جانب من تجميع الحطب لبيعه في راشيا («السفير»)
تحذيرات من القطع العشوائي للأشجار والمطالبة بتجريم مرتكبيه
استنفـار فـي قـرى راشيـا: مـلء الأقبيـة بالحطـب قبـل الصقيـع
«الشتوية في قرانا الجبلية قاسية، ولا نهنأ باستقرار العيش إلا بعد الاطمئنان على امتلاء المستودعات بالحطب والخزانات بالمازوت»، أبو ربيع عكس بكلامه، صعوبة الحياة التي يواجهها أبناء المناطق الجبلية في فصل الشتاء، والهموم التي تلاحقهم في سعيهم الدؤوب أثناء يومياتهم العادية، في تحضير مستلزمات التدفئة، تخوفاً من غضب الطبيعة المقبل، بحيث يتحوّل كما قال، «بعض القرويين إلى خلايا عاملة في كل اتجاه، بحثاً عن بقايا أحطاب وجذور وأغصان يابسة، وتوضيبها في المستودعات، أما من كان يتمتع باليسر المادي، فالطريقة سهلة ومفتوحة أمامه لشراء الحطب أوالمازوت». ولكن في الحالتين تتهالك إمكانيات القرويين المحدودة، وتتهاوى قدراتهم المادية، بفعل التكاليف المرتفعة التي يتكبدونها، والتي تضاف الى سلسلة من المدفوعات، لتأمين مقومات الحياة الضرورية.
ولم ينس أبو ربيع الإشارة إلى الأساليب التي يلجأ إليها بعض المواطنين، من خلال «هجمة المناشير على قطع الأشجار الحرجية، من الأملاك الخاصة أو العامة، بحيث تفتك بها وتحولها الى وقود للتدفئة في فصل الشتاء». لا سيما أن بعضهم، كما قال، «يستحيل عليهم شراء مادة المازوت أو الحطب، نظراً لعدم قدرتهم على تحمل تكاليفها وأعبائها المادية، وهم بالكاد يؤمنون لقمة العيش لعائلاتهم».
أما أبو طلال، الذي يمضي صيفيته في جمع الأحطاب ولملمة بقايا الأغصان والجذور اليابسة من الحقول والأحراج، فيلفت الى أنه رب عائلة مكونة من أربعة أفراد، ومدخوله الشهري من بيع الحليب والعنب لا يتعدى 400 ألف ليرة، فكيف يتسنى له، كما أوضح، أن يشتري ثمانية براميل من المازوت على الأقل لمواجهة قساوة الطبيعة في الشتاء؟، التي يلامس ثمنها الألفي دولار، ومن أين له توفير هذا المبلغ؟ وهو بالكاد يؤمن المأكل والمشرب لعائلته.
أبو طلال، الذي ابرزت سنون القهر والتعب، أخاديدها وأثلامها الغائرة في وجهه، تساءل عن دور الدولة وخطتها الاجتماعية والاقتصادية، في رفع الظلم والقهر والحاجة والعوز عن العائلات المغبونة، التي يتآكل حقها بالعيش الكريم. وقال: «أسعار المازوت ترتفع وتزاد عليها الضرائب، ونحن على أبواب فصل الشتاء»، مشبهاً غياب الحكومة عن إعانة شعبها، بالمريض الذي يدخل في غيبوبة ويرقد في غرفة العناية المركزة، همها، كما قال، «تدمير قدرات المواطن وسحق مكونات الاستقرار عنده، بدل أن توفر له ابسط مستلزمات العيش بهناءة وكرامة».
أبو طلال، الذي يبرر لنفسه قطع الحطب من أملاكه الخاصة، «أمام الواقع المزري، الذي يتمسك بخناقه ويمعن في هلاكه»، يرفض التعدي على الأملاك الحرجية وتشويه الطبيعة، لافتاً إلى خبرته في اختيار قطع الشجرة التي تستعيد نموها من جديد، محاذراً من القطع بعشوائية، لكنه وصف عمل البعض بالهمجي والعشوائي، من خلال تعدياتهم على الثروة الحرجية، بواسطة المناشير، مشدداً على ضرورة محاسبتهم أمام القضاء لينالوا جزاء فعلتهم بحق الطبيعة.
أما أبو سليم، الذي يعيش مع عائلته في عين عطا التي يزيد ارتفاعها عن سطح البحر على 1350 متراً، فيلفت إلى حال الاستنفار التي تلف القرى الجبلية، ابتداء من مطلع شهر أيلول من كل سنة، حيث الكل ينهمك في العمل من أجل تأمين مستلزمات التدفئة الشتوية، قبل أن يداهمهم فصل الشتاء، الذي يحمل معه الثلوج والصقيع والقساوة، مؤكداً أن بلدته تعيش 80 في المئة من «شتويتها»، في أحضان الرداء الأبيض، وهذا الأمر يفرض على القرويين، التحسب لغضب الطبيعة، ومواجهة الأيام القاسية، بحيث كما أشار الى أن تراكم الثلوج قد يصل الى حدود المترين، ولا خلاص من ذلك إلا بالالتفاف حول مدافئ الحطب وصوبيات المازوت، خصوصاً أن الأطفال لا يمكن لهم مقاومة قساوة الطبيعة وبردها القارس.
وعزا أبو سليم الأسباب التي تجعل الغالبية العظمى من القرويين، يتجهون نحو استخدام الحطب في التدفئة، إلى إمكانيات توفيره من دون مقابل مادي، إن من الأملاك الخاصة أو من الأملاك العامة، خصوصاً أن برميل المازوت يزيد سعره على 300 ألف ليرة، في حين أن المنزل يتطلب برميلين في الشهر، حيث المواطن يعيش أزمة معيشة خانقة، بسبب تفاقم الغلاء، وارتفاع تكاليف المتطلبات الحياتية من مستشفيات وأقساط مدرسية إلى جانب فواتيرالكهرباء والهاتف وغيرها من الحاجات الضرورية.
أبو سليم يلفت إلى أن ثمن المتر المكعب من حطب السنديان او الملول يتعدى 250 ألف ليرة، بينما سعر الأصناف الأخرى تتراوح بين 170 200 ألف ليرة، مشيراً إلى أن احتراق الحطب لا يشكل ضرراً على الصحة العامة، قياساً بما تسببه مادة المازوت من أضرار. ويشير إلى أن أسعار المازوت تستهلك ما في الجيوب وكل المدخرات لدى العائلات المحتاجة، لذلك فإن الحطب يخفف من المدفوعات، ويرفع عن كاهل المواطن أعباء هو بحاجة إلى إنفاقها على متطلبات حياتية أخرى.
رئيس «جمعية إنماء البيئة في راشيا»، المحامي خليل أبو سعد، يحذر من «جريمة قطع الحطب، لأنها تتسبب بتشويه الطبيعة، وتؤثر على سلامة البيئة. ورأى أن الظروف الاقتصادية المزرية التي تضيق الخناق على شريحة واسعة من المجتمع المحلي، لا يجوز أن تشكل هجمة عشوائية على الثروة الحرجية، بغية تأمين الحطب عن طريق استخدام المناشير الفتاكة. فذلك قد يؤدي إلى التصحر ودمار الجمال الطبيعي، الذي تمتاز به المنطقة، إلى جانب تمتعها بالبيئة النظيفة الخالية من الملوثات. وحث ّ أبو سعد الأجهزة المعنية، والجمعيات البيئة، والمجتمع المدني والسلطات المحلية، على محاسبة مرتكبي تلك الأفعال الجرمية بحق الطبيعة، وعدم السماح لأي كان بالقضاء على تلك الثروة، والعمل على توسيع المساحات الخضراء، عن طريق قيام حملات تشجير مستمرة ودائمة. ولفت أبو سعد إلى أن الجمعية، «في طور تحضير مشروع يهدف إلى تشجيع حملات التشجير، لتوسيع المساحة الخضراء في المنطقة»، مشيراً إلى أن «الجمعية سترفع المشروع إلى المراجع والوزارات المعنية».
مصدر مسؤول في المخافر الحرجية أكد «تسيير الدوريات بانتظام، بحيث تقوم بمراقبة الوضع بشكل فعلي، وتعمل على رفع التقارير إلى الجهات المسؤولة، للحد من أي تعديات وتحويل مرتكبيها إلى القضاء المختص لمحاسبتهم على أفعالهم الجرمية بحق الطبيعة».
تعليقات: