مجمـع الإمـام الحسـن: عشـرة مبـان سكنيـة دمرتهـا إسرائيـل فـي دقيقـة ونصـف

مجمع الإمام الحسن يوم اصابته (م.ع.م)
مجمع الإمام الحسن يوم اصابته (م.ع.م)


نسجت روايات كثيرة حول أسباب استهداف الاسرائيليين لمجمع الامام الحسن، في الضاحية الجنوبية، قبيل ثمان واربعين ساعة من لحظة سريان قرار وقف الاعمال العدائية. كانت البديهية الأولى في الروايات الاعلامية والشعبية، أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله مرّ من هناك أو كان موجودا في المجمع لحظة استهدافه. قال آخرون ان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد هو المستهدف وأنه ربما يكون قد سقط شهيدا. طرحت أسماء نواب وكوادر آخرين في «حزب الله». قيل ان اجتماعا كان ملتئما في المجمع وانه انفض قبيل أقل من ساعة من لحظة الاستهداف.

تم توجيه أصابع الاتهام لإحدى الوزارات ربطا بوجود «سنترال مدني» داخل المجمع. قيل ان المعلومات الاستخباراتية التي تلقاها الاسرائيليون تحدثت عن وجود ملجأ تحت الأرض عبارة هو عن غرفة عمليات للمقاومة تصل بين الجنوب وبين البقاع. قيل إن جهاز هاتف خلويا كان يرصده الطيران الحربي الاسرائيلي لأحد كوادر المقاومة

اليوم، ترتسم في ساحة مجمع الامام الحسن صورة متناقضة. ثمة رائحة موت وركام ولو أنه تم نتشال كل الجثث التي كانت ما زالت مطمورة تحت الأنقاض...

التي كانت تميز المجمع. اختفت ضحكات الأطفال وصيحات الفتية الكبار، وزعيق الدراجات النارية والسيارات التي لا تفارق الشارع وأصوات المولدات الكهربائية التي كانت تملأ المكان. غابت كلها مع غياب الممثلين عن مسرحهم. لم يعد هناك سوى آثار الدمار والخراب.

كأن زلزالا عنيفا ضرب المكان مخلفا بقايا ألعاب الصغار وثيابهم وكتبهم المدرسية، وبقايا ذكريات وتفاصيل حياة سكان ولدوا وماتوا هنا

نهض مجمع الامام الحسن السكني في العام 1995 في محلة الرويس في الضاحية الجنوبية لبيروت. عائلات معظمها شيعية من الجنوب والبقاع، وجدت فيه جزءا من منظومة عيش متكاملة تتماهى مع العلاقات الاجتماعية والعائلية والتقاليد والعادات المحلية بالاضافة الى الثقافة والمدرسة وأمور الاستهلاك.

كان المجمع يضم عشر بنايات تصنف بأنها من النوع «المتوسط». تهدمت بفعل الغارة الاسرائيلية ثماني بنايات تضم مئتين واربعين وحدة سكنية وحوالى خمسين محلا تجاريا، وبقيت اثنتان غير صالحتين حالياً للسكن يجري العمل على إعادة ترميمهما من جديد.

لحظة تدمير المجمع

يجمع الناجون على الطابع المدني للمجمع، وثمة رواية واحدة تتحدث عن احتمال أن يكون «حزب الله» قد استفاد من أحد المستودعات لإقامة مطبخ مركزي كان يؤمن الوجبات للاهالي والمقاتلين في الضاحية الجنوبية. هناك من يوجه أصابع الاتهام الى عملاء مندسين كانوا يتخفون في محيط المكان وهناك من يحيل الأمر الى لعبة تقنية ربطا بوجود سنترال للاتصالات في المبنى، ما جعل الاسرائيليين يعتقدون للحظة أن المجمع يضم اشخاصا قياديين في «حزب الله» وانهم أصابوا هدفا كبيرا، بينما راح البعض في اسرائيل يتحدث لساعات عن استهداف السيد حسن نصر الله.

يروي الحاج «أبو أحمد بزي»، وهو الشخص الوحيد الذي كان موجوداً في دكانه المجاور للمجمع لحظة قصفه، كيف نجا من الموت بأعجوبة.

«عند الساعة الثالثة إلا ثلثا بالضبط من عصر الأحد الموافق 12 آب ,2006 مرت لحظات جنونية تغير معها كل شيء. دوي قوي يصم الآذان لم أسمع مثيلا له في حياتي. لاحقا عرفنا أنها الصواريخ «الذكية»، سحبت الهواء من داخل المجمع ومن ثم بدأت الأبنية تتهاوى فوق بعضها البعض «مثل البسكوت».

لفت المكان سحابة من الدخان والنار وبعد أقل من ثانية توالت أصوات عدد من الانفجارات تبين لاحقا أنها ناتجة عن الصواريخ التي ألقتها المقاتلات الحربية الاسرائيلية. وبحسب ما يقول «أبو أحمد» فإنه سمع حوالى عشرين انفجاراً ناتجا عن قصف المجمع بصواريخ زنة الصاروخ الواحد منها حوالى الطن والنصف. وقد تم ذلك في خلال من دقيقة ونصف الدقيقة.

يقول أبو أحمد انه يشعر بمزيج من الحسرة والألم والفخر «كل شيء تغير وتبدل»، ولكن ما لم يتغير أو يتبدل هو ذاكرته الثاقبة التي ما تزال تحفظ وجوه من قضوا ومن نجوا ومن ما زالوا مفقودين حتى الآن. صار «ابو احمد» ذاكرة المكان.

الأسئلة التي أنقذت محمد

يروي «ابو احمد» قصة محمد قرعوني (8 سنوات) «قبل قصف المجمع بدقائق، كان محمد يشتري البوظة من عندي، وفيما كان يهم بالرحيل، رحت أطرح عليه السؤال تلو الآخر عن مكان وجودهم أثناء الحرب، وأين قضوا تلك الفترة وما إلى ذلك. وكأن قدر هذا الطفل ألا يموت مع والدته وأخته نانسي ابنة السنوات الأربع وقدره أيضاً أن يبقى يسأل عن أمه وأخته حتى الآن.

أما محمد نور الدين (18 سنة)، فلم يكن يدري ما يخبئه له القدر. لم يكن يدري أنه سيكون الناجي الوحيد من بين أفراد أسرته وبأن سيكمل عمره وحيدا من دون أب أو أم ولا أخ أو أخت...

يروي محمد أنه في ذلك الأحد الأسود «قبل سقوط المجمع بحوالى ربع ساعة تقريباً، عادت عائلتي للمرة الاولى الى المنزل في مجمع «الامام الحسن». كنا نعتقد أن الأعمال العسكرية قد شارفت على نهايتها. لم يكن يخطر بالبال أن المجمع سوف يضرب أو يدمر بهذا الشكل. بعد وصولنا الى المنزل بحوالى ربع ساعة، طلب مني والدي أن أذهب أنا وأخي كي نجلب الطعام للغداء، فذهبت على دراجتي النارية وجلبت لهم الطعام».

بعدها، سأل محمد أخـــاه إن كان يرغب في مرافقته في «مشوار صغير»، إلا أن الأخير فضل البقاء في المنزل. بعد خمس دقائق بالضبط، قصف المجمع ونجوت وحدي...

إعادة بناء المجمع

مع مرور سنة على الحرب، ومع بروز كلام عن وجود مواد سامة ناتجة عن استعمال العدو مواد محظورة في قصفها، تضاربت حول إمكانية إعادة بناء المجمع، على اعتبار أن الأرض يمكن أن تكون غير صالحة للبناء أو لأسباب صحية مخافة انتقال مواد سامة قد تؤثر سلباً على السكان.

لكن مصادر معنية بمشروع «وعد» لإعادة إعمار الضاحية الجنوبية، تؤكد أن المجمع سيعاد إعماره مجددا وسيعود ... «أحلى مما كان».

وسيقلص عدد الأبنية في المجمع ليصبح خمسة بدلاً من ثمانية. ومن المنوي تغيير الشكل الهندسي للبناء، وتغيير مداخله ومخارجه. وسيصار إلى توزيع الانارة بشكل مدروس ومنظم، والى استحداث موقف خاص للسيارات. وستزرع أشجار كثيرة، لتحيط بالمجمع من جهاته كلها.

... وموقع المجمع اليوم (بلال قبلان)
... وموقع المجمع اليوم (بلال قبلان)


تعليقات: