الجيش السوري الحر
القضاء يشرّع سلاح «الجيش السوري الحر».
صقر صقر يضع سلاح المعارضة السورية في مرتبة أعلى من سلاح المقاومة..
لا تقف إبداعات النيابة العامة لدى المحكمة العسكرية وبعض قضاة تحقيقها عند حد. فبعدما نصّب مفوض الحكومة القاضي صقر صقر نفسه مشرّعاً ليسن قوانين يطبقها على هواه، وصل أخيراً إلى مرحلة غير مسبوقة. إذا خُطِف إنسان ما، وحرّره الجيش اللبناني، يدّعي صقر على الخاطف والمخطوف بالجرم ذاته: كلاهما ينتمي إلى عصابة مسلحة بقصد الخطف. حدث ذلك قبل أيام قليلة. فالجيش اللبناني أوقف ثمانية سوريين، 4 منهم مسلحون، في البقاع الشمالي. وتبين أنهم 7 سوريين، ولبناني واحد. وهؤلاء ينقسمون إلى مجموعتين: الاولى مؤلفة من لبناني و3 سوريين، تنشط في صفوف المعارضة السورية المسلحة، على طرفي الحدود اللبنانية ــ السورية. اما المجموعة الثانية، فتتألف من 4 جنود من حرس الحدود السوري. وتبين أن أفراد المجموعة الأولى اختَطفوا أفراد المجموعة الثانية، من داخل الأراضي السورية، ونقلوهم إلى الأراضي اللبنانية، وكانت وجهتهم بلدة عرسال البقاعية.
وبعدما أحيل الجميع على القضاء بناءً على إشارة النيابة العامة، قرر القاضي صقر الادعاء على الجميع بالجرم ذاته: الخاطف والمخطوف سواء. جميعهم ألّفوا عصابة مسلحة بهدف الخطف بقوة السلاح. أحال صقر الملف والموقوفين على قاضي التحقيق العسكري نبيل وهبي. والأخير، أراد تكحيلها، فإذ به يعميها. القاضي وهبي اعترف بأن عناصر حرس الحدود مخطوفون. أسقط عنهم تهمة المشاركة مع المسلحين بخطف أنفسهم. لكنه رأى أن دخولهم الأراضي اللبنانية تم بطريقة غير مشروعة. هو إذا يرى ان المخطوفين بقوة السلاح، ارتكبوا جريمة دخول لبنان «خلسةً». ربما كان ينتظر منهم أن يمروا بنقطة المصنع الحدودية مع خاطفيهم، ليختموا جوازات سفرهم، او ليملأوا الاستمارة البيضاء. أصدر بحقهم مذكرات توقيف بناءً على هذه التهمة. لم يلتفت القاضي إلى كون هؤلاء أدخِلوا لبنان بالقوة، ورغماً عن إرادتهم، وان النية الجرمية غير متوفرة لديهم. لا وهبي رأى ذلك، ولا صقر تنبه أيضاً.
في المحصلة، بقي المخطوفون والخاطفون موقوفين. اداء القاضي صقر خصوصاً ليس مستغرباً من القانونيين والامنيين المتابعين لعمله في الفترة الماضية. فالقاضي الملتصق سياسياً بفريق 14 آذار ابتدع في آب الماضي سنناً «عدلية» جديدة، يصدر بناءً عليها قرارات مخالفة للنص القانوني الواضح. ففي مطلع الشهر الماضي، اوقف الجيش اللبناني في بلدة بريتال البقاعية شاباً سورياً ينتمي إلى إحدى مجموعات المعارضة السورية المسلحة كان برفقة شاب لبناني، وفي حوزتهما كمية كبيرة من الأسلحة وكواتم الصوت. وما أن أحيل الموقوفان على القضاء العسكري، حتى أخلى صقر سبيلهما بسند إقامة، وذيّل قراره بمخالفة قانونية تقضي بعدم تسليم السوري الموقوف إلى الأمن العام اللبناني، رغم أن القانون واضح بهذا الشأن، ولا لبس فيه.
وتفيد مصادر امنية متابعة لهذا الملف بأن معاون مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي داني الزعني لحق برئيسه القاضي صقر صقر، وأصدر أكثر من قرار بعدم تسليم سوريين إلى الأمن العام. وتلفت المصادر إلى أن صقر حاول بداية العام الجاري، «استصدار فتوى» من المدعي العام التمييزي (السابق) سعيد ميرزا، تجيز له عدم تسليم المعارضين السوريين الموقوفين في لبنان إلى الأمن العام، إلا أن ميرزا رفض ذلك، بسبب المخالفة الواضحة للنص القانوني.
وتشير مصادر أمنية معنية بهذه القضايا إلى أن صقر يشرّع بقراراته هذه الوجود العسكري لقوى المعارضة السورية المسلحة على الأراضي اللبنانية. ولفتت إلى أن قراره الأول بإخلاء سبيل موقوفَي بريتال وعدم تسليم الأجنبي منهما إلى الأمن العام أثار استغراب القضاة، كونه سابقة لا يجوز تكرارها. وأكدت أن وزير العدل شكيب قرطباوي وعد حينذاك بمتابعة القضية وإحالتها على التفتيش في حال ثبوت المخالفة، إلا أن احداً لم يتحرك.
وتختم المصادر حديثها بالتذكير بحادثة توقيف شاحنة للمقاومة في منطقة الحازمية عام 2007. حينذاك، ضبطت شاحنة أثناء نقل أسلحة من البقاع إلى الجنوب. اوقف سائق الشاحنة، وأبقي في السجن لأشهر عديدة، رغم أن المقاومة وسلاحها شرعيان بموجب البيان الوزاري. وتروي المصادر الأمنية هذه الحادثة لتخلص إلى نتيجة مفادها أن الولاء السياسي لصقر، الذي جيء به إلى النيابة العامة العسكرية «مكافأة» على أدائه في ملف التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، يضع سلاح المعارضة السورية في لبنان في مرتبة أعلى من سلاح المقاومة.
في المقابل، يبدو الفريق السياسي الممسك بالسلطة اليوم غائباً عن السمع. لا هو يتحرّك لمواجهة بدَع صقر، ولا يرى نفسه معنياً لتحويل هذا الملف إلى قضية رأي عام. فمن فشل في التعامل إعلامياً وسياسياً مع هجوم قوى المعارضة السورية المسلحة على موقع للجيش اللبناني في جرود عرسال، لن يتنبه إلى اداء صقر.
تعليقات: