هذا ما فعلته صور في حرب العام الماضي فمـن يحـارب اليـوم مـا تبقـى لهـا مـن آمـال؟

قصف صور في تموز الماضي (م.ع.م)
قصف صور في تموز الماضي (م.ع.م)


صور :

كانت في قلب العدوان. خاصرة الجنوب الساحلية، ومعبرها إلى شمالي البلاد، شكلت جسرا بين القرى المحاصرة وبقية الوطن، وفتحت قلوبها وبيوتها ومدارسها للنازحين من قرى وبلدات صور وبنت جبيل على الرغم من ندرة إمكاناتها الذاتية.

من صور كانت ترسل المساعدات والأدوية، وسيارات الإسعاف، ومنها كان الصحافيون ينتقلون، وعبرها، كان يفر الجنوبيون من جحيم إسرائيل.

اليوم، تكافأ صور بأن يطلب من مزارعيها بدفع رسوم المياه عن ري مزروعاتهم التي أتلفها العدوان!

في الصيف الماضي، كانت الحياة فيها تمتد من مرفئها الى مبنى بلديتها وصولا الى فنادقها ومطاعمها وتجمعات اللاجئين في بعض مدارسها.

في العدوان التموزي، «احتل» الصحافيون غرف الفنادق ومنازل حارات صور القديمة والشوارع الخالية.

وعلى الرغم من مجزرة بناية الدفاع المدني التي وقعت في اليوم الرابع للعدوان الإسرائيلي، وعلى الرغم مما أصابها من تدمير لمبنى آخر بالقرب الحوزة الدينية، ظلّت صور مكانا للتواصل وانطلاق المساعدات نحو القرى المحاصرة بالنار.

ما تبدّل بين تموز 2006 وتموز 2007 هو توقف العدوان وهدير طائراته وأصوات القذائف والصواريخ، لكن الجرح الذي خلفه الغزاة يتعمق يوما بعد يوم، يحصد ما تبقى من أمل للناس الحائرين في حاضرهم ومستقبلهم.

من استراحة صور في أقصى جنوبي المدينة الى مطعم الفنار عند تخوم حارة المسيحيين في غربيها، مرورا بمطاعم «ساليناس» و«شواطينا» و«اسكندر» و«موركس» وغيرها، وصولا الى مقرات كل من بلدية صور والصليب الاحمر والدفاع المدني، ثم صعودا نحو مستشفيات المدينة. مساحات لا تنسى، وأيام راسخة في الذاكرة، عن حرب بمجازر كثيرة وصلت الليالي بالنهارات.

تحول مرفأ صور الذي يقتصر نشاطه على استقبال السيارات المستوردة من أوروبا، الى محطة للنازحين «الهاربين» من جحيم القصف الى «بلاد» التفتت إليهم في شدتهم بعدما نالوا «شرف» بطاقة «رعايا».

بقي صامدون ولاجئون في أرجاء المدينة يعدون الدقائق والساعات بعدما قطعت جسور الحياة بكل أنواعها وأشكالها.

ماذا تغير بين تموز 2006 وتموز الحالي؟ لن تحلو الإجابة للبعض. كثيرون من أبناء صور أجابوا بأنه لم يتغير شيء فيما غامر البعض الآخر بالقول إن أيام العدوان بالنسبة لهم، من الناحية الاقتصادية، كانت أفضل حالا.

«الخال»: هل تعرف الدولة قيمة ما أنجز؟

يومها، قبل عام، كان «صراخ» رئيس بلدية صور عبد المحسن الحسيني أو «الخال» كما يحب أبناء مدينته أن ينادوه، يهز شاشات التلفزة من شدة الغضب احتجاجا على عدم تلبية احتياجات الصامدين في صور والنازحين إليها.

حوّل الحسيني وعدد من أعضاء المجلس البلدي والمتطوعين مقر البلدية الى غرف للعمليات الخدماتية والصحية وصولا الى تأمين السيارات المبردة لجمع جثامين الشهداء.

لا يبدو الحسيني مرتاحا لما آلت اليه الاوضاع بعد وقف العدوان الاسرائيلي في الرابع عشر من آب الماضي.

يقول «ان الأمور ما تزال على حالها من السوء والتردي: الخدمات، البنى التحتية، الكهرباء، التعويضات... هي مثال واضح على الاهمال وآخره حجز أموال البلديات التي كانت تسهم في لملمة المتطلبات».

يريد الحسيني أن «تعرف الدولة قيمة الانتصار والصمود اللذين تجليا بأبهى الصور أثناء العدوان الاسرائيلي على شعبنا وعجز الغزاة عن قهر إرادتنا وموقفنا».

لا يطلب رئيس بلدية صور المستحيل «كل ما نريده هو أن نعيش بكرامتنا التي حمتها المقاومة وناسها. الأوضاع هنا تشهد ترديا اقتصاديا بسبب ما آلت اليه التطورات الامنية في الشمال والتفجيرات المتنقلة».

قبل وبعد

يقول وليد صالحة، صاحب مطعم «الفنار» في حارة المسيحيين، ان ما دفعه للبقاء خلال العدوان هو طبيعة المنطقة الديموغرافية وابتعادها نسبيا عن نشاط المقاومة. تحول «فندق صالحة» إلى أحد مقرات الصحافيين وخصوصا الأجانب منهم الذين استأجروا بعض المنازل التي تركها أهلها الى مناطق بعيدة عن القصف.

آثر ريمون صالحة، الأب، «الصمود وعدم ترك المدينة وفتح أبواب المطعم وغرف المنامة أمام المراسلين الصحافيين الذين تدفقوا الى الحي من مدينة صور»، بحسب صالحة الابن.

لا شك في أن تلك الأيام كانت صعبة وقاسية و«لكن الإنتاج أيام الحرب كان جيدا، أما اليوم فإن الحرب هي على ما تبقى من آمال».

ويشرح صالحة هذا التشاؤم على أساس أن العمل خلال الأشهر التي تلت الحرب كان مقبولا وأصبح منذ ذلك الوقت غير مريح على الاطلاق بعد العمليات التي استهدفت قوات الطوارئ الدولية وما ولدته من خوف لدى زوار المدينة.

بدوره، لا يخفي حسين الاشقر، صاحب مطعم «ساليناس» في صور، أن أيام العدوان على مستوى انتعاش العمل في مطعمه شهدت «عزّا»، مضيفا أنه «باتت تربطني بكل المراسلين الصحافيين علاقات مودة واحترام». وهو يعتبر أنه بعد مرور سنة على العدوان «تشهد المنطقة برودة اقتصادية كبيرة ورهاناتنا على اليونيفيل تتبدد بعض الشيء نتيجة الأوضاع الأمنية المرتبطة مباشرة بالقوات الدولية بالاضافة الى عزوف عدد كبير من المغتربين عن تمضية العطلة الصيفية في المنطقة».

من جهته، أصر مصطفى أمين على البقاء في صور مع ولديه ومزاولة العمل على مدى أيام العدوان الثلاثة والثلاثين في محله المخصص لبيع الأدوات الرياضية عند مدخل السوق التجاري.

كان متجره هو الوحيد الذي يلبي «الزبائن» الآتين الى صور لتغطية العدوان من صحافيين وعاملين في المؤسسات الانسانية، حتى النازحون الذين خرجوا من منازلهم ولم يحملوا معهم حاجياتهم الشخصية.

لا يربط أمين استمراره في المدينة بالجدوى الاقتصادية واستغلال أسعار الحرب، فهو لم يقفل المحل طيلة أيام العدوان و«منها الأيام التي استهدف فيها الإسرائيليون مدينة صور بشكل مباشر، لأن صور ليست مدينة يسهل تركها».

بعد سنة على وقف العدوان يجد أمين الفرق شاسعا «حيث انتقلنا من زمن الغارات والقصف والمجازر الى وضع أكثر ارتياحا لكن من دون أن تزول حالة الخوف والقلق من نفوس الناس».

ارزقنا يا بحر صور

يتوقف نقيب صيادي الأسماك في صور خليل طه عند وضع أبناء مهنته قائلا «ان عدوان تموز حرم الصيادين على امتداد الساحل الجنوبي خصوصا، واللبناني عموما، من تحصيل رزقهم». بعد وقف العدوان، تلقى الصيادون مساعدات متواضعة، إذ حصلوا من مؤسسة «جهاد البناء» على مساعدات مالية قيمتها ثلاثمئة دولار لكل صياد متأهل ومئة وخمسين دولارا لكل صياد عازب، فيما تلقى كل صياد مبلغ مئتي دولار من الهيئة العليا للإغاثة.

بعد عام على العدوان، «تزداد أمور الصيادين تعقيدا وخصوصا في صور التي تعتمد فيها أكثر من أربعمئة عائلة في معيشتها على صيد السمك»، يقول طه مشيرا إلى أن مشاكل الصيادين لم تحل و«هم بحاجة ماسة الى تقديمات صحية واجتماعية ووقف أعمال الصيد غير المشروعة وتأهيل المرفأ».

خريس: فواتير مياه الري!

يسجل النائب علي خريس انتقادا للحكومة على عدم إنصاف المدينة ومنطقتها على كل المستويات وعلى الاخص إعادة إعمار ما تهدم من منازل ومؤسسات ومصانع.

ويؤكد أن صور وجاراتها صمدت في وجه العدوان وأعطت معنى للارادة والحياة في مواجهة الآلة الحربية الاسرائيلية التي جهدت للنيل من صلابة الناس في هذه الأرض.

يضيف «إن صور شكلت طيلة أيام العدوان جسرا للمساعدات الى القرى المحاصرة كما انها فتحت قلبها وبيوتها ومدارسها للنازحين من قرى وبلدات صور وبنت جبيل على الرغم من قلة الامكانات الذاتية والمساعدات البسيطة من الحكومة وهيئاتها» يقول النائب خريس.

ويستغرب خريس مطالبة مصلحة مياه الليطاني المزارعين بدفع رسوم المياه عن ري مزروعاتهم التي أتلفت خلال العدوان.

عز الدين: صور حاضنة المقاومة

من جهته، يعتبر المسؤول السياسي لحزب الله في الجنوب الشيخ حسن عز الدين ان صور كانت الحاضنة الفعلية للمقاومة وشعبها. فقد تحملت المدينة، برأي عز الدين «عبء استيعاب النازحين وإمداد القرى المحــــاصرة بالمواد التموينية والطبية وغيرها من سبل الدعم الممكنة. كما أنها كانت الصوت الجريء الذي فضح ممارسات العدو ومجازره عبر وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية التي كانت تتخذ من صور مركزا رئيسا لنشاطها». يضيف أنه «بعد وقف العدوان الذي نالت منه صور نصيبا وافرا وسقط فيها عشرات الشهداء والجرحى في بناية الدفاع المدني وغيرها، تبدو المدينة اليوم أكثر تمسكا بخيار المقاومة ووحدة أبنائها من كل الأديان والقوى والأحزاب».

ويتوقف عز الدين عند التأخر في دفع تعويضات وحقوق المواطنين حتى اليوم، مشيرا إلى «وجود سياسة متعمدة تتبعها الحكومة غير الشرعية بهدف إذلال الناس».

تعليقات: