عوني رمضان: لا حلّ إلا بإقرار الموازنة في مجلس النواب
ماليّات الإدارات العامّة متعدّدة الحسابات..
الدولة في حالة فوضى. حالة بدأت في عام 2005 وبدأت تظهر نتائجها اليوم؛ دفتر حسابات الدولة في كل إدارة عامة تحوّل إلى دفاتر. لم يعد لدى مراقبي عقد النفقات في الإدارات العامة سجّل واحد لإنفاق الدولة، فهم يمسكون سجلّات «بالجملة» متشابكة ومتناقضة ومتوازية. الحديث عن تداعيات هذه الحالة لن يتوقف قريباً بسبب حجم الأزمة اللامتناهي. ففي ديوان المحاسبة، وهو المعني الأول بالرقابة على أموال الدولة، المشكلة أكبر بكثير لكونها تجعل الرقابة على المال أمراً شبه مستحيل، ولأن الدولة لن تتمكن من إنجاز أي قطع حساب إذا لم تجر تسوية الملفات العالقة.
هذه خلاصة ما ورد في اللقاء الموسّع الذي عقده رئيس ديوان المحاسبة عوني رمضان أمس مع مراقبي عقد النفقات في الإدارات العامة. النقاش تمحور بين الديوان والمراقبين حول سلف الخزينة وتأثيراتها على أعمال الرقابة المالي سواء من مراقبي عقد النفقات او من ديوان المحاسبة. بهذه الخلفية طرح رمضان عدداً من الأسئلة: كيف تضبط الحسابات بين اعتمادات الموازنة وسلف الخزينة، وإلى ماذا يستند مراقب عقد النفقات لتحديد ما إذا كان الاعتماد متوافراً؟
في الواقع، لم تأت إجابات مراقبي عقد النفقات ومراقب عقد النفقات المركزي إلا بمزيد من الغموض الذي يخيّم على حسابات الدولة. فما أظهره النقاش هو أن الفوضى تشوب حسابات الإدارات. السبب هو أن السلطة السياسية المركزية عاثت خراباً بالإدارات العامة وسارت ضمن خيارات ليس في نتائجها أي إيجابية. فالمشهد هو على النحو الآتي: لا حسابات مهمة لدى ديوان المحاسبة منذ أكثر من 10 سنوات، قطع حساب لم يصدر عن مجلس النواب منذ 2005، ولا موازنة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
هذا المشهد يقود نحو السؤال الآتي: كيف وعلى أي أساس تنفق الإدارات العامة؟ سهولة الإجابة تخفي جبال من الانعكاسات السلبية. فالإنفاق بلا موازنة بدأ على أساس القاعدة الاثني عشرية ثم تحوّل إلى حالة دائمة، لكن هذا الأمر كان يتم بموازاة إنفاق من نوع آخر هو سلف الخزينة. فما هي المشكلة في سلف الخزينة؟ الامر تقنياً معقّد، لكن جوهره يقوم على أن السلف ليس لها أي وجود (قيود) في الموازنة، وبالتالي فإن كل إنفاق يتم عبر الموازنة له صحيفة تظهر كل ما يطرأ عليه، لكن ما حصل بالنسبة لسلف الخزينة يكشف عن الآتي:
ــ أوقف العمل بسلفات الخزينة وطلبت وزارة المال من الإدارات العامة الإنفاق على أساس اعتمادات موازنة 2005. لكن هذا الأمر أثار ضجّة كبيرة لأن هناك فرقاً كبيراً في الإنفاق بين 2005 و2011 و2012 بسبب تضخّم الرواتب والأجور والإنفاق التشغيلي للدولة اللبنانية.
ــ من أجل معالجة المشكلة المتصلة بالرواتب والأجور، عادت السلطة التنفيذية لتطلب صرف الرواتب من السلف. وهنا دار جدل حول كيفية تحديد الرواتب والأجور وهذا الإنفاق.
ــ الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ، فالسلطة التنفيذية طلبت أيضاً العمل ضمن سقف السلف لعام 2012 على أساس أنها حصلت على سلفة بقيمة 8900 مليار ليرة أقرت لها في مجلس النواب من أجل الإنفاق الإضافي بين اعتمادات موازنة 2005 ومشروع موازنة 2012.
هكذا «فات الحابل بالنابل». فقد بات مفروضاً على مراقب عقد النفقات أن يسمك سجلّ لحساب سلف 2011، ثم يعود إلى سجلّ 2005، ثم يعود إلى سلف 2012. في الواقع إن القاعدة هي أن يكون لكل إنفاق اعتماد في الموازنة، لكن قيل لمراقبي عقد النفقات أن يأخذوا الأموال من الاعتمادات وإذا لم تكف تستكمل المبالغ اللازمة لإنفاق الإدارات العامة من السلف، وبالتالي كيف يكون شكل القيد النهائي؟ فعلى أي عام، أو أي دفتر، يُحتسب الإنفاق من السلف؟
هكذا خلص رئيس الديوان إلى القول بأن «لا حلّ إلا بإقرار الموازنة في مجلس النواب في ظلّ كل هذه التعاميم والقرارات المتناقضة».
على أي حال، ففي رأي رمضان أن اللقاء مع مراقبي عقد النفقات يمثّل بداية ونقطة انطلاق صحيحة لتفعيل العمل الاداري المالي نظراً إلى أهميته بالنسبة لمتابعة شؤون الإدارات المالية، مشيراً إلى أن هذا الأمر هو ضرورة لتنفيذ المهمة الأساسية لديوان المحاسبة، أي الرقابة المالية. فالديوان يحتاج إلى توحيد الرؤية مع مراقبي عقد النفقات لا سيما حول سلف الخزينة وضبط الحسابات.
وفيما كان هناك بعض الاعتراضات من قبل مراقبي عقد النفقات على قرارات وقف سلفات الخزينة، قالت مصادر مطلعة إن بعض مراقبي عقد النفقة يقومون بحجز الأموال التي تطلبها الإدارات العامة من سلف الخزينة رغم أنها متوافرة في الاعتمادات التي بحوزتهم، ويعتقد هؤلاء أن مثل هذه القرارات لا تؤخذ إلا بناء على طلب الوزراء من أجل تمرير جزء من الإنفاق وتوجيهه في اتجاهات معيّنة، وهو ما يثير الكثير من الشبهات حول طبيعة هذا الإنفاق.
في المقابل يعتقد رئيس غرفة الحسابات المالية في الديوان جورج افرام أن ترك الخيار لمراقبي عقد النفقة لتحديد كيفية ضبط الإنفاق سواء من الاعتمادات أو من سلف الخزينة، أمر يشوبه الكثير وليس أمراً عادياً. فمن غير المقبول أن يبقى الإنفاق متروكاً وأن تكون الخيارات مفتوحة لأن هذا الأمر يسهم في التشويش على عملية المراقبة والتدقيق في المال العام التي يقوم بها الديون من صلب مهامه الأساسية.
الأنكى من كل ذلك، أنه بحسب بعض المراقبين أن المعلومات الواردة على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالإدارات العامة عن إنفاقها قد لا تظهر حقيقة الأرقام والنتائج المالية لتطبيق الموازنة والسلف التي حصلت عليها هذه الإدارة أو تلك، وبالتالي فإن من أبرز مهام مراقبي عقد النفقات في هذه الايام أن ينبّهوا محتسب المؤسسة أو الإدارة العامة على وجود هذا الخطأ الإجباري في المعلومات على أجهزة الكومبيوتر... كل ذلك وغيره سيستمرّ بالظهور في حسابات الإدارات العامة ما دامت السلف مستمرة بالظهور.
تعليقات: