من مياومين إلى رؤوساء

«فلتسقط الشركات» شعار رفعه المياومون في اعتصامهم (هيثم الموسوي ـ أرشيف)
«فلتسقط الشركات» شعار رفعه المياومون في اعتصامهم (هيثم الموسوي ـ أرشيف)


من مياومين إلى رؤوساء



فكوا اعتصام الكهرباء وتبوؤا المراكز بقرار سياسي

2500 مياوم وجابي إكراء نفذوا أكبر واهم اضراب في تاريخ لبنان، إلا أن إضرابهم انتهى بقرار سياسي. قرار نفذه أعضاء لجنة متابعة قضية المياومين. لجنة كانت ترفض دخول الشركات الخاصة الى نادي مؤسسة الكهرباء، فأصبح أعضاؤها أنفسهم مسؤولين في هذه الشركات. «لم نريد الكذب؟ هذا لبنان» يقول أحدهم...

رشا أبو زكي

أشخاص يزرعون الورد، أشخاص يقطفون الورد وأشخاص يبيعونه، يقول مياوم وقع عقداً مؤخراً مع شركة تقديم الخدمات. وهو لسان حال مئات العمال الذين كانوا منذ أشهر «مياومين وجباة أكراء» في مؤسسة كهرباء لبنان. نفذوا أكبر اضراب مطلبي في تاريخ لبنان. طالبوا بحقوق مشروعة. رفضوا التعاون مع شركات خاصة وقعت عقود تقديم الخدمات، فهي موزعة على السياسيين قطعاً. شركات جاءت لتأخذ مكانهم، بأكلاف تساوي ثلاثة أضعاف الكلفة التي كانت المؤسسة تدفعها، على أشغال سيقوم بها المياومون أنفسهم.

هم أنفسهم الذين ألصق بهم وزير الطاقة والمياه جبران باسيل ومجلس ادارة الكهرباء كافة أنواع التهم: سرقة، سلاح، عنف، تخريب، محسوبيات... انتهى الإضراب، والمحسوبون قلّة، وهؤلاء هم من قطف ثمار الإضراب مراكز في الشركات الخاصة.

القضية لم تنته بعد. المياومون والجباة ينتظرون قانون التثبيت، الذي يبدو أنه أصبح خارج أي نقاش جدي لإخراجه من مجلس النواب الى صفحات الجريدة الرسمية. ينتظرون كذلك اقرار تعويضاتهم وحجمها... فمن سيقوم بهذه المهام؟ هل لجنة متابعة عمال المتعهد وجباة الإكراء ستفاوض باسم المياومين؟ كيف؟ فاللجنة بمعظم أعضائها أصبحت تتبوأ مراكز مهمة في الشركات الخاصة، و«إعطاء جرعات الأمل للعمال لم يعد لصالحها»! فقد لاحظ المياومون الذين دخلوا الى الشركات الخاصة كحل مؤقت الى حين اصدار قانون التثبيت في مؤسسة الكهرباء فتوراً في همّة لجنة المتابعة لقضيتهم منذ فترة. أحد أعضاء اللجنة الذي كان يظهر ثائراً على كافة القنوات التلفزيونية دعا الى جمعية عمومية بعد فك الاضراب «لملاحقة قانون التثبيت». الا أنه غاب عن السمع كلياً، وغاب معه مشروع الجمعية العمومية هذه.

اعتبر عدد من المياومين أن هذا الغياب له أسبابه: «إغراءات ومناصب لأعضاء اللجنة في الشركات الخاصة». استمر المياومون والجباة في مساءلة اللجنة. يذكّرون بأولية استمرار التحرك، ولو فك الاعتصام: عدم نسيان قانون التثبيت الذي هو الأساس. والتشديد على عدم المساومة على بنوده في ما خصّ العدد المطلوب تثبيته أو غيره، خصوصاً وأن الكثير من المياومين لم يوقّعوا مع الشركات وفضّلوا انتظار القانون. كذا، دعوا الى عدم الإطمئنان وإعتبار شركات مقدّمي الخدمات مرحلة إنتقاليّة. كثيرون يعبرون عن مخاوفهم من «تنويم قانون التثبيت لإفراغه من مضمونه لاحقاً». وكثيرون طالبوا بإعادة تقييم الدرجات والرواتب التي كانت مجحفة بشكلٍ فاضح. وكذلك مساندة من هم خارج قطاع التوزيع والجباية والذين ظلّوا عمّال متعهّد... إلا أن كل هذه المطالب أصبحت خارج السياق. فـ «الثورة انتهت» بحسب تعبير أحدهم.

فقد أصبح للشركات رؤوساء أقسام ووحدات وهم أعضاء في اللجنة: لبنان مخول. أحمد شعيب. حسين قرقماز. بلال باجوق. حسن الحاج. بلال فنيش. فؤاد شهاب. محمد مزيد. في حين أن كلاً من محمد فياض وزاهر عيتاني لم يحصل على أي مركز في الشركات. أحد أعضاء لجنة متابعة قضية جباة الإكراء وعمال المتعهد تكلم بصراحة حين سؤاله عن السبب الذي جعله مسؤولاً في احدى شركات تقديم الخدمات. ويقول: «سبب وجودنا في شركات الخدمات كمسؤولين وأصحاب مراكز له عدة أسباب. فكوننا كنا مسؤولين عن الاضراب والاعتصام خلال شهر كامل جعل دخولنا الى الشركات مهدداً. خفنا من الفيتو، لذا طلبنا أن نكون مشمولين بالاتفاق السياسي الذي أدى الى فك الاعتصام». أن يكونوا مشمولين يعني أن يدخلوا الى الشركات كأصحاب مراكز، وفق ما يؤكد عضو اللجنة. يؤكد انه بعد اتخاذ قرار فك الاعتصام، وقبل تنفيذ عملية الفك، توجه عدد من أعضاء اللجنة الى من فكوا الاعتصام أي حركة أمل، و«طالبنا بأن يكون مصيرنا معروفاً لكي لا تطلع براسنا». فكان الجواب: «وجودكم في الشركات مضمون، وستكونون أفضل من غيركم». يشير الى أن قلة من أعضاء اللجنة لديها خبرات وشهادات تؤهلها استلام المراكز في الشركات، الا أن هذه القلة كما غالبية الأعضاء دخلوا الى الشركات بـ ــ «دفعة سياسية. ينتهي كلامه: «لم نرد الكذب؟ هذا لبنان».

ولكن كيف يمكن أن تطالب هذه اللجنة بتثبيت العمال في مؤسسة الكهرباء، وهم الذين أصبحوا تحت إمرتها في الشركات الخاصة؟ يؤكد عضو اللجنة أن الأخيرة تتابع عملها كما السابق. «في الفترة الأولى عانينا من البلبلة بسبب اتجاه كل منّا الى معرفة مصيره، لكن عدنا الى متابعة قانون التثبيت مع اللجنة السياسية المكلفة بذلك». ويوضح ان التثبيت يضمن استمرارية عمل الجميع، ومنهم أعضاء اللجنة، في حين ان العمل بالشركات غير مضمون. يشرح أن اجتماع عقد مع بسام طليس لبحث التعديلات التي وضعها وزير العمل سليم جريصاتي على قانون التثبيت، وقد وضعت اللجنة ملاحظاتها وهي كالتالي:

1- فقد ورد في التعديل اضافة عبارة «حسب حاجة المؤسسة» في سياق الحديث عن ملىء الشواغر في المديريات. ولم تعلق اللجنة على هذا الموضوع كون الاجتهاد يسمح بالقول أن الحاجة هي فعلياً الشواغر الموجودة في المؤسسة!

2- تم الغاء عبارة اجراء مباراة محصورة «تراعي سنوات الخدمة والكفاءة». لتصبح «مباراة محصورة بحسب قانون مجلس الخدمة المدنية»، أي ما يعني اجراء امتحانات عادية لا يمكن أن ينجح بها الا الخريجون الجدد من الجامعات. وقد وضعت اللجنة ملاحظتها وهي اضافة عبارة «مراعاة سنوات الخدمة والكفاءة» الى العبارة المعدّلة.

3- الموافقة على تعديل قانون الخروج الى التقاعد من 58 عاماً كما ورد في القانون الى 54 عاماً.

4- طالبت اللجنة بالغاء عبارة «ترفع الاسماء واللوائح من قبل لجنة من مؤسسة الكهرباء بعد الموافقة عليها»، كونه لم يتم ذكر الجهة التي تريد الموافقة على الأسماء.

ويلفت المصدر الى أن هذه الملاحظات سيطرحها طليس على جريصاتي لمعرفة الإجابات. ولكن أليست هذه التعديلات هي عملياً العودة الى كل ما كان يريده وزير الطاقة جبران باسيل؟ يتردد عضو اللجنة في الإجابة ومن ثم يقول: «تقريباً، ولكن أصبح لمن يريد المغادرة أو من يرسب في الامتحانات تعويضات أكيدة، وكذلك يمكنه العمل مع الشركات الخاصة بدلاً من أن يصبح عاطلاً من العمل»!

3 أشهر

لم يتقاض جباة الإكراء الذين تعاقدوا مع الشركات الخاصة حتى اليوم رواتب عن الأشهر الثلاثة الماضية، رغم أن عمال المتعهد الذين دخلوا الشركات تقاضوا كل المتأخرات. وفيما يؤكد الاتحاد العمالي أن الاتفاق السياسي يشمل الجباة لدفع المتأخرات، تؤكد الشركات أنه لا وجود لهذا البند في الاتفاق!

400 مياوم بلا رواتب!

400 عامل لم يوقعوا مع الشركات، أصبحوا من بداية آب من دون رواتب. هؤلاء يعملون خارج مديرية التوزيع وشملهم قرار «الحل المؤقت» أي العمل مع شركات تقديم الخدمات. معظمهم من الاداريين، وعمال المعامل ومحطات التحويل. كان يفترض أن يدخل هؤلاء الى الضمان الاجتماعي ويرتفع راتبهم الى 37 ألف ليرة لحاملي شهادات البكالوريا والاجازات و32 ألف ليرة لمن لم يحصل على هذه الشهادات، وفق عقد كان يفترض أن يصبح سارياً مع المتعهدة لينا متّى منذ آب. لكن الموعد انقضى، والعقد لم يوقع، وهؤلاء أصبحوا عاملين بلا رواتب.

تعليقات: