الإمام موسى الصدر
القصّة الكاملة للإمام موسى الصدر منذ لحظة إخفائه في ليبيا حتى الساعة: التصفية الفوريّة مُستبعدة وثمّة سجن يخضع للنظام السابق والإمام كان الهاجس الدائم للقذافي
بعد مقتل العقيد الليبي معمّر القّذافي، تضاعف الأمل بإيجاد الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عبّاس بدر الدين وتحريرهم من الأسر الذي استمر منذ 31 آب من العام 1978، فسارعت لجنة المتابعة اللبنانية التي شُكّلت برئاسة وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور وعضوية مدير عام الوزارة هيثم جمعة، القاضي حسن الشامي ممثلاً وزارة العدل، والعميد غسّان سالم ممثلاً لقيادة الجيش الى جانب طاقم ديبلوماسي وبعض المختصّين، الى ليبيا على أمل تحرير المخطوفين الثلاثة. وقامت بلقاءات عدة مع السلطات الليبية الجديدة التي أبدت كلّ تعاون للتوصّل الى حقيقة إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه.
} تعاطف الشعب الليبي مع القضيّة }
ويقول المصدر المطلع على هذه القضية لجريدة «الديار» إنّه أثناء زياراته اللاحقة الى ليبيا، لاحظ أموراً عدة:
1- إنّ الليبيين يحبّون بشغف محطة الـ «أن.بي.أن» اللبنانية التابعة لحركة «أمل».
2- هناك شخصية محبوبة جدّاً من قبلهم هو مندوب لبنان الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك السفير نوّاف سلام. والسبب يعود الى أنّه أثناء صدور القرار الدولي بالحظر الجوي على ليبيا، كانت قوّات القذّافي تدخل بنغازي وكادت تقضي على الثورة في مهدها، ساهم السفير سلام كعضو غير دائم في مجلس الأمن ومتحدّث باسم المجموعة العربية في تسريع صدور القرار بنحو ساعتين، ما أنقذ الثوّار من الوقوع بيد القذّافي. كما للرئيس برّي الذي كان يتابع الاوضاع دقيقة بدقيقة فضل في صدور هذا القرار لا سيما عبر وزير الخارجية والمغتربين آنذاك علي الشامي.
ويضيف أنّ الأمور استمرّت على هذا المنوال الى حين سقوط طرابلس الغرب في 23 آب 2011، وفرار القذّافي الى مسقط رأسه «سرت» التي حوّلها الى ما يُسمّى بـ «العاصمة الشعبية» ودُمّرت على رأسه لاحقاً. عندها أدركت السلطات اللبنانية أنّ القذّافي سيسقط بين يومٍ وآخر، فأقدمت فوراً في 27 آب وبناء على متابعة من عائلة الإمام الصدر والرئيس برّي، وعلى اهتمام شخصي من الرئيس نجيب ميقاتي، على إصدار قرار بتأليف لجنة متابعة رسمية دائمة لقضية الإمام الصدر ورفيقيه، برئاسة الوزير المختص، وهو وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، على أن تضمّ قاضياً كممثل لوزارة العدل هو القاضي حسن الشامي، وضابط كممثل لقيادة الجيش العميد غسّان سالم، بالإضافة لمدير عام المغتربين هيثم جمعة وطاقم ديبلوماسي وبعض المختصّين حسب الحاجة اليهم. وتُرِك الأمر للوزير منصور بإضافة وإجراء ما يراه مناسباً.
وبدأت اللجنة تحضّر لعملها وتكوّن ملفها، على ما أضاف، الى أن أُعلن فجأةً عن مقتل القذّافي في 20 تشرين الأول من العام الماضي. فعلى الفور، صدرت التعميمات من رئيس اللجنة الوزير منصور لوفد من اللجنة مؤلّف من جمعة، والقاضي الشامي، بالإنتقال فوراً الى ليبيا في 23 تشرين الأول أي بعد مصرع القذّافي بـ 3 أيام. انتقل الوفد الى تونس وحاول الدخول الى ليبيا واستطاع بعد جهدٍ جهيد ومضنٍ الدخول الى طرابلس في 25 تشرين الأول. وجال على بعض المسؤولين هناك، وبعض قادة الثوّار (لم تكن قد تشكّلت الحكومة بعد)، وحقّقت الزيارة نتائج مهمّة منها:
1- لمس الوفد اللبناني تضامن وتعاطف الشعب الليبي مع هذه القضية.
2- أنّهم يشعرون بالعار لما أقدم عليه القذّافي لأنّه خالف أصول الضيافة والأخلاق والشرف.
3- يكنّون للإمام الصدر محبّة خاصة ويعرفون الهموم التي كان يحملها من فلسطين الى وقف الحرب الأهلية.
4- يحبّون الشعب االلبناني الطيّب، الرفيع الذوق والمقاوِم.
5- مستعدّون للتعاون في هذه القضية التي يعتبرونها أولوية وطنية ليبية.
6- يؤكّدون عدم صحّة رواية النظام بمغادرة الإمام الصدر ورفيقيه الى إيطاليا.
وفي ختام الزيارة تمّت تسمية القاضي الشامي كمنسّق قضائي عن الجانب اللبناني، وعن الجانب الليبي قاضيين للتحقيق في هذه القضية، وبقي التواصل مستمراً بين الجانبين عن طريق الاتصالات الدائمة بعد عودة الوفد الى لبنان.
وفي منتصف كانون الثاني من العام الحالي حصلت زيارة ثانية الى ليبيا ترأسها الوزير منصور، وضمّت بعض أعضاء لجنة المتابعة بالإضافة الى نجل الإمام السيد صدر الدين الصدر للمرة الأولى. وتمّت خلالها مقابلة رئيس المجلس الوطني الإنتقالي مصطفى عبد الجليل الذي أبدى كلّ إهتمام وتعاون، ورئيس الحكومة الانتقالية عبد الرحيم الكيب الذي كان في منتهى اللطافة والتعاطف، والذي قال للوفد اللبناني، على ما أشار المصدر الى أنّه كان يُتابع أفكار الإمام، وأنّ أكثر ما كان يعجبه به هو حبّه الحقيقي واحتضانه الفعلي لقضية فلسطين. كما قابل الوفد أيضاً وزير الخارجية الليبي الدكتور عاشور بن خيال، وزير الدفاع العميد أسامة الجويلي، وزير الداخلية القاضي فوزي عبد العال، ووزير العدل القاضي علي أحميد عاشور، بالإضافة الى المسؤولين المختصّين. كذلك عقدت إجتماعات عمل بين القاضي الشامي والقاضيين الليبيين المكلّفين التحقيق. وتمّ إرساء أسس تعاون تفصيلية، وبدأ العمل على خيوط عدّة في التحقيق.
بعد هذه الزيارة حصل تطوّر جديد في نيسان من العام نفسه، إذ اشتبه المحقّقون الليبيون بجثّة وثياب قد تعود للإمام المغيّب، فتمّ استدعاء الجانب اللبناني الذي ذهب الى ليبيا للتحقّق من الأمر، وقد بيّنت الفحوصات الأولية أنّها لا تعود للإمام لا سيما أنّ ثمّة فارقاً كبيراً في الطول والسنّ.
أمّا الفحوصات الأكيدة فحصلت، على ما تابع المصدر المطلع، بعد ثلاثة أشهر نتيجة ظروف معيّنة لا علاقة للجانب اللبناني بها، ثمّ بعد تدخّل مراجع لبنانية عليا وجهود جبّارة تمّ إرسال وفد لبناني الى دولة البوسنة والهرسك يضمّ القاضي الشامي وأحد الأطباء الإختصاصيين من اللجنة لإجراء مطابقات الحمض النووي على العينّة التي أرسلت من الجثة المشكوك بأمرها. وأجريت الفحوصات في مختبر عالمي في سراييفو اختاره الجانب الليبي وأتت النتيجة سلبية بمعنى أنّ الجثة لا تعود للإمام الصدر.
بعد ذلك، تمّ التوافق على تفعيل التعاون أكثر بين الجانبين اللبناني والليبي ووضع أسس أعمق للتحقيقات وبلورة خريطة طريق تتضمّن وضع خطة تفتيش في أماكن نائية قد يوجد فيها الإمام، والبحث في كلّ الاحتمالات والاستماع الى كلّ الشهود والمشتبه بهم.
ثمّ حصلت زيارة أخرى من قبل الوفد اللبناني الى موريتانيا في أوائل أيلول الجاري برئاسة الوزير منصور وعضوية جمعة والشامي، بهدف مقابلة رئيس الاستخبارات السابق في عهد القذّافي عبد الله السنوسي قبل أن يتمّ تسليمه الى السلطات الليبية. وقد قابل الوفد السنوسي لمدّة خمس ساعات، وتمّت الاستفادة من تقاطع معلومات مهمة وإن لم تكن حاسمة. ونوّه المصدر بأنّ أهمية هذا الرجل تكمن في ثلاث صفات: أولاً، هو عديل معمر القذّافي، وثانياً رئيس الاستخبارات العسكرية منذ زمنٍ بعيد، وثالثاً كونه في الحلقة المقرّبة من القذّافي التي تعرف كلّ شيء بالفعل، ولم يكن صيته يأتي من الفراغ، بل كان صاحب اليد الطولى في فعل كلّ ما كان يقوم به القذّافي.
وبالعودة الى مسار المجلس العدلي، يقول المصدر نفسه إنّه كان قد حدّد موعداً لإصدار حكم غيابي بحقّ القذافي وأعوانه في 18 تشرين الثاني، ولكن هذا الأخير قُتل في 20 تشرين الأول، ولأنّه لا يمكن الحكم بإعدام ميّت صدر قرار بفتح المحاكمة لاتخاذ الاجراءات بهذا الخصوص، علماً أنّ عائلة الإمام الصدر تطالب بتعويض رمزي قدره ليرة لبنانية واحدة. والمطلوب كان إثبات وفاة القذّافي رسمياً، ومن ثمّ ما يُسمّى بـ «تصحيح الخصومة». كما أنّ السبب الرئيسي أيضاً هو أنّه ما دامت فُتحت أبواب التحقيق والسجون في ليبيا التي ضمّت بعض كبار أعوان النظام السابق، كان لا بدّ من الادّعاء على كلّ من يثبت تورّطه منهم، وهذا ما سيحصل في القريب العاجل، على ما أكّد، بناء على التعاون مع السلطات الليبية الجديدة.
وعمّا أشيع في وسائل الإعلام من روايات القتل والاغتيال والتصفية، وخصوصاً ما قاله نجل القذّافي سيف الإسلام، أكّد المصدر عدم صحتها لأنّ أياً منها لا يستقيم مع أي تحليل منطقي بسيط. وأكّد أنّه لا يمكن «افتراض» وفاة الإمام الصدر بطريقة إعتباطية لا سيما مع وجود احتمال بقائه حيّاً في «مكان احتجاز مجهول».
} وفد قضائي الى ليبيا خلال أيام }
ويكشف المصدر أنّ هناك سجناً بمعنى «مكان احتجاز» في ليبيا لا يزال حرّاسه تابعين للقذّافي، ونظراً لكبر مساحة البلاد التي تصل الى مليون و800 ألف كلم 2 والتعدّد السكاني، ووجود مجموعات عدّة تقطن هذه الجهات الجغرافية، ونظراً لجنون وغرابة أطوار القذّافي، فإنّ كلّ الاحتمالات واردة.
وعمّا لمسه من خلال اللقاءات مع العارفين بحقيقة ما قام به القذّافي منذ 34 عاماً، أكّد أنّ «خيار التصفية الفورية أصبح احتمالاً مستبعداً، وعلى الأرجح أنّ الإمام تنقّل في سجون عدّة.. ولكن المعلومات تتركّز على الإمام فقط، وليس على رفيقيه مع الأسف، مع أنّ اللجنة تولي بالطبع الإهتمام بكلّ المسارات ومع العائلات الثلاث، إذ من الممكن أن يكون مصير الإمام مختلفاً عن مصير رفيقيه. وخلافاً لما يُثار من قبل البعض فإنّ اللجنة لم تدّخر جهداً، ولكن إذا لم يكن هناك من تجاوب مع كلّ مطالبها فهذا الأمر لا تُلام عليه مع أنّه يُشكّل حافزاً للمزيد من العمل، علماً أنّها تعمل على مدار الساعة لا سيما خلال سفراتها المضنية وفي التعامل مع المطالب والتمسّك بالثوابت.
كما شدّد المصدر على أنّ اللجنة على تنسيق دائم مع العوائل الثلاث وقد تُرجم ذلك بخطوات عدّة لا سيما مشاركة نجل الشيخ يعقوب الدكتور علي في زيارة كانون الثاني الشهيرة الى ليبيا. ومهما قيل فإنّها لن تحيد عن الثوابت والهدف وهو «العمل على تحرير من تسمّيهم «الأحبّاء الثلاثة» بأسرع وقت، لا سيما أنّ عامل الوقت ثمين في جرائم الخطف والإخفاء القسري خصوصاً أنّه لم تكن هناك مراعاة لأي أحد أو لأي أمر، بل المهم تحقيق هذه الغاية التي من المفترض أن تلقى الدعم المعنوي وغيره، وهذا ما يحصل الى حدّ كبير من قبل المراجع المختصّة.
وينفي المصدر بشدّة واستغراب أي أساس لموضوع التسويات المالية ويعتبره مسيئاً للقضية وللإمام الصدر ورفيقيه، مشيراً الى أنّه «أمر غير جائز بحقّ الجانبين اللبناني والليبي حالياً لا سيما أنّ السلطات الليبية تبدي كلّ حسن نيّة وتعاون على لسان أكبر قياداتها الحاليين. أمّا في السابق (أي في حقبة القذّافي) فقد تكرّرت هذه الأمور مرات عدّة إذ حاول هذا الأخير ونجله سيف الإسلام لاحقاً عبر وسطاء عدّة، وبعضهم لبنانيون، أن يدفعا مبالغ طائلة جدّاً وصلت الى أرقام لا حدود لها، من أجل إقفال هذا الملف فقط». ويؤكّد الرفض المطلق والنهائي لأي بحث في هذا الموضوع من قبل الرئيس نبيه برّي وعائلة الإمام، وكان الجواب واحداً لم ولن يتغيّر: «أعِد لنا الإمام والشيخ والسيد يا معمّر ولا نريد منك شيئاً آخر».
أمّا السبب لعرض دفع هذه الأموال فيعود الى أنّ موضوع الإمام الصدر، على ما شدّد، كان يُقلق ويُؤرق القذّافي، ويشكّل هاجسه الدائم. كما كان يغضب من كلّ من يتكلّم بهذا الموضوع و«غضب القذّافي معروف كيف يُترجم».
وكشف المصدر أنّ وفداً قضائياً سينتقل خلال أيام الى طرابلس الغرب بناء على تكليف من الوزير منصور، بهدف إجراء لقاءات عمل هناك، «على أمل أن تكون هذه الزيارة ناجحة ومثمرة وأن يحصل تقدّم كبير في التحقيقات وتسريع ودفع الأمور قُدماً لأنّ القضية لم تعد تحتمل أي تأجيل»، على ما قال، «كفاها 34 سنة، ولن ننتظر فترة مماثلة»، على ما قال وزير لبناني مختصّ لوفد ليبي زاره أخيراً».
تعليقات: