دعوة وزراء الخارجية العرب مجلس الأمن الى ارسال قوات دولية لحفظ السلام في سوريا تعني بشكل اساسي تنحي العرب عن دورهم في ايجاد حل عربي للأزمة السورية، والقول ان جامعة الدول العربية ليست لديها القدرة على التأثير على النظام السوري.
والمسألة الأخطر في الدعوة العربية هي تصنيف النظام في سوريا على انه نظام مارق يدير ظهره لجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي. فالجامعة نفضت يدها من المعالجة للأزمة السورية فأنهت مهمة بعثة المراقبين العرب في سوريا وأوقفت كل أشكال التعاون الدبلوماسي مع الحكومة في دمشق وشددت العقوبات الاقتصادية المطبقة عليها. أي فرضت حصارا بكل معنى الكلمة على هذه الدولة التي كانت دائما تتطلع الى فتح ابوابها أمام كل العرب نعم لكل العرب.
وجاء اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة بعد أن استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإيقاف مشروع قرار يتبنى مبادرة عربية مدعومة من الغرب لوقف العنف. وأهمية الموقف الروسي الصيني أنه يفتح الطريق للحل الداخلي والذي يتجسد في حكومة الوحدة الوطنية ذات الصلاحيات الواسعة، بمشاركة - القوى الوطنية في النظام والمعارضة والقادرة على إيجاد مخرج آمن من الأزمة عبر وقف العنف والعنف المضاد».
والموقف الروسي من سوريا موقف استراتيجي لأن الروس يدركون ان سقوط النظام السوري يعني اخراجهم من الشرق الأوسط وسوريا القلعة الوحيدة لهم في المنطقة.
والحصار العربي المفروض على سوريا سيتبعه الاتجاه للاعتراف بالمجلس الوطني السوري المعارض على الأرجح، وهي خطوة ستزيد من تفاقم الأزمة السورية وليس المساهمة بحلها خصوصا وأن النظام السوري اثبت قدرته على مجابهة هذه العاصفة الهوجاء التي تضرب سوريا. كما أثبت ان جمهوره أوسع مئات المرات من جمهور المعارضة وأنه جمهور وطني بامتياز فهو يتمسك بالدولة السورية الواحدة الحاضنة للجميع مع اصراره على الإصلاح.وهناك الكثير الكثير من المؤيدين للنظام ومن المعارضة في الداخل ينشدون الديمقراطية والعدالة لكن ليس على جثة الوطن المترنح الآن تحت ضغط العنف والمهدد بتدخل اجنبي.
حرام وألف حرام ان تصل سوريا إلى هذا الوضع المأساوي وقد عهدناها حامية للعروبة نصيرة للأشقاء. فلم يخطر ببال احد ان تصبح مدار نقاشات في جامعة الدول العربية أو مجلس الأمن وأن يكون التدخل الأجنبي خيارا يتداول به.
وإذا صدقت بعض المعلومات فإن تركيا بدأت استعداداتها للتدخل في سوريا وأنها أنشأت خلية متابعة الاضطرابات في سوريا، وأن الخطة التركية للتدخل العسكري في سوريا كانت موجودة منذ سنوات أي قبل اندلاع الاضطرابات وتتركز في أساسها على محاصرة مدينة حلب وإسقاطها وهو ما قد يؤدي إلى سقوط دمشق تلقائيا. لكن اتفاقا غير معلن بين الدولة السورية والأكراد ساهم في إفشال الخطط التركية هذه، وذلك بعد أن قام حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري بسحب أربعة آلاف من مقاتليه من جبال قنديل إلى كردستان سوريا، وخصوصا إلى منطقة عفرين الجبلية الوعرة حيث يتمركز غالبية هؤلاء المقاتلين وهذه المنطقة الاستراتيجية تقع إلى الشمال من مدينة حلب وهذا ما جعل تركيا تعيد النظر في الخطط الموضوعة لمحاصرة مدينة حلب. وإجهاض خطة التدخل العسكري المباشر دفع مجلس الأمن القومي التركي الى الاستعاضة عن ذلك بدعم المنشقين عن الجيش السوري والمسلحين الآخرين ماديا ومعنويا والتشجيع على الاضطرابات.
من جهته قام النظام السوري بنشر بطاريات صواريخ في منطقة عين ديوار في أقصى الشمال الشرقي في مواجهة رادارات الدرع الصاروخي في تركيا وبزيادة الاهتمام بمنطقة انطاكية حيث رادارات الدرع الصاروخي وتجهيزاته».
ويدرك النظام السوري ان تخلي تركيا عن خيار التدخل العسكري لا يعني اسقاطه نهائيا بل انه يقترب كلما ابتعد الحل السياسي وهو على كل حال يبتعد بشكل قوي وتعلو مكانه دعوات التدخل على انواعه وأخطره طبعا التدخل العسكري أي بصريح العبارة اعتماد الحل الليبي الذي اطاح بالدولة وفتح ليبيا على المجهول وتطبيقه في سوريا. وإذا كان الآخرون لا تهمهم وحدة سوريا كثيرا ولا الوحدة الوطنية فإن المعارضة السورية ولا سيما تلك التي في الخارج عليها تحمل المسؤولية الوطنية التاريخية برفض أي تدخل اجنبي لأن الوطن اهم من الأنظمة.
الا أنه من المؤسف ان يصل البعض الى درجة طلب التدخل الإسرائيلي لإسقاط النظام، وكأن سقوط النظام نتيجة تدخل اجنبي يمكّن هؤلاء من الإمساك بالسلطة بحرية وهناك عشرات الأمثلة في التاريخ تدل على ان المتعاملين مع الأجنبي على بلدانهم باعهم الأجنبي في اقرب (سوق) أو تحكم بقرارهم.
وتثبت بعض فصائل المعارضة السورية يوما بعد يوم انها طالبة سلطة اكثر من طالبة اصلاح الحال أو تغييره باتجاه الأفضل. لأن الإصلاح قرار وطني يتخذ في ظل الحفاظ على السيادة الوطنية وعلى القرار المستقل وليس بمساعدة وبإشارات خارجية لأن الخارج دائما ومهما يكن قريبا أو بعيدا تختلف نظرته عن نظرة ابناء البلد الذين بعرفون همومهم و هموم وطنهم حق المعرفة, كما أن الخارج لديه دائما حساباته الخاصة التي لا تلتفت الى قضايا المواطنين. فبأي منطق وطني تطلب المعارضة التدخل الخارجي بما يعنيه ذلك من خرق للسيادة ولوحدة الأراضي السورية ومما لا شك فيه ان طلب المعارضة التدخل الخارجي يعني ادراكها عدم مقدرتها على اسقاط النظام وأنها تتخبط في ازمة عميقة.
* حسين عبدالله - كاتب لبناني
(عن جريدة عمان العمانية)
تعليقات: