
يُحمل السلاح في الثورة بهدف الدفاع عن النفس، لكن حين يتحول السلاح إلى وسيلة للثأر والانتقام تقتل الثورة في لحظتها، لأن الثأر سيولد الثأر وبالتالي لن تتوقف هذه السلسلة العنفية إلا بتوقف مد السلاح من جهة، ومع الاعتماد على الوقت من جهة ثانية. إن عسكرة الأزمة السورية تهدف إلى ضرب المجتمع السوري قبل النظام، وتهدف إلى إسقاط الدولة قبل الحزب. كما انّ نجاح أي تغيير في سوريا ليس من مصلحة الدول الغربية والعربية الواقعة في محورها، فلضرب هذا التغيير يتم توجيه السلاح باتجاهين: الاول نحو الدولة ككيان مؤسساتي، والثاني إلى قوى التغيير وخاصة المعارضة منها. ومن هنا نفهم سبب استبعاد ممنهج لهيئة التنسيق وخاصة في شخص المعارض هيثم المناع الذي يعبر صراحة عن معارضته لحمل السلاح وخاصة نتيجة دعم هذا السلاح من قوى لا تريد خيراً للبلاد، ومن أجل هذا رفع شعار إحدى التظاهرات «هيئة التنسيق لا تمثلنا» وتم التركيز عليها إعلامياً. وكلنا يعرف كيفية تسمية أيام التظاهرات والجدل الواسع في صفوف المعارضة حولها.
من الصعب تصور دخول الجيش السوري الحر في حوار مع النظام، فمن الذي سيمثله وهو لا يمثل نفسه في أحد؟ المعركة طويلة، خاصة انها قتال شوارع مما يطيل مدى الحل لهذه الحالة العسكرية، والجيش الحر لن يكون إلا ضمن صفقة ينتهي بها دوره الذي اوجد من اجله. فحين تنضج التسوية الاقليمية والدولية حول سوريا سيتم وقف مد الجيش الحر بالسلاح والمال والدعم الاعلامي.
* كاتب لبناني
تعليقات: