اغتيال الرجل القوي.. 14 آذار إلى الشارع لإسقاط ميقاتي

وسام الحسن: شهيد تليـق به الحياة
وسام الحسن: شهيد تليـق به الحياة


وسام الحسن شهيداً. ليس هيناً على عارفي الرجل المثير للجدل أن يقولوا هذه العبارة، رغم أن من بنى جهازاً أمنياً استثنائياً خلال السنوات الماضية، كان يتوقع القتل كخاتمة لحياته. جريمة أمس فتحت على لبنان باباً لا يُعرَف أوان إقفاله

حسن عليق

يوم أمس، رُقي وسام الحسن إلى رتبة لواء. ربما يكون أصغر ضابط برتبة لواء في الجمهورية، لكنه حمل رتبتين: لواء وشهيد. كان منتظَراً أن يحمل الرتبة الأولى وحدها في العام المقبل، ويصبح مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. وعندما كان يسمع مزاحاً من يستخدم تلك الرتبة في مخاطبته، كان يرد مبتسماً: لا تضعني في صراع مع القدر. ما أقوم به مصيره واحد من ثلاثة. إذا كان حظّي جيداً، فالمنفى أو السجن، وإلا فالقبر.

لم يختر وسام الخيار الثالث بإرادته. فاجأه الموت وهو قاصد مكتبه. غادر ذلك المنزل المشؤوم في الأشرفية. وهذا المنزل لم يحمل لوسام سوى سوء الطالع. قبل أشهر، عرف الحسن أن منزله السري في الأشرفية قد انكشف. صار البيت «ساقطاً أمنياً»، لكنه لم يغيّره. ولم يبدل عاداته اليومية. قال له كُثر: المنزل مكشوف. اتركه، لكنه لم يكن يعير هذه النصائح أي اهتمام. ويوم أمس، وبعد عودته (في اليوم السابق) من زيارة عمل إلى العاصمة الألمانية، خرج من منزله وحيداً. لم يسر قبله موكب وهمي. ولا استقل سيارته المصفحة. اكتفى بسيارة وحيدة، فيها مرافقه الشهيد أحمد صهيوني. وفي نقطة موت محتوم، خطفه قاتل لئيم. لم يُجد وسام الحسن، الصياد الماهر، التعامل مع كونه في الجانب الآخر من منظار القناص. بدا أمس في موقع الغزال الذي حنّطه ووضعه إلى جانب أسد وفهد في مكتبه. هناك، حيث يظهر جزء من دور الرجل. الضابط الشاب حمل بين يديه ملفات لم يحملها أحد أبناء سلكه في لبنان. من مقر الاستخبارات الأميركية في لانغلي، وصولاً إلى قصر المهاجرين في دمشق. وبينهما، صلات لا تنقطع مع البريطانيين والفرنسيين والروس والأتراك، وبالتأكيد، مع الدول الخليجية والعربية كلها. كان وسام الحسن الابن الشرعي لنظام ما بعد الانسحاب السوري من لبنان. لم يُخفِ يوماً موقفه السياسي وموقعه. هو في صلب الفريق الاستشاري المحيط برئيس الحكومة السابق سعد الحريري، لكنه ليس من أولئك الذين يطأطئون الرأس قائلين «أمرك شيخ». ربما كان أكثرهم عقلانية. في حرب تموز 2006، رفع الصوت مطالباً بعودة الحريري إلى لبنان. وقبل السابع من أيار، عارض «مسخرة» الشركات الأمنية وتسليح بعض تيار المستقبل، ثم نصح بألا تأخذ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى قراريها الشهيرين (تفكيك سلاح الإشارة التابع للمقاومة، وإقالة العميد وفيق شقير من رئاسة جهاز أمن المطار). وعندما اندلعت المواجهات العسكرية في ذلك اليوم المشؤوم، سعى قدر الإمكان إلى تحييد مناطق عن الصراع، بعدما تحول مع اللواء أشرف ريفي وصديقه العقيد حسام التنوخي إلى قناة التواصل الوحيدة بين الحريري وحزب الله. ورغم الثقة المفقودة بين الحسن والحزب، لم يتوقف التنسيق الأمني بينهما، في مكافحة التجسس الإسرائيلي، وفي غيره. وكما التنسيق، كذلك تضاعف الإعجاب المتبادل بالأداء الأمني للطرفين. في إحدى خزائن مكتبه، يعرض وسام بندقية كلاشنيكوف ذهبية اللون. سئل عنها بقصد المماحكة يوماً: هل هي من صدام حسين؟ أجاب بابتسامة طفل بعد فترة صمت: هي هدية من سماحة السيد. لا يتحدّث عن الأمين العام لحزب الله إلا ويستخدم هذه الصفة.

فكما الرئيس رفيق الحريري، لم يكن وسام الحسن يقطع صلته بأحد. يحفظ جيداً عن الأخير ما قاله له عن «لبنان الذي يطحن التاريخ وصانعيه». الرجل مطبوع بالحريري الأب. أدار مكتبه منذ عام 1995. وعندما خرج الحريري من الحكم عام 1998، نفي الحسن إلى معهد قوى الأمن الداخلي، قبل أن يعيده غازي كنعان إلى إدارة مكتب الحريري، بناءً على طلب الأخير. وعندما خرج الأخير من الحكم في المرة الثانية (عام 2004)، استقال الحسن، قبل أن يعود عن استقالته ليتعامل مع التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري كما لو أنها قضية شخصية إلى أبعد الحدود. وانطلاقاً من هذه القضية، بنى الحسن الجهاز الأمني الأقوى في دولة ما بعد الطائف. كان يمكن زوار الحسن الدائمين أن يصادفوه أحياناً قليلة في اجتماعات مع مجموعة من الشبان الذين لا يربطهم أي شبه بالصورة النمطية لرجال الاستخبارات. يبدون من أولئك الذين يقضون وقتاً طويلاً خلف كيبورد الكومبيوتر. علاقتهم به تلقائية. هم في ذلك كضباط رفيعي المستوى، لكنهم في الحقيقة مجندون. منح الحسن أعضاء فريق عمله ثقة وحماية كبيرتين، وخلق لهم «عصبية» جعلتهم فخورين بأنفسهم وبما يُنجزون. كان يعرف مكامن الخلل في جهازه، وخاصة خارج دائرة القرار الضيقة. سعى إلى إصلاحها، «لكن الجود من الموجود».

في علاقاته الأمنية الخارجية، لا يخفى موقعه على أحد، لكنه لم يعتد أيضاً الانحناء امام استخبارات الرجل الأبيض، كعادة معظم رجال الاستخبارات العرب. وأحياناً، لم يكن يفكّر مرتين قبل أن يرفض ما كان يريد بعض «أصدقائه» أن يفرضوه عليه.

لوسام الحسن أعداء كثر. ليس هذا القول ذريعة لإضاعة دمه بين القبائل، لكنه كان يعرف أن رأسه مطلوب من دوائر كثيرة، وهو الذي «لم تترك له هالشغلة صاحباً»، لكن الرجل لم يعد يعير أي اهتمام عملي للخطر الأمني خلال السنتين الماضيتين. «قول الله». عبارة ينهي بها أي كلام حريص بشأن استهتاره الأمني. أراد وسام الحسن أن يعيش حياة شبه طبيعية. والحياة كانت تليق به.


«14 آذار» إلى الشارع وميقاتي يفكّر في الاستقالة



استعاد لبنان باغتيال العميد وسام الحسن أمس مشهد الاغتيالات التي توالت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. وسارعت قوى 14 آذار ومعها وليد جنبلاط إلى اتهام سوريا، فيما وضعت الجريمة رئيس الحكومة أمام خيارات صعبة، منها الاستقالة. وأرخت عملية الاغتيال بظلال قاتمة على المشهد السياسي، ورفعت منسوب القلق من فتنة لا يُعرف سقفها ونتائجها، وخصوصاً أن الجريمة جاءت في ذروة الاحتقان اللبناني والانقسام الحاد حول الأزمة السورية.

وهزت الجريمة أركان الحكومة، وخصوصاً بعد بيان «قوى 14 آذار»، الذي حمّل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي شخصياً دماء العميد الحسن. وقالت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إن البيان أصاب ميقاتي بإحباط شديد، وهو كان قد أبلغ رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه يفكر فعلاً في الاستقالة، إلا أن أوساط ميقاتي استغربت تحميله مسؤولية دم الحسن، مشيرة الى أن ميقاتي هو من حمى الحسن في عز الحملات عليه. ولفتت مصادره إلى أنه يجري مشاوات داخلية وخارجية لاتخاذ الموقف المناسب.

وأفادت مصادر أخرى «الأخبار» أن «قوى 14 آذار» تضغط على الحكومة بين سقفين، الأول عال وهو دعوة الحكومة إلى الاستقالة، وسقف ثان أدنى يمثل مطلبها الحقيقي الذي تريد تحقيقه وهو دخول الحكومة وتسلّم الحقائب الأمنية فيها، مشيرة إلى أن اتصالات تجري مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط لتحقيق هذا الهدف، لكن الاثنين رفضا هذا المطلب.

وكانت القوى المذكورة قد عقدت اجتماعاً استثنائياً أصدرت بعده بيانا تلاه الأمين العام لتيار «المستقبل» أحمد الحريري، حمّل فيه ميقاتي «شخصياً مسؤولية دماء الحسن ودماء الأبرياء». وطالب البيان ميقاتي بتقديم استقالته، متهماً سوريا و«أدواتها» بتنفيذه. ورأى البيان أن «تسليم المتهمين باغتيال الحريري هو المدخل لإنقاذ الشراكة الوطنية». ونزلت جماهير المعارضة إلى الشارع ونفذت اعتصاماً أمام السرايا. وعُلم أن المعارضة ستلجأ إلى الاعتصام المفتوح وسلسلة تحركات أخرى.

حداد وطني واتهامات للأسد

وكانت الاجتماعات الأمنية في السرايا ومقر قوى الأمن الداخلي قد تكثفت عقب الانفجار، لمواكبة هذا التطور الأمني الخطير، وتدارك تداعياته، فيما يعقد مجلس الوزراء جلسة طارئة اليوم في قصر بعبداً.

وعقب هذه الاجتماعات، صدر عن المكتب الاعلامي لميقاتي بيان أشار إلى «ان الجريمة النكراء بحجمها ونتائجها الفادحة، تمثل مصدر ألم وحزن شديدين». وأعلن ميقاتي اليوم السبت يوم حداد وطني.

من جهته، نبّه الرئيس سليمان إلى «وجوب الصمود وعدم تحقيق أهداف الإرهاب بالوقوع في الفتنة أو اليأس أو الإحباط». ورأى الرئيس نبيه بري أن «الوقت الآن ليس للاستفاضة في التصريحات والقاء الاتهامات، بل للتمعن في أبعاد هذه الجريمة». واتصل بالرئيس سعد الحريري معزياً.

ونعى الحريري «صديقي ورفيق دربي» العميد الحسن، متهماً الأسد باغتياله، كما اتهم جنبلاط أيضاً الأسد باغتيال الحسن، مشددا على أن «خير مواجهة هي الابتعاد عن الفتنة»، كذلك اتهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد تفقده مكان الانفجار، النظام السوري و«أدواته في الداخل».

أيضاً، أكد رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون أن «المرحلة صعبة والجريمة تستهدف استقرار لبنان»، داعياً «جميع اللبنانيين الى التفكير بروية، والى التصرف بحكمة وبرودة أعصاب».

بدوره، شدد قائد الجيش العماد جان قهوجي على ان استشهاد الحسن خسارة لكل لبنان، فيما أكد المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي «عدم الاستسلام والتراجع»، مشددا على عدم ترك البلد مكشوفاً لمن يريد العبث باستقراره.

ودان «حزب الله» في بيان بشدة «الجريمة النكراء»، ورأى انها «محاولة آثمة لاستهداف الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية».

مواقف دولية وعربية

واستنكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدولي الجريمة. وحض المجلس اللبنانيين على «المحافظة على الوحدة الوطنية ومواصلة الحوار الوطني». كذلك استنكر وزير الخارجية الإيرانية علي أكبر صالحي خلال اتصال مع نظيره اللبناني عدنان منصور، اغتيال الحسن، وأبلغه احتمال زيارته بيروت اليوم لساعات، كما دانت دمشق التفجير ووصفته بـ «الإرهابي والجبان»، مشددة على «أن هذه التفجيرات الارهابية مدانة اينما حدثت وليس هناك ما يبررها».

أما الولايات المتحدة، فلفتت إلى «عدم استباق الأمور قبل ان تحدد السلطات اللبنانية المسؤولين عن الاعتداء».

ودعا الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند «كل المسؤولين السياسيين اللبنانيين الى الحفاظ على وحدة لبنان، وحمايته من كل محاولات زعزعة الاستقرار من اي جهة أتت». ودعت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون جميع اللبنانيين إلى «المحافظة على الهدوء، وضمان عدم مساهمة هذا الاعتداء في ضرب استقرار البلاد»، كما دانت مصر والأردن الجريمة.

(الأخبار)


وكتب نبيل هيثم في السفير:

«أبو مازن» كان يعرف أنه مستهدف

نبيل هيثم

قبل أيام، كان العميد وسام الحسن في عداد وفد أمني في ألمانيا، وعاد قبل ساعات ليسافر في رحلته الأخيرة. وكانت الصدمة عنيفة على صديقه اللواء اشرف ريفي الذي بكاه.. مع فريق عمله.

غادر وسام الحسن ولن يأتي بعد اليوم الى الطبقة السادسة في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، حيث كان مكتب من يعتبر الشخصية الأمنية الأقوى في لبنان. وهنا كان يوصل فيه نهاره بليله. ولطالما احتضن هذا المكتب، وحتى الأمس القريب جداً، شخصيات وسياسيين من كلّ الاشكال والألوان على ضفتي 8 و14 آذار وما بينهما.

كان يدرك أنه ليس ضابطاً عادياً، وهذا ما يتطلبه موقعه على رأس ما كان يعتبره اهم جهاز أمني كان يصرّ على تسميته «شعبة المعلومات»، وليس «فرع المعلومات»، فهذه التسمية مزعجة له، وخطأ كبير، كان يسارع عند الوقوع فيه الى مقاطعة محدثه لتصحيح هذا الخطأ قبل إكمال الكلام: «إنها «شعبة المعلومات» وليس فرع المعلومات».

لم يعتقد وسام الحسن يوماً من الأيام أن موقعه محل إجماع، وذلك بسبب الدعاية التحريضية التي كان ينظمها بعض السياسيين، ومع ذلك كان يردد امام بعض محادثيه: «أنا أدرك اكثر من غيري اهمية شعبة المعلومات، وحساسية الدور الذي تقوم به على كل الصعد، وليقولوا ما يريدون، وسواء اعجبهم ما نقوم به ام لم يعجبهم سنستمر فيه طالما نحن مقتنعون اننا نقوم بما يخدم مصلحة البلد»، ولعل اسعد ايام حياته كان توقيف فايز كرم بعد كشف تعامله مع الاسرائيليين. وأما إنجازه الأكـبر فكان توقيف ميشال سماحة.

في الآونة الاخيرة، لم ينف أمام محدثيه أن اسمه مدرج على لائحة الاغتيال، هو وغيره، ولقد وزع نصائحه بتوخي الحيطة على كثير من السياسيين من وليد جنبلاط، الى سامي الجميل، الى فؤاد السنيورة، كما انه هو واحد من الذين نصحوا الرئيس سعد الحريري بمغادرة لبنان واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وأما هو فكان مسكوناً بالحذر واليقظة وأعاد برمجة تحركاته بعيداً عن الأعين وأخفى مكان إقامته. وقد اسرّ منذ مدة الى بعض زواره وبجدية «هناك من أهدر دمنا، أنا و«اللواء» مستهدفان، ونحن كجهاز امني مستهدفون معنوياً وسياسياً وجسدياً وقد استهدفونا وقتلوا الرائد وسام عيد وآخرين، ليس لأننا لم ننفذ عملاً مسيساً منذ بدء مهمتنا، بل لأننا اخذنا دوراً أمنياً حقيقياً وحجماً أمنياً حقيقياً في البلد، كان ممنوعاً علينا من قبل.. هم يريدون قتلنا ونحن من جهتنا نأخذ احتياطاتنا، فهل نتركهم يقتلوننا». في تلك الفترة اعلنت قوى الامن عن إحباط محاولتي اغتيال كانتا تستهدفان اللواء ريفي والعميد الحسن.

ولأنه كان يعرف انه شخصية غير محبوبة في 8 آذار وحلفاء سوريا، لم يتوقف كثيراً عند الهجمات الشخصية والاتهامات التي كانت تطاله «مهما قالوا فإن الحقيقة مش هيك.. ولننتظر المحكمة الدولية». وأما السوريون فهم برأيه أخطأوا كثيراً وهم أوصلوا الأمور الى ما وصلت اليه، لقد غلطوا مع الرئيس الشهيد وغلطوا كثيراً مع الرئيس سعد وهم من أقفلوا العلاقة معه، وأنا شخصياً التقاني الرئيس بشار الأسد ساعتين وكنا على وشك أن نفتح الصفحة، وهم أقفلوها وأنهوها بممارساتهم»..

في احد اللقاءات الأخيرة معه منذ فترة قصيرة، قيل لوسام الحسن لماذا ترسلون السلاح الى المعارضة السورية فأجاب: ألا تلاحظ معي انهم يلصقون بنا كل الأعمال، ويتهموننا حتى باغتيال انفسنا، هم يجعلونني اصدق نفسي الى هذا الحد أنا قوي وقادر على إنجاز كل هذه المهمات؟.

من يعرف وسام الحسن عن كثب، يعرف انّ الجديّة التي تبدو عنوانه الكامل، تخفي تحتها شخصية مجبولة بالبساطة والهدوء، ولأنّ الرتب تذهب وتجيء، كان يفضّل أن تناديه «ابو مازن» باسم ابنه البكر مازن، ابن السبع عشرة سنة، الذي يكبر ابنه الثاني «مجد» بقليل. فللعائلة الأولوية، ولذلك كان يسرق زيارات خاطفة الى مقر إقامة العائلة في فرنسا لقضاء بعض الوقت مع زوجته التي هي ابنة عمه «انّـا» وولديه الذين اضطرته الظروف الامنية الى إخراجهم من لبنان وإبعادهم عن دائرة الخطر. وكثيرا ما تمنى لو انه يعيش كغيره حياة طبيعية بلا إجراءات او تخفٍ او مخاطر.

لم ينف يوماً ميله الى فريقه السياسي، بل لطالما قدم نفسه على انه من ضمن الحلقة الضيقة القريبة من الرئيس سعد الحريري: «أنا لا يمكن ان انسى فضل بيت الحريري علي». ولعل صورة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في صدر مكتبه تعبر عن هذا الاتجاه، والتي تعلو صورة للرائد وسام عيد وضعها وسام الحسن على طاولة مواجهة له. وكثيراً ما استشهد امام محادثيه بـ«العمل الكبير» الذي قام به الرائد عيد، «ولهذا قتلوه».

من قابله في الآونة الاخيرة أدرك أنه دخل منذ مدة في نظام تنحيف، إلا أن هذا النظام كان ليكون انفع وافعل لو تسنى له ارفاقه بممارسة هواية الصيد التي يحبها، وكثيرا ما مارسها مع صديقه القديم سليمان فرنجية، وبكثير من الفخر كان يتحدث عن حصيلة الصيد، ليس صيد العصافير بل صيد الوحوش ومنها الأسد الضخم المحنط الذي يضعه الى يمين مكتبه، والفهد المحنط الذي يضعه الى يساره.

وسام الحسن ابن الـ47 عاماً، من مواليد بلدة بتوراتيج – الكورة، برز بداية كمدير للمراسم في رئاسة الحكومة في عهد حكومات الرئيس الراحل رفيق الحريري، وبعد استشهاد الرئيس الذي اكتشف قدراته عُين رئيساً لفرع المعلومات في العام 2006 وكان برتبة مقدم آنذاك، اوكلت اليه مهمة توقيف الضباط الاربعة، كذلك تولى توقيف مجـموعة مسلحة تنتمي إلى تنظيم «القاعدة»، وفي العام (2007) نال المقدم وسام الحسن قِدماً استثنائياً لعام واحد، بعد توقيف المشتبه في ارتكابهم جريمة عين علق وتمت ترقيته إلى رتبة عقيد. ومن ثم تم ترفيعه الى عميد نظراً الى الانجازات التي حققها، ولا سيما في موضوع توقيف شبكات التجسس الاسرائيلية والجماعات الارهابية وكشف العديد من الجرائم التي تخص الشأن الداخلي اللبناني.

وقد اعتبر وسام الحسن، بعد ترفيعه الى رتبة عميد، من أبرز الشخصيات المرشحة لتولي منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي خلفاً للمدير الحالي اللواء اشرف ريفي بعد إحالته إلى سن التقاعد عام (2013).

آخر ما تلقاه وسام الحسن، منذ مدة قصيرة، تنويهاً من اللواء اشرف ريفي جاء فيه: «الحسن ضابط عام ذكي ومقدام، ثابر منذ توليه رئاسة الشعبة على بذل الجهود الحثيثة وإعطاء الأوامر والتوجيهات المناسبة لمرؤوسيه، والإشراف على تنفيذها بالدقة المطلوبة وبشكل احترافي، لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الارهابية، وقد أدى ذلك الى تفكيك اكثر من ست وثلاثين شبكة تجسس تعمل لمصلحة العدو الاسرائيلي، بالإضافة الى كشف هويات عدد من المخططين لارتكاب اعمال ارهابية بهدف زعزعة الامن والاستقرار في البلاد، كان آخرها كشف مخطط خطير لزرع المتفجرات وتنفيذ الاغتيالات في منطقة لبنان الشمالي، وتوقيف الرأس المدبر وإقامة الدليل على تورطه، وضبط كمية كبيرة من المتفجرات والعبوات الناسفة، ومبلغ كبير من المال كان مخصصاً لتسهيل عملية التنفيذ، مما أدى الى إحباط هذا المخطط الارهابي وتجنيب البلاد خطر الانزلاق في فتنة طائفية ومذهبية، فأعطى عمله صورة إيجابية ومشرفة عن قوى الامن الداخلي في مجال تأدية مهماتها، لا سيما في مجال مكافحة الجرائم الارهابية، وراكم من انجازات الشعبة وتضحياتها ما جعلها محط تقدير واحترام لدى الرأي العام والرؤسـاء على المستويات كافة، مدللا عن نهجه سلوك شجاع وحكيم وتمتعه برؤية استراتيجية في أدائه لمهماته، فاستحق التقدير».

تعليقات: