زغرتا: عودوا لزيارتنا للاحتفال بالمزيد من الانتصارات

نازحه وعلم
نازحه وعلم


لم تكن فيرا اسحق تعرف الكثير عن الجنوب اللبناني، فمعلوماتها لا تتعدى ما تسمعه في نشرات الأخبار. هي تعلم أن في الجنوب مقاومة، وشعبا صامدا. لكنها، وبحكم الجغرافيا وبعد المسافة، لم تزر أياً من قراه سابقاً، ولم تتعرف على أحد من أهله، إلى أن وقع العدوان الإسرائيلي في 12 تموز الماضي، فنزح من نزح من أهل الجنوب باتجاه زغرتا.

تقول: «يومها جاء من يطلب استئجار منزلنا لصالح عائلة نازحة، وافق زوجي على الفور، شرط أن تكون العائلة ضيفة بلا مقابل، لأن من يدافع عن الأرض والوطن نفتح له المنازل والقلوب».

بدأت مذاك المشاركة بالخبز والملح ورحلة التعارف على «إخوة لنا في الوطن، كنا نجهل الكثير عنهم وعن عاداتهم وتقاليدهم، وكنا نجهل أن لديهم هذه الطيبة وهذا الوفاء، بعدها أصبحنا كعائلة واحدة، وعندما غادرت العائلات الثلاث التي كانت في منزلنا، بكينا نحن والأولاد، كأن فرداً من العائلة سيهاجر. إنهم أناس مخلصون لقضية وطنية، وتجمعنا بهم ثقافة الكرامة ومحبة لبنان».

ما زالت فيرا على اتصال مستمر بضيوفها، الذين عادوا وزاروها قبل أسابيع قليلة لتقديم واجب تعزية. تقول إنها تشعر أن أميمة الجنوبية هي أختها، وأنها فرحت كثيراً عندما علمت أن أحداً من ضيوفها لم يصب بأذى، وأن الأضرار بعد العدوان اقتصرت على هدم منزل شقيق أميمة فقط، هي تتمنى أن يعود «الضيوف»، لكن بظروف سعيدة دوما.

بدورها، شاركت ليندا فرنجية العام الماضي في الاهتمام بالنازحين، والعمل على تأمين مستلزماتهم، لا سيما الطبية منها.

تقول إن النازحين كانوا في غاية الوفاء، أعجبتها طريقتهم في تنظيم أمورهم: «كانوا يعيشون أكثر من عائلة في غرفة واحدة، وكل عائلة من قرية، لكن من يراهم كان يعتقد أنهم عائلة واحدة. لديهم تنظيم دقيق، ولديهم طيبة اللبناني الأصيل. كانوا يقدرون ما نفعله لهم مع أننا قمنا بواجبنا، فقد كانوا هم المقاومة، وهم من ضحى بأرواح عزيزة وبأملاك في سبيل الوطن».

تعترف ليندا بأنها كانت تجهل الكثير عن الجنوبيين، وعاداتهم. لكنها اليوم تعتبر نفسها «ضليعة» في كل الأمور التي تتعلق بالجنوب.

تقول إنها أحبتهم من كل قلبها لأنهم يستحقون كل الحب: «لديهم صبر على الصعاب، ولديهم احترام للآخر. فهم بعدما عادوا إلى قراهم، ورفعوا الأضرار، قصدوا زغرتا لتقديم الشكر، ورفعت لافتة شكر من أم الشهيد ربيع حكيم عند مدخل زغرتا، في حين أنه يجب علينا نحن أن نشكرها لأنها قدمت ابنها شهيداً على مذبح الوطن».

تعتبر ليندا أن فترة العدوان كانت قاسية، لكنها جعلت الشمال يقترب أكثر من الجنوب، لا بالكلام، بل بالفعل، وبتقاسم الفرح والحزن. تأثرت كثيراً عندما أقيم مجلس العزاء للشهيد ربيع، وبكته وأفراد أسرته، ومعها بقية الصبايا والشباب الذين كانوا يعملون على خدمة النازحين: «شعرنا أننا أهل وأكثر، لا سيما أننا نعرف قيمة الشهادة، فنحن أيضاَ قدمنا الشهداء من أجل بقاء الوطن».

من جهتها، تقول لاميتا عريجي، التي شاركت أيضاً في الاهتمام بالنازحين منذ اليوم الأول، وحتى اليوم الثالث والثلاثين: «كانت فترة خوف وفزع، لكنها طبعت حياتنا وحياتهم وأعطتها منحى جديدا. تشاركنا التقاليد والعادات، تشاركنا الطعام كما تشاركنا الأعياد وفرحة العودة بعد الانتصار، وزغاريد الاستشهاد. لقد تركوا أثراً كبيراً، وما زلنا نذكرهم في جلساتنا، ونحرص، منذ ودعناهم، على الاتصال بهم للاطمئنان وللإبقاء على أواصر الصداقة التي تمت في ظروف صعبة، وإن شاء الله ستستمر لأن أموراً كثيرة تجمعنا». تضيف: «هم يحبون لبنان ولديهم ثبات في قناعاتهم، لديهم طيبة وعرفان بالجميل، حتى أنهم زارونا في عيد رأس السنة وقدموا لزغرتا مجسماً من مخلفات القنابل العنقودية في قرية جنوبية هدمها العدوان، بالإضافة إلى شجرة زيتون تم زرعها بحضور عقيلة رئيس تيار المردة، ريما فرنجية، أمام كنيسة مار يوسف في زغرتا، بالقرب من المدرسة حيث كانوا ضيوفاً...».

إلى زغرتا، أحضروا ترابا ومياها من الجنوب كي تختلط بتراب زغرتا، وحملوا الكشك من مروحين، «القرية الأبية الصامدة التي كنا نجهل وجودها» تقول لاميتا وتضيف «نتمنى أن يعودوا لزيارتنا، لا كنازحين، بل للاحتفال بانتصارات جديدة للبنان».

تعليقات: