رواتب الرؤساء والنواب تستمر حتى بعد انتهاء ولايتهم وحتى بعد وفاتهم (هيثم الموسوي)
مخصصات الرؤساء والنواب مدى الحياة ووزراء يريدون «زودة»
«هلكت» الحكومة العمال والموظفين بالتصريحات التي تعتبر أن أي زيادة على الأجور ستؤدي إلى انهيار الاقتصاد. وبعد أخذ ورد طال أشهراً، أقرت الحكومة زيادة هزيلة للقطاع الخاص، وأدخلت موظفي القطاع العام في دوامة المماطلة. ليتبين أن رواتب المسؤولين سترتفع الى مستويات قياسية، ولكن ماذا عن رواتبهم قبل الزيادة؟
رشا أبو زكي
الرئيس اليوناني ورئيس الحكومة تخلّيا عن راتبيهما. الحكومة الأردنية خفضت رواتب وزرائها 20 في المئة. إيرلندا خفضت رواتب وزرائها من 5 إلى 15 في المئة، وخفضت راتب رئيس الحكومة 20 في المئة. رئيس الحكومة البريطاني أعلن خفض 5 في المئة من رواتب كل أعضاء حكومته. الوزراء البرتغاليون خفضوا رواتبهم 5 في المئة، والإيطاليون 10 في المئة، والإسبان 15 في المئة. مجلس الوزراء الفرنسي خفض راتب الرئيس والوزراء 30 في المئة... أما في لبنان، فالمسؤولون لا يفكرون بخفض رواتبهم، بل بزيادتها!
منطقياً، تعتبر زيادة الرواتب نتيجة عوامل محددة وواضحة: إما غلاء المعيشة وإما تقديراً للإنتاجية. فما هو مبرر المسؤولين اللبنانيين لزيادة راتبهم؟ إذ باعتراف وزراء ونواب ورؤساء حاليين، تعتبر هذه الحكومة الأسوأ من حيث الإنتاجية. كذا، الوزراء في هذه الحكومة وأعضاء البرلمان يكملون مسيرة كتلهم الحزبية والسياسية التي سنّت القوانين والتشريعات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية، وهؤلاء وكتلهم مسؤولون بشكل مباشر عن كل الخراب الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي الحاصل على مر السنوات الماضية حتى اليوم، وهم المسؤولون عن غلاء المعيشة وسوء «العيشة».
فلنكتشف ماذا يدفع اللبنانيون للمسؤولين، لكي يقوم هؤلاء بـ«تسويد» عيشتهم. تشير جداول وزارة المال الى أن رئيس الجمهورية يتقاضى 18 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً، أي 225 مليون ليرة سنوياً. ويتقاضى كل من رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء 17 مليوناً و737 ألف ليرة شهرياً، أي 212 مليوناً و844 ألف ليرة سنوياً. أما الوزير فراتبه الشهري 12 مليوناً و937 ألف ليرة، أو ما يعادل 155 مليوناً و244 ألف ليرة سنوياً، فيما يتقاضى النائب 12 مليوناً و750 ألف ليرة شهرياً أي 153 مليون ليرة سنوياً. وبالتالي يدفع اللبنانيون للرؤساء والنواب والوزراء الموجودين في الحكم رواتب سنوية بقيمة 24 ملياراً و892 مليون ليرة سنوياً.
يضاف الى هذا المبلغ عدد من المليارات الـ«برّانية»، إذ يتقاضى كل نائب 2،7 مليون ليرة شهرياً من صندوق تعاضد النواب (الممول من اشتراكات النواب بقيمة 100 ألف ليرة وما تبقى من موازنة الدولة) ليصل المبلغ الإجمالي السنوي لكل النواب الى 4 مليارات و147 مليون ليرة. وأيضاً، يخصص للنائب اعتماد سنوي بقيمة 100 مليون ليرة من وزارة الأشغال العامة، ليكون الاعتماد الإجمالي السنوي للنواب 12 ملياراً و800 مليون ليرة. هكذا، يمكن القول إن ما يدفعه اللبنانيون لمسؤوليهم الذين يمارسون مهماتهم (ولو صورياً كحال بعض النواب) هو حوالى 41 ملياراً و839 مليون ليرة سنوياً!
مهلاً، لم تنته «الحسبة» بعد. تشير دراسة شركة «الدولية للمعلومات» إلى أن النائب السابق يتقاضى كذلك تعويضات ومخصصات مدى الحياة. لا بل بعد وفاته أيضاً، إذ يذهب راتبه الى عائلته (النواب السابقين الأحياء 310 وهناك 103 متوفين)... وهذه الفئة تحصل على 55 في المئة من مخصصات النائب الموجود في السلطة، في حال «خدم» النائب في البرلمان دورة نيابية كاملة، و65 في المئة عن دورتين نيابيتين و75 في المئة عن ثلاث دورات نيابية وما فوق. وإذا توفي النائب أثناء دورته الأولى اعتُبر كأنه أمضى ثلاث دورات. وقدرت الدراسة مخصصات النواب السابقين السنوية بقيمة 28 مليار ليرة.
وكذلك يتقاضى رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة السابقون حوالى 75 في المئة من رواتبهم التي كانوا يتقاضونها حين كانوا يمارسون مهماتهم. وتصل هذه «المخصصات والتعويضات» الى حوالى 30 مليار ليرة سنوياً. وبالتالي، يدفع اللبنانيون للنواب والرؤساء السابقين ولعائلات المتوفين منهم حوالى 58 مليار ليرة سنوياً!
بالنتيجة، يدفع المواطنون فقراء وأثرياء، مقيمين ومغتربين (عبر التحويلات) حوالى 100 مليار ليرة سنوياً للرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين. عفواً، يدفعون أكثر. فرواتب هؤلاء اسمها القانوني «مخصصات وتعويضات» وليس رواتب. ولهذه التسمية قصة، إذ بإمكان الرؤساء والوزراء والنواب الذين كانوا يشغلون مناصب في القطاع العام أن يحصلوا على تعويضات التقاعد من وظائفهم، إضافة طبعاً الى «المخصصات والتعويضات» الأبدية!
كل هذه الأرقام، ولم ندخل بعد الى السجال القائم حالياً حول إفادة المسؤولين بكل أركانهم من سلسلة الرتب والرواتب التي يتم بحثها في مجلس الوزراء. إذ تبين أن الزيادات على رواتب الرؤساء والوزراء والنواب تتراوح بين 4 ملايين و250 ألف ليرة و6 ملايين و250 ألف ليرة شهرياً. بما يوازي 8 مليارات و297 مليون ليرة سنوياً. هذه القيمة ستضاف طبعاً الى رقم الـ 100 مليار ليرة، لتزيد أصفار المسؤولين أصفاراً.
وقد ألقى الاستنكار الشعبي لموضوع إفادة المسؤولين من الزيادات الحاصلة في سلسلة الرتب والرواتب بثقله على جلسة الحكومة أمس. وأشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مستهل الجلسة الى أنه سيطرح على المجلس الاثنين إعادة النظر في الإضافات المعطاة للرؤساء والوزراء والنواب في سلسلة الرتب والرواتب. وكان رئيس الجمهورية قد أوضح عبر أوساطه أن زيادة مخصصاته مخالفة للدستور، طالباً عدم إيرادها في السلسلة. كذا، أعلن رئيس مجلس النواب أنه يرفض إفادة المسؤولين من هذه الزيادة، وانسحب الموقف ذاته على ميقاتي.
إلا أن عدداً من الوزراء والنواب أعلنوا رفض استثنائهم من «الزودة». إذ أشار أحد الوزراء لـ«الأخبار» الى أن هذا الطرح غير منطقي «ليس كل الوزراء أصحاب ثروات، في حين أن عدداً من النواب متفرغون للعمل البرلماني، وهم يتكلون كلياً على المخصصات والتعويضات، ولهم الحق في الإفادة من الزيادة». وأشار النائب والوزير السابق غازي زعيتر الى أنه وكتلة التنمية والتحرير بنوابها ووزرائها يلتزمون موقف بري من هذا الطرح. كذا، أكد أحد نواب حزب الله، بعد بيان صدر عن كتلة «الوفاء للمقاومة» وفيه مطلب بإلغاء زيادة مخصصات الرؤساء والوزراء والنواب، فيما قال النائب غسان مخيبر إنه متفرغ للبرلمان ونفقاته محصورة بمخصصاته وتعويضاته. لكنه لفت الى أنه رغم ذلك فهو يؤيد استثناء الرؤساء من الزيادة.
45 نائباً
هو عدد النواب في عام 1930، ليرتفع العدد تدريجاً الى 128 نائباً في عام 1992. وهؤلاء، يحصلون على خدمات «حقها مصاري» أيضاً. ومنها: الطبابة المجانية، سيارة معفاة من الرسوم الجمركية، جواز سفر يمكنه الدخول به الى العديد من الدول مجاناً...
الزيادة للمسؤولين غير مقبولة نفسياً
يشير الخبير الاقتصادي غازي وزنة الى أن زيادة رواتب المسؤولين ضمن سلسلة الرتب والرواتب غير مقبولة نفسياً من قبل المواطنين، في ظل وضع معيشي صعب ووضع اقتصادي متباطئ وخزينة تعاني. ويلفت الى أن عدم القبول الشعبي له أسباب عديدة، ومنها أن موازنة العام المقبل 2013 بيّنت وجود ضرائب تطاول المواطنين، فيما الوزراء والرؤساء والنواب سيحصلون على «زودة»، إضافة الى أن أعضاء الحكومة المستفيدين من الزيادة أكثر من غيرهم دخلوا في صراع مع هيئة التنسيق النقابية لخفض نسب الزيادة للمعلمين والموظفين.
تعليقات: