الفنانة القديرة نسرين فاعور، ممثلة فلسطينية، ولدت في العام (1972م) في قرية ترشيحا الواقعة في شمال فلسطين المحتلة
إصرارها على البقاء من دون أسرلة يجعلها في خانة العاطلين عن العمل
نسرين فاعور: لا يستهويني تصنيفي كممثلة جريئة
..
نسرين فاعور من جليل فلسطين المحتل فنانة احتوائية.. ممثلة مسرحية سينمائية، تشكيلية وراقصة تعبيرية ومغنية وأولى المخرجات الفلسطينيات من داخل حدود الـ 48، تحمل التهجير زاداً وهوية في مسيرتها الإنسانية والفنية. عبرت فاعور بأدوارها الفنيّة كلّ الحدود الأمنية التي تحد عبورها بجواز سفرها. وصلت إلى لبنان من خلال فيلمها «أمريكا وإيران» ومن خلال فيلمها «في الشهر التاسع» وإلى العراق من خلال فيلم «ماريا». أفلامها حضرت دور السينما العربية وهي المحظور عليها دخول تلك الدول بسبب جواز سفرها. حازت جوائز عالمية في مهرجان كان الفرنسي السينمائي ومهرجان ساندنس الكندي وحصلت حينها على أفضل ممثلة ضمن الممثلات الست لهوليود في العالم كما حازت في مهرجان دبي السينمائي أفضل ممثلة في العالم العربي عن دورها في فيلم «أمريكا»، إضافة إلى ثلاث جوائز في مهرجان القاهرة السينمائي وقرطاج - تونس وقطر وتركيا.. لها كمّ من المسرحيات والأفلام والمسلسلات، وقد أحرزت هذا العام ثلاثة إنجازات فنية وشاركت من خلالها في مهرجانات عالمية. كان انجازها الأول لهذا العام مسرحية «الكراسي» الشهيرة لـ يوجين يونسكو ومسرحية «أحاسيس مختلطة» التي اختزلت من خلالها قصص الشتات الفلسطيني والتهجير من عام 48 إضافة لموضوع العودة والضياع ما بين الأمل والحقيقة المرة، وحاليا يتم عرض مسرحية «كلهم أبنائي» للكاتب العالمي أرثر ميلر. مع نسرين كان هذا الحوار حول البدايات وحول انشغالاتها الآنية.
هل حدثتنا عن بداية نسرين فاعور الفنية؟
^ بدأت مشواري الفني من نواة ولدت داخل طفلة لها ميزتها بين طلاب صفها.. لها حضورها ووعي يكُبر جيلها، برزت كمحور لأي عمل في المدرسة، اختارت ان لا تكون على هامش الأشياء وإنما في محور الأشياء، ربما أتت نظرتي للحياة الواعدة منذ ان تكونت في رحم أمي التي دأبت تسرد لنا مسيرة أجدادها، وتربيت على رسالة والدي الذي ولد في مراح الترحال من قريته، بعد ان هُجرت عائلة أجدادي من أرضها، وكانت حاملاً بوالدي في شهرها التاسع وآتاها المخاض خلال الترحال القاسي لم يكن بوسعا سوى أن تضع وليدها في البر وتقطع حبل السرة بحجر.. ليأتي والدي حامل عهد 48 معه في جعبة ألم طفل الذي لا يعي سوى ان يرضع حليب أمه ممزوجاً بدمع الشتات والترحال.. من مسيرة والدي تكونت بؤر البحث عن وجود يثبت هويتي ويجعلني غلافاً لهذا الرحم الفلسطيني.. وكوني أبنة قرية ترشيحا التي ما زالت تصمد ضد التهويد وتحافظ على فلسطينيتها رغم جوارها لمستوطنات يهودية وتسعى لأن تكون ذاكرة شهداء ومستقبل أبناء يرفضون الانخراط في معطيات الحكم المفروض عليهم...
من هنا ومن هذا المراح المتأرجح ما بين الأنا الفلسطينية وحدود 48 وقصص الترحال كنت أنا.. نتاج شخصية فنية تأبى المزايدة على قضيتي. من هنا كانت عملية البحث عن البقاء في رسالة.. مهما تبدلت أزمنة المصير، هذه هي أنا الفنانة التي إلتقطت بقايا حبل سرة جدتها وصنعت منها قضية الوجود مصرة على ثبات الهوية الفلسطينية رفضت أعمالا فنية عديدة في المسارح اليهودية حفاظا على كينونتها... من هناك بدأت مسيرتي ومنها استمر.. مكملة ومجددة قضية الأنا في عالمي الفني.
كيف هي ظروف الفن الفلسطيني في ظل الحياة المحتلة؟
^ نحن نعاني ظروفاً متنوعة منها الموروثة ومنها المعاصرة: احتلال الذات والجسد والأرض....مع كل التغيرات على مر الأزمنة.. ...
لكن اصرارنا على البقاء دون أسرلة يضعنا في خانة العاطلين عن العمل أحيانا كثيرة، خاصة أن أمكانيات المسرح العربي محدودة من حيث الدعم المادي، وانا أرفض العمل في مسارح عبرية لذلك خسارتي والحمد لله مادية وليست مبدئية، وطبيعتي أني أعشق المشقات وتحديها، وهي نيل صحي للنور الذاتي وحرية الاختيار والتوق.
استخلصت من سيرتك الذاتية، أنك ممثلة جريئة وتختارين ثيمات لا تجرؤ أي ممثلة على خوضها مثل دورك المونودرامي: مرأة سعيدة ـ نص داريوفو وهو يتناول موضوع هزة الجماع، كذلك دورك في فيلم الشهر التاسع الذي شهد في بلادكم ضجة إعلامية بسبب جرأة الدور. كيف تبررين خياراتك؟
^ لم يستهوني أبدا تصنيفي في خانة الممثلة الجريئة، انما يستهويني الطرح الذي يعالج ويتناول موضوعات محظورة اجتماعيا وسياسياً، الأنثى في الشرق مُكرسة لأن تكون وراء شيء ما، وانا أكره ارتداء قبعة الإخفاء كي أبدو الأكثر حشمة في أدواري، يجب على الممثل أن يكون حرا في ذاته حين يلبس دورا آخر ويؤديه، وهذا ما قمت به في أدواري.. كنت وما زلت احمل رسالتي وهي:
ما دام الدور يخدم قضية إنسانية، وطنية لا أمتنع عن قبوله، وأحيانا يكون عارياً من الحقيقة المعلنة لكنه يلامسها في الأبسورد.. وأنا من عشاق مسرح الـ Absurd «العبث».
لفتت انتباهي بعض الصور في الهند.. فيلم ؟ أم تجربة؟
^ هي تجربه شبيهة بفيلم وثائقي... تجربة وثّقت من خلالها كل ما عشته وما لم أعشه وما أعايشه.. هي تجربة اختزلت الماضي وصنفته كـ «غسيل ملبوس» وعلي تنظيفه من غبار الزمن ورواسب مجتمعية وقومية.. قضيت في الهند شهراً كاملاً في المعابد أجول من معبد لآخر وأتدرب على تنقية الروح من خلال اليوغا والتأمل.. اضافة لذلك تعلمت كيف أستخدم طاقتي كوسيلة علاجية من خلال الريكي ـ العلاج بالطاقة.. انا اضافة لكوني ممثلة ومخرجة، اعالج بالطاقة وادرب مرشدات يوغا.
«كلهم أبنائي» ـ آرثر ميلر عملك المسرحي الآني ماذا عنه؟ مع العلم بأن هذا النص ليس جديداً على المسرح.. أين كان اختلافك عن الآخرين من حيث الإخراج واعداد النص؟
^ بالفعل «كلهم أبنائي» قصة تم إدراجها في المنهاج الدراسي في مدارسنا، وتم تناولها كعمل مسرحي في عدة دول..
لذلك تعمدت اختيار عناصر مهمة ومختلفة منها لم يتم تناولها من قبل.. إضافة الى رؤى إخراجية جديدة في عالم الشرق، وهي الدمج ما بين المراجعة المسرحية للممثلين والعرض المسرحي وإشراك المتلقي على مر شهر كامل في تفاصيل المسرحية حتى نضوجها واعتلائها العمر الوافي للصعود الى المنصة..
هذه المغامرة خضتها لأول مرة ومن خلالها بنيت قاعدة جماهرية جاهزة للتعاطي مع موضوعات المسرحية دون دهشة واستغراب.. وحاولت تخليص المسرحية من بريق الشعارات وطرحها بموضوعها الإنساني الروحاني الذي نفتقر له بصفائه ودون مزاودات في أيامنا... وهو عبارة عن تعايش وجهات نظر. كما أنه عمل يخاطب كل مكان وزمان ويحمل الكثير من الأبعاد المهمة؛ فحين قرأته شعرت بأن نظرته العالمية بما تحمل من زوايا إنسانية، من الممكن أن تنعكس على الواقع الفلسطيني الذي نحياه اليوم.
أجرت الحوار: عناية جابر
تعليقات: