فلسطينيات يحتفلن بالهدنة وانتصار المقاومة على العدوان الإسرائيلي في غزة أمس (رويترز)
واشـنـطن «تهـادن» حمــاس .. وكلـيـنـتـون «تـبـيـع» مـوافـقـتـها لمـرسـي!
حتى تمام التاسعة وثوان من مساء أمس، ظلَّ إطلاق النار متبادلا بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، لأن أيا من الطرفين لا يريد للآخر أن يكون هو مطلق الرصاصة الأخيرة، فالمسألة كانت، ولا تزال، صورة النصر المراد إظهارها، من كل طرف لجمهوره.
ومن الناحية الفعلية يمكن للمقاومة في غزة أن تعلن، وبحق، انتصارها، الذي حققته بتراكم جهد هائل على مدى أربع سنوات مرت على حرب «الرصاص المسكوب»، وبالتفاف الشعب الفلسطيني حولها في معركة كانت فيها ندا. ويصعب على إسرائيل التي تعرضت مدنها ومستوطناتها على مدى 80 كيلو مترا شملت تل أبيب وبالاضافة الى مدينة القدس، ادعاء النصر برغم كل ما تمتلكه من عوامل القوة، فما أظهرته في الحرب كان فقط القوة المجردة العاجزة عن تطويع إرادة شعب ومقاومته برغم محدودية مكانه وقدراته، ولا يقل عن ذلك عجزه عن تبرير افتقاره للقدرة على الحسم. ومن الجائز أنه في نطاق معركة انتخابية جارية، يصعب على صنّاع قرار الحرب في إسرائيل تسويق نتائج الحرب كانتصار.
ومن المهم الإشارة إلى أنه في الوقت الذي خرجت فيه غزة تحتفل بانتصارها، زغاريد وهتافات للمقاومة وللتحرير ولهتاف «اضرب اضرب تل أبيب»، كان الموقع الالكتروني لبنيامين نتنياهو يتعرض لحملة تشنيع وتقريع من جانب الكثير من الإسرائيليين، فاتفاق التهدئة، كما يبدو، لم يكن مرضياً لكثير من الإسرائيليين الذين كانوا قد اعتادوا على الخروج من حروبهم مع العرب، وحتى مع غزة، إلى وقت قريب، رابحين. ومن غير المستبعد أن يكون لنتائج الحرب أثرا ملموسا على الانتخابات المقبلة التي كانت، حتى الآن، محسومة لصالح بنيامين نتنياهو.
وأيا يكن الحال، من الواضح أن جانبا من جوانب التأثير في نتيجة هذه المعركة، عدا بطولات المقاومين وصمود شعب غزة، تغير المناخ الإقليمي جراء «ثورة 25 يناير» في مصر وأحداث «الربيع العربي» عموما. فالموقف المصري أثار مخاوف، خصوصا لدى الأميركيين، بأن معركة غزة قد تكون، سياسيا، تكرارا، ولو بأوجه معينة، لمعارك غزة في العامين 1954-1955 والتي قادت مصر إلى صفقة السلاح التشيكية التي نقلتها من معسكر إلى آخر وأحدثت تغييرا إستراتيجيا في الواقع الإقليمي.
وليس صدفة أن تأتي وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون إلى القاهرة وتل أبيب، لتؤكد أن أميركا لا تزال تمسك بخيوط اللعبة الإقليمية، وتضمن قواعدها.
وفور إعلان وزير خارجية مصر ووزيرة الخارجية الأميركية في القاهرة عن اتفاق وقف النار في القاهرة وقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام الكاميرات ليعلن أن «الأمر الصائب لإسرائيل في هذه اللحظة هو استنفاد هذه الفرصة لوقف إطلاق نار متواصل».
وأضاف نتنياهو أن «الحكومة قررت شن هذه العملية بعد هجمات إرهابية من غزة.. وأعلنت أننا سنرد بشدة على هذه الهجمات في موعد نختاره، وقلت إننا سنجبي ثمنا باهظا من المنظمات الإرهابية». وشدد على أنه اتفق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما على العمل سويا على مكافحة تهريب السلاح للمنظمات الفلسطينية. وقال إن حكومته وجدت وضعا مركبا وأنه «في هذه الظروف مطلوب منا قيادة سفينة الدولة بحكمة ومسؤولية والأخذ في الحسبان جملة الاعتبارات السياسية والعسكرية على حد سواء. هكذا تتصرف حكومة مسؤولة وهكذا تصرفنا. لقد استخدمنا الجبروت العسكري باتزان سياسي».
من جهته، قال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل إن «إسرائيل فشلت في كل أهدافها ومراميها»، مضيفا «لقد فشلوا في مغامرتهم بقيت الصواريخ تضربهم حتى آخر لحظة»، ومشدداً على أن «ما حصل درس بأن المقاومة هي الخيار». ووجّه مشعل الشكر لمصر ورئيسها محمد مرسي واستخباراتها على جهودهم لعقد اتفاق وقف إطلاق النار. وأكد مشعل ان اتفاق وقف إطلاق النار نص على فتح جميع معابر قطاع غزة بما فيها المعابر مع إسرائيل.
وأشاد مشعل بإيران لدورها في تسليح وتمويل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، «بالرغم من الخلافات معها بشأن سوريا».
بدوره، أكد الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين رمضان عبد الله شلح، أن اسرائيل ما كانت لتشن عدوانها على القطاع «لو لم يكن هناك ضوء اخضر اميركي لذلك»، متهما اميركا بأنها عطلت اتفاق التهدئة بالامس. وقال شلح، في مؤتمر صحافي مشترك مع مشعل، إن ما جرى هو «فشل ذريع واستثنائي في تاريخ الكيان الصهيوني»، مشددا على أن «العدو تلقى هزيمة هي الاعظم في تاريخه».
وبالرغم من أن وقف النار والعدوان مطلب محق، إلا أن البعض في مصر وحتى في القطاع الصامد، على الصعيدين الشعبي والفصائلي، تساءل عن عواقب محتملة لجوانب معينة في الاتفاق ذات طبيعة سياسية.
وبديهي أن التساؤلات مشروعة في ظل ترؤس الإدارة الاميركية، وللمرة الأولى، جهود إعلان وقف النار. كما أن البعض ارتاب من واقع أن هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الدور المصري الرسمي ظاهريا عن مستواه الأمني في التعاطي مع مسألة الوساطة.
ويزيد من هذا الارتياب اعتبار إسرائيل وأميركا أن الاتفاق يعزو العلاقات المصرية الأميركية الإسرائيلية وخصوصا لجهة ضمان معاهدة «كامب ديفيد» على الأقل لسنوات لاحقة. بل إن البعض يذهب في غزة إلى حد التساؤل عن الموقف المحتمل من المقاومة في غزة في حال تعرض الشعب الفلسطيني في الضفة مثلا لعدوان إسرائيلي.
والواقع أن هذه التساؤلات وإثارتها في هذا الوقت بالذات تظهر مقدار التعقيد في القضية الفلسطينية التي باتت موزعة بين هموم معيشة وهموم انقسام وهموم مقاومة. ولذلك فإن الآمال تتجه لأن تكون التساؤلات والمخاوف المشروعة مجرد هواجس، وأن تثبت فصائل المقاومة وخصوصا في حركة حماس أن من نجح في إدارة المعركة العسكرية باقتدار قادر أيضا على إدارة المعركة السياسية باقتدار مواز.
وفي كل الأحوال يغدو من المهم في الفترة القريبة ملاحظة نوع التحركات التي ستجري على الصعيد الفلسطيني الداخلي، برعاية مصرية، لإنهاء الانقسام وللاتفاق على برنامج «المقاومة الشعبية» في الضفة والمقاومة الدبلوماسية في الأمم المتحدة وتعزيز المقاومة العسكرية في غزة كثقالة سياسية.
عموما كما سبق، ظلت الطائرات الإسرائيلية تقصف حتى التاسعة تماما وظلت صافرات الإنذار تدوي في العديد من المستوطنات والمدن الإسرائيلية. وكما أعلن فإن آخر صاروخ سقط بعد التاسعة بثوان في مدينة بئر السبع فيما دوت صافرات الإنذار حينها في عسقلان ومجلس أشكول. وأطلقت الطائرات الإسرائيلية قذائفها في غزة إلى ما قبل ثوان من التاسعة وبعد ثوان من التاسعة في محيط مخيم جباليا.
ومثلما أعلنت المقاومة في غزة انتصارها أعلن الجيش الإسرائيلي انتصاره أيضا. وقال متحدث باسم الجيش أن «أهداف الحرب تحققت. حماس تلقت ضربة شديدة جدا، وهي تعيش ضائقة كبيرة وعندما يخرج قادة المنظمة من مخابئهم سيرون حجم الخراب. ونحن نفهم من الاستخبارات أن حماس في ضائقة».
احتفالات بالنصر في شوارع غزة أمس (محمود الهمص ــ أ ف ب)
تعليقات: