أمام إحدى المنحوتات
النحات الجنوبي ابن الستين يحوّل الحجر إلى لغة ناطقة
سعيد بحمد: النحت يُعلمك معنى الصبر والإبداع
الحلم الأكبر لوحة فسيفسائية عنوانها وألوانها من حبوب الأرض
الإبداع والتفرّد.. الصلابة والعناد هي صفة من صفات ابن الجنوب ولغة ناطقة للنحات يترجمها في صخرته الصمَاء، يُحاكيها، يُقلبها، رغم قساوة الحجر فتجدها منحوتة رائعة وناطقة، ومع ذلك أن تجد نحتاً في اللون والخشب والصخر، فهذا يعني أنك أمام فن عاشق للنحت من نوع آخر، وهذا ما نراه عند النحات سعيد قاسم بحمد، الذي كان للقضاء والقدر دوراً في دخوله عالم النحت..
في بلدة أنصار - جنوبي لبنان، وما إن تطأ قدميك في منزل إبنها سعيد بحمد، حتى تنبهر بما تراه عينيك من المنحوتات الحجرية "المزهريات، الفخاريات، النرجيلة، المدفع الأثري والشمعدان"، بأحجام كبيرة تُشكّل كل منها وحدة متناسقة بالشكل واللون والدلالة..
تتوزع منحوتات داخل أرجاء المنزل وخارجه.. هنا نافورة مياه منحوتة بإزميله الفني بدقة، وأشكال متعددة، توحي للزائر بأنها فعلاً وجهاً من وجوه الحياة القروية التي بتنا نفتقدها..
سعيد، الذي شارك في معارض متعددة بالنحت والرسم، في صور وصيدا وبيروت، شارك في مسابقة أقامتها السفارة الإيرانية، حصل على الجائزة الثالثة عن فئة النحت من بين 24 دولة..
"لواء صيدا والجنوب" حط رحاله في بلدة انصار والتقى النحات سعيد بحمد الذي دخل عالم النحت صدفة..
عالم النحت
برغبة العاشق لحبيبته يُمسك النحات سعيد بحمد، ابن الستين، الإزميل وينحت على الخشب ويقول: "لقد دخلت عالم النحت على الخشب صدفة، أنا لم أتعلمها، ولم أدرس أصول النحت، لكن ذات يوم قررت تقديم هدية مميّزة لأحد أصدقائي، فوجدت نفسي أحفر إسمه على الخشب بشكل عفوي، كان ذلك قبل أربعين عاماً، وأيضاً عن طريق الصدفة، كنت في إحدى المكتبات، وإذ بأحد الرسامين يشتري ألواناً وريشة، فكان تطفلي سيد الموقف: "سألته كيف لي أن أرسم لوحة؟ فكان جوابه طريقاً لرسم عدد من اللوحات التي تُحاكي القرية، والأرض، والحصان، الذي يعني لي الإصرار والإندفاع".
الإبداع والتفرّد
ويتابع بحمد: "إن النحت باباً للهروب إلى الإبداع والتفرّد، ويكون شكل الحجر لغة ناطقة، فرغم قساوة الحجر على يدي، لكن لن أدعها تغلبني، والمنحوتة هي لغة "العناد"، وهي خير شاهد على صلابة نحتي، إذ يعكس إزميلي للنحت رؤية فنية مختلفة مكنتني من إنجاز أكثر من مئة منحوتة من الصخر، بأشكال وأحجام متعددة، بصلابة الصخر، وقد أنجزت الشمعدان خلال أسبوعين وكذلك النرجيلة، وجرن الكبة، الأزهار، الآيات القرآنية، تمثال الحرية، العبودية، الأسر، التي أضفت لوناً آخر على فني، وغالباً ما تحمل منحوتاتي هدفاً، لأن النحت رسالة ويجب أن يُوظف في خدمة قضية، لذا نحتّ الأسر والحرية لأبناء فلسطين".
ويضيف: "عندي منقوشات خشبية تقارب الـ 20 مجسّما، من لوحة عملاقة من الحروف النافرة الصغيرة لآيات قرآنية الى أصغرها حجماً، وعلاَقات مفاتيح، وفي جعبتي أيضاً حوالى 10 لوحات تُحاكي الطبيعة.
الخشب والصخر
وبفرحة يقول: "أنا أنحت الخشب بالدقة وألوّن بالريشة، حتى ينطق الصخر، وأرى أنه إبداع ناطق جسّدته طريقة نحتي التي إبتعد عبرها عن التقليد، وأنحت ما لا يُفكر به أحد غيري، حين نحتّ النرجيلة والفانوس وحتى المدفع، شعرت أنني قمت بإنجاز عبقري، فالمرة الأولى تحفر النرجيلة في الصخر، كان ذلك في أيام الشتوية وسهرياتها، فبينما ينهمك الآخرون بأحاديثهم، وأنا أسهر على فني، قررت أن أنحتها، وإستغرق الأمر أسبوعين، وقد تعددت الوسائل والأساليب التي اعتمدها في فنى، وتنوّعت الأفكار التي أطرحها، وإن بقيت مقتضبة، ولكنها تنم عن إبداع "فالنحت يُعلمك معنى الصبر، وبُعد الخيال، أنا أنحت مجسّمي في مخيلتي بداية، وحين أحمل أزميلي أشعر أن ما أريد نحته مكتملاً".
لوحة فسيفسائية
يضيف: "ندرة الأموال تعيق عليّ تحقيق حلمي، وهو أكبر لوحة فسيفسائية، عنوانها وألوانها من حبوب الأرض، وحلمي منذ عشر سنوات أن أرسم الفلاح في أرضه، يحرثها عبر ثورين، وبقربه نسوة تزرع وتنقب الزرع، ولكي تكون إبداعية متميزة، أريد أن استعمل كل أنواع الحبوب: القمح، العدس، الرز والشعير، وكل ألوان الحبوب، وهذا لم يسبق لأحد أن نفذه، لا أحد فكر بلوحة من بذورات الأرض، وهذا هو الإبداع بحد ذاته، وطموحي لا حدود له، لقد اخترقت عالم النحت الحجري، مؤلفاً منظومة فنية خاصة، اكتملت دائرتها قبل عشر سنوات مع الشمعدان الحجري، الذي شكّل جواز عبور إلى عالم آخر مختلف عن غيره".
ويختم بحمد: "في كل مرة أقف أمام سؤال واحد يعترضني، من يتبنى تلك المواهب؟ وكيف يُمكن المحافظة على البقاء في ظل غياب التقدير؟ فيما جواب واحد يطرق الباب، هو المثابرة وحب التفرد، وغياب التمويل.. وما بين الإثنين يقف حلمي الذي ينتظر التمويل كي يُبصر النور، فهل سيأتي هذا اليوم الذي يتحقق به حلمي؟".
نافورته النحتية
النرجيلة
لوحة الضيعة
لوحة لونية تجسد الحصان
نقش خشبي متفان
إحدى المنحوتات
الدقة في العمل
الفانوس
المدفع الأثري الحجري
تعليقات: