تدهور غير مسبوق في مدينة صور: إقفال محلات وخفض في تحويلات المغتربين

حركة خجولة في سوق صور التجاري في عيد الأضحى (حسين سعد)
حركة خجولة في سوق صور التجاري في عيد الأضحى (حسين سعد)


إقفال 30 محلاً وخفض كبير في تحويلات المغتربين

صور: تدهور غير مسبوق سياحياً بعد صيف «تعيس»

«مطعم بكامل تجهيزاته للإيجار»، «محل للاستثمار»، «تصفية بداعي السفر»، «شقق مفروشة للبيع أو الإيجار».. هذه عينة عن تراجع الأوضاع الاقتصادية والتجارية والسياحية في صور.

التبدل الكبير في مجريات النشاط التجاري بأنواعه كافة يتصاعد سلبا يوما بعد يوم، ومن آثاره إقدام عدد من المستثمرين لمطاعم ومحال ألبسة ومقاهٍ وسواها في أنحاء أحياء المدينة إلى ترك محالهم بعد انتهاء فترة عقد الايجار، وأحيانا قبل ذلك، حيث سجل حتى تاريخه إقفال أكثر من ثلاثين محلا من مختلف الأحجام والأنواع، معظمها في «شارع أبو ديب» والكورنيش الجنوبي ومتفرعاتهما، نزولا نحو الأسواق القديمة، من بينها مؤسسات لها فروع في مناطق أخرى.

الواقع الاستثماري الجديد، الذي انكشف انكشافا كبيرا، بعد تدهور الحركة التجارية في الصيف الماضي، يعيد السوق إلى حجمه الطبيعي، لناحية أسعار استثمار وشراء المحال. كما ينذر في الوقت نفسه، باستكمال مسلسل إقفال المؤسسات مع نهاية السنة، وعزوف المستثمرين، الذين أرهقتهم الايجارات الباهظة وفواتير المولدات الكهربائية، وصولا إلى غياب مواقف للسيارات، التي أبعدت الكثير من الزبائن عن أسواق المدينة، والتحاقهم بأسواق القرى والبلدات المجاورة، وقد صار في بعضها مصارف ومؤسسات تجارية كبيرة ومعامل تشغيلية.

لا يذكر المستثمرون سببا وحيدا للوصول إلى هذه النتيجة المأساوية، بعد سنوات من الانتعاش غير المسبوق، كان تزامن مع انتهاء عدوان تموز 2006 وانتشار «اليونيفيل» بكثافة في المنطقة (13 ألف عسكري) وتدفق أموال المغتربين قبل القيود على المصارف والتحويلات.

«أسعار الإيجارات.. هستيرياً»

ويعيد هؤلاء حالة التدهور إلى مجموعة من الأسباب، تبدأ بارتفاع أسعار الايجارات هستيريا، إذ وصلت قيمة تأجير بعض الصالات إلى سبعة آلاف دولار شهريا، إضافة إلى الخفض الكبير في تحويلات المغتربين وانكفائهم عن تمضية الصيف في المنطقة، والذين يشكلون عصب النشاط الاقتصادي والتجاري.

كذلك عزوف عناصر «اليونيفيل» وغيرهم من السياح بنسبة لافتة عن ارتياد المطاعم والفنادق والمقاهي في المدينة، بعد سلسلة التفجيرات التي استهدفت محالّ لبيع الكحول والمطاعم في أواخر العام 2011، ما انعكس سلباً على فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة.

ويوضح بلال فارس (صاحب ملك ومكتب لتأجير السيارات عند الكورنيش الجنوبي للمدينة)، أن «التدهور في هذا الشارع غير مسبوق».

ويقول: «في السنوات القليلة الماضية كان المستثمرون والمستأجرون يفتشون ليل نهار عن محل للإيجار، لكن اليوم أصبح الواقع معاكسا تماما، حيث الكثير من المستأجرين تركوا محالهم ومؤسساتهم التجارية والسياحية نتيجة الارتفاع الكبير في القيمة التأجيرية وتدني الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية، وانخفاض عدد المغتربين، الذين يعول على قدومهم في كل صيف».

«تراجع مخيف في الحركة»

وللمرة الأولى يشعر المختار عصام محسن (صاحب محل للألبسة) بـ«هذا التراجع المخيف في الحركة التجارية في هذا الشارع تحديدا، الذي يشكل ميزان النشاط في المدينة». ويشير إلى أن «الصيف المنصرم، كان تعيسا جدا، حيث لم يأت العدد الكافي من المغتربين من أفريقيا وأوروبا وحتى الخليج، في حين يسجل تراجع في تحويلات هؤلاء المغتربين، نتيجة الأزمات الاقتصادية في تلك الدول، والقيود الشديدة على تحويلات الأموال»، ملاحظا أن «الصامدين» في محالهم إلى الآن فهم إما مالكون أو مستأجرون بأسعار قديمة.

«انتقال النشاط إلى الأطراف»

ويؤكد جميل داغر (صاحب محل ألبسة بالجملة) أن «خفض المنسوب التجاري واضحٌ، وتهاوي المؤسسة وراء الأخرى»، معيدا ذلك إلى «ارتفاع الإيجارات إلى حدّ غير منطقي وواقعي في مدينة صغيرة كصور في حجمها الجغرافي، وانتقال قسم كبير من النشاط التجاري إلى البلدات المجاورة وأطراف المدينة، بعد تضييق الشوارع وافتقاد مواقف السيارات، وأكلاف فواتير المولدات الكهربائية»، مضيفا أن «صور تعتمد على أشهر الصيف كونها مدينة سياحية وتجارية ومنفتحة، وللأسف فقد كان هذا الصيف غير ناجح على الإطلاق».

وتلفت صاحبة ملك الانتباه إلى أن «أحد المستأجرين لديها ترك محله بعد سنة ونصف السنة»، وتضيف أن «المستأجر المذكور وهو من خارج المدينة، كان يدفع 2500 دولار شهريا، لكن تراجع حركة البيع والشراء، وارتفاع أكلاف اشتراك المولد الكهربائي وبدلات الموظفين دفعته إلى ترك المحل». وتقول: «إن المحل الذي كانت قيمته التأجيرية ألفي دولار أصبح ألف دولار، لكن ليس هناك مستثمرون حتى بهذه الأسعار».

موقف كبير للسيارات

ولا يخفي نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي «وجود حالة الركود الكبير في المدينة، وإقفال عدد من المؤسسات والمحال التجارية»، مشيرا إلى أن من أسباب ذلك ارتفاع قيمة الإيجارات، وعدم التوازن بين الدخل والتكاليف العالية، التي تضاف إليها كلفة العمال وبدلات اشتراك الكهرباء». ويكشف أن «البلدية سعت جاهدة إلى إقناع أصحاب إحدى المؤسسات، عدم إقفال فرعها في صور، لما يمثله اسمها من علامة في النشاط السياحي، إلا أنهم أصروا على ذلك، بعد تراكم الخسائر، خصوصاً مع سريان قرار منع التدخين في الأماكن العامة المغلقة».

ويعتبر صبراوي أن «الفترة المقبلة ستشهد تكيفا للناس مع الواقع الجديد، لناحية شكل المدينة وطرقها، التي تنفذ في إطار مشروع الإرث الثقافي»، كاشفا أن «البلدية ستنشئ موقفا كبيرا للسيارات في أطراف آثار البص من ناحية صور، كان يستخدم ملعبا محليا لكرة القدم»، مشيرا إلى أن «تنفيذ المشروع الذي سيمول من خلال مشروع الإرث الثقافي الذي يشرف عليه مجلس الانماء والاعمار بحاجة إلى موافقة مجلس الوزراء على التمويل والتنفيذ».

تعليقات: