إحدى النازحات تعمل في مجال الخياطة في حاصبيا («السفير»)
مازوت التدفئة يشكل الهمّ الأساسي على عتبة فصل الصقيع
النـازحـون السـوريـون إلـى حاصبيـا ينخـرطـون فـي سـوق العمـل
تشير النازحة السورية إلى بلدة مرج الزهور أم خالد ساهرة الخطيب، إلى أطفالها الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة و12عاما. وتسأل بلهجة العاجزة عن البوح بكل ما في قلبها المجروح من ألم وقلق: «كيف سنتمكن من قضاء فصل الشتاء بين جدران هذه المدرسة، المشرعة للريح والصقيع، في ظل حالة العوز التي تضربنا وشريحة واسعة من النازحين. الغربة ستطول ربما». الحاجيات ومصاريف العيش أسعارها إلى ارتفاع، «مازوت التدفئة هم جديد لا يرحم، أسعاره في تصاعد مستمر، نعجز عن تأمين لقمة العيش. فكيف بنا سنؤمن الدفء لأطفالنا، قرر زوجي السبعيني العمل بأي شيء في لبنان، همنا الحصول على مردود ولو كان بالقطارة. يقف زوجي صباح كل يوم الى جانب الطريق العام. ينتظر من يناديه للعمل في حقله، في حديقة المنزل في قطف المواسم الزراعية أي عمل، المهم العودة إلى المنزل وفي جيبه ولو عشرة آلاف ليرة».
«بدأنا فعلا كنازحين نشعر بالعوز»، يقول رب العائلة أبو علاء أحمد السنجري، «فصل الشتاء يهدد حياتنا بالفعل، فالمتوجبات ستتضاعف وعلينا التفتيش عن عمل، بهدف الحصول على مدخول مادي ولو محدود، يسد جانبا من الحاجيات المتصاعدة، على أبواب المدارس والبرد، ما يحتم المزيد من المصاريف لدى رب العائلة الذي بات في حيرة من أمره. ويسعى بكل قوة لتجاوز الوضع المعيشي الصعب، الذي يزداد تفاقما يوما بعد يوم ومع استمرار الأزمة السورية وطول فترة النزوح». يضيف «أعمل في أحد الحقول الزراعية البقاعية، بأجر يومي لا يتجاوز عشرين الف ليرة، لقد انخفض أجر العامل السوري بسبب ارتفاع عدد العمال. فلم نعد نسأل عن البدل، همنا نجد من يقول تعالوا للعمل ولو بنصف أجر». ويتوجه رامي النازح من حلب مع أشقائه الثلاثة، صباح كل يوم للعمل في ورشة بناء محاذية للغرفة الصغيرة التي يقطنونها مع والديهم. يقول: «بدأنا العمل منذ أسبوع. لم نتفق مع المتعهد على الأجر اليومي، خشينا أن نسأله عن ذلك، كي لا ينزعج ويطردنا من الشغل. المهم بالنسبة لنا أن نجد عملا. الوضع المعيشي مكلف، والدي بحاجة لأدوية مزمنة ولم نجد بعد من يزودنا بها. المساعدات التي نحصل عليها بالقطارة. ونحن لا نلوم أحدا. وعلينا تدبير أمورنا الحياتية مهما كانت شاقة ومتعبة».
في سهول عين عرب والوزاني، تحول العشرات من النازحين، كبارا وصغارا، إلى عمال زراعيين. لدى بعضهم خبرات زراعية هامة، ما حث المستثمرين على تشغيلهم مع تقديم تسهيلات لإقامتهم. فعمد البعض على تركيز خيم لإيوائهم، خاصة بعدما بدأت عائلاتهم النزوح إلى تلك المنطقة التي وصفوها بالهادئة، على الرغم من وقوعها بمحاذاة المنطقة الحدودية المحتلة. أم علاء تركت منذ ثمانية أشهر بابا عمرو مع عائلتها المؤلفة من سبعة أشخاص، لتستقر في مدرسة بلدة مرج الزهور التي تركها طلابها إلى مبنى مدرسي جديد «نحن من المحظوظين. لم يطلب منا إخلاء المدرسة القديمة، مع مطلع العام الدراسي. سنمضي فصل الشتاء هنا كما يبدو. الوضع في سوريا لم يحسم بعد، علينا تدبير أمورنا الحياتية والتوجه للحصول على دخل يقينا العوز، زوجي يحمل إجازة في الفلسفة. وقد بدأ التفتيش عن عمل في مدرسة، ولو كان أجر الساعة بدولار واحد لا يهم. فالكحل اهون من العمى. لم يوفق زوجي في التعاقد مع مدرسة خاصة بعد، لأن القوانين اللبنانية لا تسمح له بالتدريس في مدرسة رسمية كما قالوا لنا». تضيف «كانت فرحتي كبيرة أنا وعائلتي عندما شاهدنا عددا من أهالي البلدة حيث ننزح، وهم يحملون إلينا ماكينة خياطة كهدية، لقد جمع الأهالي ثمن الماكينة التي بلغ سعرها 750 دولارا اميركيا. كانت هذه فرصة ذهبية لي، أنا أعمل اليوم في الخياطة. الزبائن يتكاثرون بشكل مقبول. هذه المهنة تدر علي ما بين 15 و25 دولارا في اليوم الواحد، مبلغ معقول والحمد لله».
أبو ماجد تيسير العلوان، وُفّق بورشة بناء يعمل فيها كسمكري، بعشرين دولارا في اليوم. يقول: «المبلغ يسد جانبا من مصروف عائلتي المؤلفة من 5 أفراد. الجهات المانحة توزع علينا حصة تموينية في الشهر فيها زيت وسكر ومعلبات وحليب. هذه الحصة تكفي لعشرة أيام فقط. نأكل نصف وجبة طعام حتى نجتاز هذه الفترة الصعبة التي نمر بها». النازحة سهيلة الحمد (35عاما) من إدلب، بدأت العمل في تنظيف المنازل، بعشرين ألفاً في اليوم، تراه «مبلغا مقبولا، سوف أصـرفه في مساعــدة أخوتي الصغار الذين نسعى لتسجيلهم في إحدى المدارس اللبنانية كي لا تضيع سنتهم الدراسية».
أبو كنان جميل السويدي، من ريف دمشق، رجل ذو نفحة فنية مميزة، يحمل عوده الطربي العتيق ويقصد حفلات الأعراس في قرى حاصبيا حيث ينزح. يحاول إدخال الفرح إلى نفوس المحتفين. يقول: «البداية كانت صعبة. أمضيت أكثر من شهرين اتنقل بين عرس وعرس. كنت أعمل من دون مقابل. لقد أحبني البعض وحنوا علي. وهم العارفون بواقعنا المرير. فباتوا يدفعون لي بدل كل سهرة ما بين 20 و30 دولارا. الحمد لله الوضع بات مقبولاً لكن المشكلة أنه في فصل الشتاء تقل حفلات الأفراح هنا». أضاف: «أطمح في التعاقد مع أحد الملاهي الليلية لأطرب الجمهور، وعندها ربما تحسن الوضع. أعيش على أمل عسى أن يتحقق، وهو رفع دخلي. فوضعي المادي صعب وعندي خمسة أطفال، أكبرهم في سن السادسة عشرة». ويشير الأخوان رضوان وجميل الجندولي إلى أنهما وفقا بالعمل في بلدية إحدى القرى البقاعية. يعملان في تنظيف الشوارع وجمع النفايات، «الوضع مقبول. أجر كل منا عشرون ألف ليرة في اليوم. ولكن في فصل الشتاء ستنخفض ايام العمل، علما أننا سندفع 20 الف ليرة يوميا ثمن مازوت للتدفئة فقط. هذا جانب ضروري في مصروفنا اليومي ومن الصعب تجاوزه. وكل ما نطلبه انتهاء الوضع الشاذ وعودتنا إلى بلدنا لنعيش في خيمة صغيرة فوق ركام منزلنا المدمر».
بعض الجهات العاملة في إغاثة النازحين، أشارت إلى الوضع الصعب الذي سيكون عليه هؤلاء في فصل الشتاء، حيث البرد القارس الذي لا يرحم، ما سيفرض المزيد من المساعدات خاصة لجهة تأمين مادة المازوت للتدفئة. وذلك يستلزم ميزانية كبيرة، فقد بدأ الكثير من النازحين التفتيش عن عمل يدر عليهم ولو مبالغ محدودة في ظل استنزاف مدخراتهم. وأملت تلك الجهات في «أن تتمكن الغالبية من الدخول في سوق العمل اللبناني، والذي يشهد تراجعا بدوره»، لافتة إلى تعذر تحديد «نسبة النازحين الذين يعملون. وإن كانت إحصاءات غير رسمية قدرت عددهم بين 6 و10 في المئة فقط».
تعليقات: