رغم الشيخوخة يأبى المرّ مرور شاردة انتخابية من وراء ظهره (أرشيف ـ هيثم الموسوي)
لا يعني تاريخ 29 أيلول لأبو الياس شيئاً... لا هو محطة مهمة في مسيرته النيابية ولا أحد أيام تعيينه وزيراً. هو ليس مدرجاً أصلاً في أجندته الخاصة. فلم يسبق للنائب ميشال المر أن احتفل يوماً بعيد مولده لتتصدّر صوره صفحات المجلات الاجتماعية
حتى لو قرر «شيخ الشباب» الاحتفال اليوم بعيد ميلاده، لن يجد ميشال المر بين أفراد عائلته المقربين كشقيقاته وأشقائه وأبنائهما من يلتقط صورة معه. وحتى نجله الياس سيفكّر مرتين قبل حضوره مناسبة اجتماعية. «عائلة المرّ لا تجتمع إلا في العالم الثاني»، يقول أحد المقربين من العائلة. في الثمانين عاماً التي مرّت من حياة المر، لم يحدث أن أرسل له شقيقه غبريال بطاقة معايدة واحدة. «لم تدرج العادة أصلا أن يحتفل أحدنا بعيد مولده»، يستطرد شقيقه الأصغر الذي فوجئ بمرور «سنة حلوة» أخرى على إنجازات أخيه: «كنت أعايده في عيد مار مخايل ويتصل بي في عيد سان غبريال». ويمكن «معجبي» المرّ أن يطمئنوا الى حالته الصحية: هو في أحسن حال، بل «ومشبشب شوي». يتابع أعماله اليومية بانتظام كما منذ ستين عاماً، بداية مسيرته السياسية. يستقبل بعض المخاتير ورؤساء البلديات ومفاتيح المتن الانتخابية دورياً للاطلاع على مشاكلهم وطلباتهم وجسّ نبض شارعه الانتخابي.
المر يشكل لائحة 14 آذار
يأبى المر ترك النيابة الا للقاء خالقه. ورغم إثقال شيخوخته رجليه، يأبى مرور شاردة انتخابية من وراء ظهره. لذلك أوفد ابنته المدللة ميرنا، رئيسة اتحاد بلديات المتن، الى رجل الأعمال سركيس سركيس قبل بضعة أيام من أجل «تبكيل» عملية تبنيه على لائحة المر ــ الكتائب ــ القوات. وعلّمها كيف تتصل به من منزل سركيس في اللحظة المناسبة التي يصدف مروره قرب المنزل، ليدعوه سركيس أن يتوّج الصدفة بانضمامه اليهما. وهكذا كان. حسم الاسم الماروني الثالث بعد النائب سامي الجميل وعضو الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية إدي أبي اللمع. أما الماروني الرابع على لائحة 14 آذار، فقيد التشاور بين الكتائب والمر بعد اتفاق الاثنين على أفضلية الترشيح لأحد أبناء الجرد وخصوصاً بسكنتا التي تعد الصندوق الانتخابي الأكبر في الأعالي. وهنا فتح بازار الأسماء على مصراعيه، من رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق غالب غانم الى رئيس حركة «المستقلون» رازي وديع الحاج الى رئيس بلدية بسكنتا طانيوس غانم صاحب الحظوظ الأوفر حتى اليوم. يصرّ أبو الياس هذه المرة على الفوز بمرشح أرثوذكسي خاص به على لائحة 14 آذار، غيره طبعاً. واقتراحاته متعددة: أولهم من النوع الأحبّ على قلبه، رجل أعمال في رصيده الكثير من الألقاب ليس آخرها عميد الصناعيين اللبنانيين، أصله من الكورة الا أن نفوسه حالياً في الرابية التي يقطنها فضلا عن أن زوجته عضو في مجلس بلدية الرابية: جاك صرّاف. ثانيهم خليل الحجل من جل الديب: نام كتائبيا ليستيقظ مرّياً بعد أن ضمن له زعيم بتغرين المديرية العامة للمجالس والادارات المحلية في وزارة الداخلية والبلديات خلافاً للقانون. وتراه اليوم طالباً مجتهداً على مقاعد كلية الحقوق ساعياً وراء الاجازة لشرعنة موقعه. وباتت استقالته قاب قوسين، بعد ضمان ترشيحه طبعاً حتى لا يخسر اللقبين دفعة واحدة. أما الثالث، فرئيس مجلس إدارة مستشفى ضهر الباشق روجيه حاموش، وهو بالمناسبة أحد القلّة الباقين من رجال المرّ الأوفياء. ويكاد يجزم العارفون بنوايا المرّ الأب استبعاده تماما التخلّي عن سلطة «الأنا» لصالح ابنه البارّ، وهو لا يترك مجلسا ضيقا ولا اجتماعا بلديا أو سياسيا من دون ذكر الآتي: «أورثت الياس المال والوزارة الا أني لا أستطيع توريثه النيابة التي تأتي بالجهد الشخصي فقط».. فضلا عن انتقاده العلني لسياسة نجله «غير الناضجة» و«غير الاستراتيجية» بعكس والده.
بقايا أبو الياس
يخوض أبو الياس الانتخابات المقبلة مجردّا للمرة الأولى، هو ونجله، من أي وزارة تساعده في إمساك الأرض المتنية بمن عليها، وتسخر جميع قدراتها لهذا الهدف. يتحدّث المترددون على بيت المرّ والعمارة عن «أسرار الدولة والتركيبات والتوجهات السياسية للمحطات المفصلية اللبنانية» التي كانوا يثقلون بها جيوبهم بعد لقائهم أحد المرّين. فضلا عن «ملاحم الياس العسكرية في التعاطي مع الأنصار وتهديدهم ووعيدهم بالحساب في اليوم التالي لنتائج الانتخابات النيابية». أما اليوم فيخرج الزائر بروايات مكررة عن بطولات «القبضاي الأرثوذكسي» و«شمعونياته» و«أيام عزّه» (الغابرة).
على صعيد البلديات والمخاتير وطالبي الخدمات، لم يعد المرّ المقصد الوحيد لهؤلاء بل باتت الأحزاب الأخرى تقاسمه «ودائعه» ولا يمرّ عشاء لهيئة التيار الوطني الحرّ في المتن أو اجتماع معرابي للمخاتير والبلديات أو لقاء سياسي كتائبي إلا وترى رجال المرّ أوّل الحاضرين. فقدت العمارة احتكارها للحركة السياسية والانمائية، وحادت شاحنات الزفت عن مسارها لتمرّ عبر نواب تكتل التغيير والاصلاح ووزاراتهم، فضلا عن سحب النائب ابراهيم كنعان بساط الخدمات من تحت أرجل أبو الياس. وحتى محاولات المر تدارك الأمر عبر «التشددّ في اتحاد بلديات المتن في ما خص منح الرخص وتلبية الخدمات من أجل دفع المعنيين الى طرق باب أبو الياس شخصيا لتسهيل أمورهم العالقة وزيادة أرصدته الانتخابية» لا تنفع كثيراً، يقول أحد رؤساء البلديات المتنية المحسوبين على المرّ. وخلافا للسياسيين، لا يستسيغ المرّ «التسوّل» على أبواب وزارة الأشغال بعد أن أقيل «منفّذ خدماته» المدير العام السابق فادي النمار من دون أن يتمكن هو أو الياس من حمايته. فيفضّل اللجوء الى مجلس الانماء والاعمار بشخص أمينه العام غازي حداد، الذي شاءت الصدف أن يكون هو الآخر من بسكنتا.
أما المقربّون من حاكم بتغرين، فيوحون بتراجع شعبية الأخير في عرينه فكيف في المتن الشمالي بكل مناطقه وأحزابه، ويعطون الانتخابات البلدية هناك أبرز مثال. ففي السنوات الثلاث التي خلت، يكاد يتعذّر على أي بتغريني المرور أمام منزل أبو الياس ورؤية أبوابه مشرّعة كما دائما أو طرق بابه من دون سماع العبارة نفسها: «دولته غير موجود حاليا يرجى المحاولة لاحقا وشكرا»... حتى جهازه المسؤول عن المراجعات غير موجود ايضاً. ويشير هؤلاء في معرض حديثهم عن تراجع المرّ وقدراته التجييرية، إلى عدم استحواذه على أي شعبية وسط جيل الشباب المسيحي الناشط جامعياً وتخلّي أغلبية «عواميده الانتخابية» عنه باستثناء مدير مكتبه نديم بو جودة ورئيس بلدية الزلقا عمارة شلهوب ميشال عساف المرّ (الشريف). فيما لم يبق من أتباعه المخلصين مؤسساتياً الا مدير عام مياه بيروت جوزيف نصير والمدير العام للانشاء والتجهيز في وزارة الاتصالات المهندس ناجي اندراوس وحاموش الذي سبق ذكره في قائمة المرشحين. وسعادته لا يدّعي أساساً محبة الناس له ولا يلهث لكسب مودتهم بل يكفيه شهوة كل حاكم بأمره: «مهابة الناس منه والاقتراع له خوفا لا اقتناعا» هكذا كان يقول. أمر ينفيه من هم على علاقة وطيدة بالمرّ من دون إنكار «أفول نجمه الساطع إبان الحكم السوري وإمساكه هو وابنه بوزارتي الداخلية والدفاع». ويؤكدون على المقلب الآخر «سيطرته التامة على الأرض المتنية من اتحاد بلديات الى بلديات ومخاتير ودوائر عقارية وقائمقاميات ودوائر المياه والكهرباء وصولا الى المخافر والقضاء، ما يجعله بغض النظر عن الحسابات الأخرى الرجل الخدماتي الأول في المتن من دون منازع. وعليه تبنى الرهانات والتحالفات في ترجيح كفة على أخرى».
Happy birthday أبو الياس
لم يجمع الأخوين ميشال وغبريال المر استحقاق الّا وكان الخلاف ثالثهما: من جيش المرّ الى المقاولات وزواريب السياسة المتنية الى العلاقات الشخصية والعائلية. وفي حين وضع أبو الياس قضية إسقاط شقيقه نصب أعينه ان انتخابيا أو من خلال محطة الـMTV، لم يشغل الشقيق الأصغر وقته في الاعداد للردّ على «حرتقات» أخيه، بل يبدي استعداده لدعم الأخير «اذا ما أثبت حقا وفاءه للخط الآذاري الداعم للحرية والاستقلال». ورغم تصالح الاثنين، ما يزال التواصل بينهما في حدوده الدنيا تتخلله لقاءات بالصدفة في حفلات زفاف العائلة أو اتصالات لدواعي العمل. يعود غبريال في ذكرياته الى ماضي الستينيات والخمسينيات وما قبلهما، يوم كانا شابين في مقتبل العمر تجمعهما المودة ورحلات السفر الممتعة والسهرات و«الشيطنات» المشتركة.. كقيامهما بتمزيق صور خصمهما السياسي آنذاك ألبير مخيبر عن الأعمدة لدى عودتهما في وقت متأخر من الليل الى بتغرين: «كانت حياة متضامنة وواحدة في السراء والضراء.. الى أن تطلّقنا». يقولها بحسرة: «كنت أتمنى أن نعود مجدّدا الى حياة 1960... وانشالله منرجعلا. Happy birthday أبو الياس».
تعليقات: