عدد كبير من النازحين لا يسجلون أسماءهم لدى «الأمم المتحدة»

يخيل لأحد أبناء بر الياس حين يتجول في بلدته، أنه انتقل للعيش في أحد أحياء الشام القديمة، مع تكاثر صور ومشاهد النازحين السوريين، الذين يصادفهم في طريقه يومياً داخل بلدته، وخصوصا النساء بزيهن الديني الأسود، الذي بات مألوفاً ومنتشراً بكثافة داخل أحياء بلدات البقاع الأوسط.

يضاف مشهد آخر إلى مشهد النسوة السوريات، على مختلف الطرق الداخلية في برالياس، وسعدنايل، ومجدل عنجر، وبنقابهن المميز، الذي يدل على هويتهن الشامية تحديداً، وهو مشهد عشرات السيارات العمومية والخصوصية، التي تحمل لوحات سورية. إذ بات حضورها مألوفاً على الطرق الداخلية والرئيسة، وحتى على جوانب الطرق وأمام بعض المنازل.

ومع استمرار التدفق المتواصل، وارتفاع عدد العائلات السورية النازحة إلى منطقة البقاع عبر المعبر الوحيد بين لبنان وسوريا، يرتفع حجم الانتشار السوري في البقاع، الذي لم يعد حكراً على البلدات ذات الغالبية السنية، كما كانت الحال في الأشهر الأولى من الأحداث السورية. فبعد مرور أكثر من 18 شهراً على تلك الأحداث، وتواصل النزوح السوري بالآلاف عبر المصنع، فإن تواجد العائلات السورية وانتشارها بات شاملا لكل القرى والبلدات البقاعية، بدءا من مجدل عنجر ذات الغالبية السنية، مروراً بزحلة الكاثوليكية، وصولاً إلى بلدة علي النهري ذات الغالبية الشيعية.

لم يعد يقتصر الحضور السوري المتصاعد يوماً بعد يوم في البقاع، على وجود بعض العائلات السورية داخل خيمة في سهل هنا أو هناك، أو غرفة مهجورة. بل بات واضحاً وملحوظاً بشكل كبير في الحياة اليومية للبقاعيين، بدءاً من تواجدهم الملحوظ داخل الأحياء السكنية، يترافق مع «هجمة» على موضوع الشقق المعدة للإيجار، التي يندر الحصول عليها. وذلك بعدما استنفدت مئات العائلات السورية المتوفر من تلك الشقق، في البقاع الذي لم يعتد سابقا على ذلك النوع من الإيجارات.

ويتوسع الحضور السوري ليطال جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فالمدرسة الرسمية تستوعب اليوم طلاباً سوريين بالمئات. وينطبق ذلك على «الجامعة اللبنانية» في البقاع، التي فتحت باب التسجيل أمام الدخول إلى كلياتها، إذ يؤكد مديرو كليات الفرع الرابع على تسجيل يومي لطلاب سوريين، إلى جانب الطلاب اللبنانيين في كليات الآداب والحقوق، والعلوم السياسية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم، بشكل متصاعد وبأعداد مرتفعة قياساً إلى السنة الماضية وما سبقها.

ويقدر مدير أحد الكليات البقاعية أن يصل عدد الطلاب السوريين إلى المئات، بعدما كان مقتصراً في السنوات الماضية على العشرات لا أكثر، علماً أن الجامعات الخاصة كذلك، تؤشر إلى حالات تسجيل مرتفعة في كلياتها لطلاب سوريين، وخصوصا في كليات المعلوماتية، والصيدلة، والهندسة، حتى أن بعض الجامعات أقفلت باب التسجيل قبل أيام من الموعد الرسمي لانتهاء التسجيل، بعد وصول عدد الطلاب الذين تقدموا للتسجيل إلى أرقام لا يمكن استيعابها.

في الأرقام المسجلة عند «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين»، وفق تقريرها الأخير، وصل عدد النازحين السوريين في لبنان إلى نحو 110 آلاف، منهم 33500 في منطقة البقاع، يضاف اليهم 12800 لاجئ سوري ينتظرون تسجيلهم في سجلات المفوضية. ولا يتطابق حجم وجود العائلات السورية النازحة مع أرقام الأمم المتحدة. ويمكن القول إن العدد الواقعي والفعلي للعائلات السورية النازحة يتجاوز بأضعاف عدد المسجلين، فالقسم الأكبر من السوريين الهاربين من الأحداث، ليسوا بحاجة إلى الامم المتحدة، أو لأي من الهيئات الإغاثية. وهو ما يفسر إحجامهم عن تسجيل أسمائهم وعائلاتهم في سجلات المفوضية. إذ عملوا على تدبر أمورهم، من خلال استئجار شقق سكنية ومحال تجارية، ليكملوا أعمالهم وأشغالهم، التي كانوا يمارسونها في سوريا.

التدفق السوري فعل فعله في رفع أسعار البدلات المالية لاستئجار الشقق السكنية في البقاع الأوسط، حتى أن بعض أصحاب المشاريع السكنية وجدوا في مهنة إيجار الشقق السكنية المفروشة، مهنة رائجة، وهي وأكثر ربحاً من البيع، خصوصا أن الطلب على الشقق السكنية لاستئجارها في تصاعد يومي. والأهم أن من يحظى بشقة سكنية من الأفراد السوريين يعمد إلى دفع بدل سنوي مسبق، يبدأ من ستة آلاف دولار وفق حجم الشقة ومكانها.

أنطونيوس، مواطن سوري من محافظة حلب أتى إلى لبنان وعائلته، مع وصول الأحداث السورية إلى محافظته، وتواصل مع أصدقاء لبنانيين له في زحلة، الذين تكفلوا بتأمين شقة سكنية لعائلته وصلت تكاليفها إلى حدود 75 ألف دولار. وتقع تلك الشقة في أحد أحياء منطقة الأشرفية. وتبلغ مساحتها نحو 400 متر، علماً أن السعر دفعه انطونيوس قبل نحو أربعة أشهر مسبقاً لصاحب الشقة اللبناني الموجود في فرنسا. ولكن اليوم، يترواح بدل إيجار الشقة الشبيهة بشقة انطونيوس، بما يزيد عن مئة ألف دولار أميركي مع ارتفاع الطلب من قبل أفراد الطبقة الميسورة من العائلات السورية.

تجارياً، وعلى بعد أمتار قليلة ومعدودة من الحدود اللبنانية – السورية، عند معبر المصنع، ترتفع لافتات لأسماء محال تجارية مستنسخة عن أسمائها القديمة في الأحياء السورية التي نزح أهلها إلى لبنان هرباً من الحرب. ويمكن لأي عابر للطريق الدولية في البقاع الأوسط، أن يلاحظ وجود عشرات المحال التي افتتحت أبوابها مؤخرا على طول تلك الطريق الممتدة من الحدود اللبنانية – السورية في منطقة المصنع وصولا إلى سعدنايل، من قبل نازحين سوريين نقلوا مع نزوحهم، مهنتهم وأشغالهم الى لبنان، ليواصلوا حياتهم اليومية السابقة، وتدبر أمورهم المالية. إنما في مناطق سكنهم الجديدة في البقاع. علماً أن افتتاح تلك المحال التي تتنوع ما بين المطاعم ومحال العصير، وبعض المهن كالخياطة والتصليح، يضاف إليها مئات العمال اليوميين، لا تقابل باستحسان عند البقاعيين، الذين يئنون أصلا من قلة أشغالهم.