غموض حول الجهة الداعية.. والبلديات تقاطع
لم تتضح بعد أهداف الزيارة التي ينوي إمام «مسجد بلال بن رباح» في صيدا الشيخ أحمد الأسير القيام بها لعكار يوم غد، خصوصا أن الدعوة أعلن عنها فقط عبر اللافتات التي رفعت في العبدة وبرج العرب وببنين، وذيلت بتوقيع «شباب عكار» أو «أنصار الشيخ أحمد الأسير»، من دون أن تتبنى أي جهة دعوته رسميا، ومن دون أن يعلن هو من هي الجهة التي ستستضيفه في «قاعة القلعة» في بلدة العبدة.
في غضون ذلك، يؤكد رئيس اتحاد بلديات ساحل القيطع أحمد المير أن لا علم لأي من بلديات الاتحاد بهذه الزيارة، ويقول: لم تصلنا أي دعوة للمشاركة، ولا نعرف من هي الجهة الداعية، وإن وصلتنا الدعوة متأخرة، فإننا كاتحاد اتخذنا قرارا بعدم المشاركة، مشددا على أن عكار لم تعد تحتمل مزيدا من الضغوطات السياسية والأمنية.
ويأتي موقف البلديات متناغما مع مواقف هيئات وفاعليات عكارية ترى أن زيارة الأسير «ليست في محلها ووقتها المناسبين»، وذلك انطلاقا من رفضها الاستمرار في التحريض السياسي والشحن المذهبي لا سيما في ظل هذه الظروف الدقيقة التي يعيشها لبنان وعكار منه على وجه الخصوص.
وترك هذا الغموض في الاعلان عن زيارة الأسير سلسلة علامات استفهام، عما إذا كان إمام «مسجد بلال بن رباح» يضع في استراتيجيته المستقبلية توسيع مساحة حضوره وشعبيته الى عكار حيث يعتقد أن هناك أرضا سياسية خصبة للعمل، لا سيما بعد الأزمة الأمنية التي واجهها في حي التعمير وانعكست سلبا عليه، فأراد التفتيش عن جمهور جديد على مقربة من الحدود مع سوريا، مستفيدا من حضور الفنان فضل شاكر بصورة دائمة الى جانبه ومن الامكانيات المتوفرة لديه، خصوصا بعدما أخفق في إيجاد مثل هذا الجمهور سواء في بيروت أو في طرابلس.
وتشير المعطيات الى أن الزيارة الأخيرة التي قام بها الأسير لعكار لاستقبال الدفعة الثانية من جثامين قتلى كمين تلكلخ عند معبر العريضة، كانت عبارة عن «جس نبض» حول مدى شعبيته العكارية، وقد لمس أن الأرضية في بعض المناطق مهيأة للعمل، خصوصا إذا ما تم التعاون مع عدد من المشايخ المغمورين الذين يسعون لتعزيز إطلالاتهم الإعلامية على غرار الحالة الأسيرية.
ومع انتقاله بعد ذلك الى طرابلس من ضمن الزيارة نفسها، «قطع الأسير الشك باليقين» بأن المدينة غير مستعدة لقبوله بالطريقة الفوقية التي يتعاطى بها، في ظل إصراره على التفرد بقراراته من دون التشاور أو التواصل مع أحد، وقد ترجم ذلك بمقاطعة غير معلنة وبتجاهل تام له من قبل أكثرية المشايخ السلفيين وغير السلفيين، ما اضطره الى تناول طعام الغداء مع فضل شاكر ومرافقيه بمفردهم في أحد مطاعم المدينة، وكان نتيجة ذلك، أن اكتفى الأسير باستقبال الجثامين عند الحدود اللبنانية ـ السورية، من دون أن يشارك في مراسم تشييعهم في «الجامع المنصوري الكبير» أو الصلاة على جثامينهم في «جامع طينال»، كما كان مقررا، وذلك بحجة ارتباطه بموعد في مدينة جبيل.
أمام هذا الواقع، تشير المعطيات الى أن الأسير وجد أن مصلحته تقتضي التوجه الى عكار حيث مساحة العمل أوسع، والكثافة السكانية أكبر، والحضور الديني على صعيد المشايخ والهيئات الاسلامية أقل فاعلية، الأمر الذي قد يمكنه من تأسيس حالة أسيرية جماهيرية جديدة خارج صيدا.
لكن الأسير لم يجد حتى الآن مظلة عكارية رسمية يستظل بها، فكانت الدعوة باسم «شباب عكار» و«أنصار الشيخ أحمد الأسير»، ما يشير الى أن الدعوة لا تزال تفتقر الى الاطار التنظيمي العكاري الجدي.
ويعتبر بعض المشايخ السلفيين في طرابلس أن الأسير «يصر على التصرف بفردية وباستعلاء، وهو يحاول أن يضع نفسه مباشرة في وجه الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، ويسعى من خلال ذلك، الى الاستفادة من التأزم السني ـ الشعي لشد عصب جمهوره وإيجاد جمهور جديد له في مناطق أخرى.
ويقول أحد هؤلاء المشايخ ان تحركات الأسير «تضاعف من حدة التوتر المذهبي في البلد، وهذه التحركات انعكست سلبا عليه في صيدا، لذلك هو يتجه نحو مناطق أخرى يمكن أن تتفاعل مع خطاباته مذهبيا»، لافتا الانتباه الى أن لبنان لم يعد يحتمل مثل هذه المواقف المتشنجة، «وإذا كان البلد يتجه نحو الاقتتال، فان خطابات الأسير تشكل اليوم إحدى أدوات هذا الاقتتال، لذلك فاننا ندعوه باسم الدين وباسم الاسلام الى أن يخفف من لهجته، من دون أي يبدل مواقفه السياسية، بشرط الا يجر الناس الى الاشكالات والدماء مجددا كما حصل في صيدا».
ويختم الشيخ السلفي: «نحن نتفهم هواجس الأسير، لكن إصراره على العمل بفردية ومن دون أن يتشاور مع أحد، جعل أكثرية المشايخ تنفر من تصرفاته، خصوصا أن الشورى هي أهم مقومات العمل الاسلامي».
تعليقات: