صوّب بندقيته على بطنها الكبير كونها كانت حاملاً في شهرها السابع وضغط وصرخ قائلاً:
أين هو زوجك المحترم قالها بصوتٍ ينشق السقف لسماعه.
أجابته والخوف خطف اللون من وجهها خاصة بعدما تهجم على البيت ودخل عنوة: أنا لا أعلم فهو ليس هنا ولا أعلم عنه شيئاً، وصرخ بصوتٍ أعلى ألا تعلمين أين هو! عندما أجده سأرديه قتيلاً وأجلبه لكِ وخرج وهو يهدّد ويتوعد بقتله .
الحقيقة أنها لا تعلم فهو قد انسحب مع بقية المجموعات المسلحة من الجهة الشرقية لبلدتنا الخيام وذلك عندما أيقنوا أنهم لا يستطيعون مواجهة اسرائيل وأرتال دباباته التي دخلت البلدة من الجهة الغربية والجنوبية ، وهنا لا بد أن نشير إلى أن فئة استقبلت الإسرائيليين بالترحاب وساروا أمامهم وأعدموا الكثير من الشرفاء من أهل البلدة.
لقد عرفته إنه العميل فلا داعي لذكره فهو أصبح مع الأموات، ذلك جزاء خيانته لبلده.
لم يكد يخرج من البيت حتى جلست تلتقط أنفاسها بعد موجة الخوف الرهيب التي أصابتها، وفكرّت ماذا ستفعل لإنقاذ زوجها من براثن هذا العميل ،قد يفكر زوجها ويتسلل إلى البلدة أو ربما يلتقيه صدفة، سوف لا يرحمه وينفذ تهديده ،وبما أن الإتصال مع زوجها غير ممكن ، فلا هاتف خلوي في ذاك الزمن ،قرّرت أن تذهب إلى بلدته ،هو من بلدة أخرى تقع في أعلى جبل الشيخ ، ربما يكون موجوداً هناك في منزلهما المهجور.
في الصباح الباكر ،حضّرت ما تيسر من الطعام والشراب ووضعتهما في محفظة صغيرة وحملتها وانطلقت برفقة أختها الصغرى التي تبلغ من العمر أثنا عشر عاماً، والمؤسف أنها مصابة بمرض الربو الذي كان يتسبب لها بنوبات قوية من ضيق التنفس وتتعذب كثيراً، إنها رحلة في غاية الصعوبة عليها ولكن ما العمل؟
إنطلقت الأختين من الجهة الشرقية للبلدة إلى السهل القريب المسمى بالوطى ، ومن ثم صعوداً في التلال والهضاب حتى بلدة حلتا وهناك استراحتا قليلاً ، من عناء المشي والجوع والعطش ، يا لمأساة هذه المرأة إنها تحمل في بطنها جنيناً وتجتاز الجبل صعوداً، وعليها أن تصل البلدة قبل أن يسدل الليل ستاره ،وأخيراً وبعد طول معاناة وصلت بيتها المهجور وبحمد الله كان زوجها في بلدته ،إنه منظر ترق له القلوب ،عانقها عناقاً طويلاً ،ولما استراحت أخبرته أنه مطلوب وأنهم يفتشون عنه بقصد قتله، فشكرها على موقفها وكيف أنها تحملت عناء هذه الرحلة والصعود إلى أعلى الجبل لإنقاذه تحمل هذه المخاطرة لأجله ،قد يتسبب الارهاق بولادة مبكرة ولها مخاطر عديدة،
أنها ذكريات أليمة محفورة في الذاكرة ،هذا الخيار يستلزم الصبر والتضحية من كل أهل وشعب المقاومة، وهذا ما حصل حتى العام 2000 ، حيث أصبح الجنوب حرّاً وتمت تصفية الحساب مع العملاء الخائنين لوطنهم وشعبهم .
تعليقات: