يتمنون العودة إلى ديارهم («السفير»)
تقضي مجموعة من الأطفال السوريين النازحين إلى قرى حاصبيا والعرقوب ساعات طويلة في بساتين الزيتون، يجمعون ما خلّفه المزارعون من ثمار الزيتون، داخل أكياس صغيرة من القماش أو النايلون. يجمع كل طفل يومياً بين ثلاثة وخمسة كيلوغرامات من الزيتون ويبيعونها عند تقاطع الطرق أو في معاصر الزيت، بدولار واحد لكل كيلوغرام.
«يجذبنا موسم الزيتون الذي يستمرّ هنا لنحو شهرين تقريباً»، يقول الطفل الحلبي حسن الترابين (ثماني سنوات)، «أعمل ورفاقي منذ أكثر من شهر في جمع ما خلفه المزارعون في حقولهم، الغلّة اليومية مقبولة، نحصل على مبلغ يسد جانباً من مصروفنا». يضيف: «أمس اشترينا، أنا وشقيقي، بعض الثياب الشتوية، ونتعاون في العائلة لجمع مبلغ نصرفه ليلة رأس السنة، علّنا نتمكن من تذوق طعم العيد».
«عيدنا في عودتنا إلى بلدنا ومنازلنا»، يقول الطفل وائل العلي (10 سنوات) من إدلب، والذي يعمل في ورشة بناء مع والده، «ليس هناك عيد في هذه الغربة القاسية التي نعيشها، نجهد في تأمين الطعام لعائلتنا التي تضم تسعة أشخاص. العيد لن يمر علينا هذه السنة لأن الوضع في سوريا قاسٍ، ومليء بالقتل والنهب والتدمير. متى ينتهي الحقد في بلدنا؟».
«من المعيب أن نتكلم عن أعياد وبلدنا يحترق في كل لحظة، العيد يعني الفرح والمحبة والسلام»، يقول الطفل عبودي العوسي من بابا عمرو، يضيف: «كل هذا مفقود عندنا، ليس لدينا قرش واحد لنصرفه في شراء لعبة لشقيقي ابن السنة والنصف، يوم العيد بالنسبة إلينا هو يوم وقف اطلاق النار في بلدنا الذي دمرّ منازلنا. عيدنا بعيد المنال».
«نعيش حال إذلال فعلية، وما يحكى عن مساعدات يذهب في الهواء»، يقول الطفل زهير من الشام، «ما يصلنا لا يسد ربع الحاجة، كلنا أمل أن تحمل الأعياد المقبلة بشرى انتهاء القتال الدائر في بلدنا لنعود ونسكن فوق الركام المنتشر في كل الأمكنة».
تصرخ النازحة من حلب جميلة الجاسم، في وجه أحد أعضاء جمعية إغاثة دولية في مرج الزهور: «كل ما وعدتم به كذب، أولادي يرتجفون من البرد القارس، لا مازوت للتدفئة ولا أدوية، حتى المياه يصعب الحصول عليها. فترة الأعياد تداهمنا ولا نملك شيئاً سوى الدعاء إلى الله لوقف الحرب في سوريا».
يحاول التلميذ السوري محمد الحميدان (ثماني سنوات)، رسم علم بلاده بمساعدة زميل له. محمد يرسم العلم مثل ما حفظه عن ظهر قلب، يتدخل المدرس السوري رافضاً رسمة العلم المعروف، وداعياً الطالب إلى رسم «علم الثورة السورية». ينزعج الطفل، ويسأل: «متى تغيّر علم بلادي؟»، يضحك المدرس ويقول: «ستعود إلى سوريا بعلم جديد وبنظام جديد وبرؤية جديدة». يستغرب محمد ويقول: «سيكون ذلك بمناسبة عيد رأس السنة؟»، يبتسم المدرس: «هذا بفضل سلاح الثوار».
يحمل الطالب علي العزيز (تسع سنوات) رشاش اللعبة الذي كانت إحدى الجمعيات المانحة أهدته إياه في إحدى مدارس الجنوب، «كنا نأمل أن تكون الهدية كنزة تقينا برد الشتاء».
يخرج الطفل النازح من ريف دمشق سهيل العاصي (تسع سنوات)، من الغرفة الصغيرة التي يسكن فيها مع عائلته في إحدى القرى الجنوبية، يحاول جمع بعض الحطب للتدفئة، يقول: «الحطب فُقد من محيطنا، نجمع أكياس البلاستيك، ومواد قابلة للاشتعال لاتقاء برد الشتاء. حرام أن نُترك هكذا من دون أي مساعدة من الدول العربية الغنية».
«اننا بحاجة لكل شيء»، يقول سليم من إدلب، «وصلتنا مساعدات غذائية بالقطارة لم تكفنا سوى أيام. ليس لدينا ملابس، والحاجة ماسة لمازوت التدفئة. نأمل ولمناسبة عيد راس السنة أن تتوقف الحرب في بلدنا فنعود إلى منازلنا، فخيمة فوق ما تبقى من منزلنا تساوي كل أموال عرب الخليج الذين يضحكون علينا اليوم».
«ما من شيء يعادل حب الوطن هكذا تعلمت في مدرستي التي اشتقت إليها في قريتي الصغيرة قرب حلب»، يقول الطفل عادل الأحمر، «في مثل هذه الأيام كنا نقوم بجمع المال لإحياء حفلة العيد. نغني، نرقص، نفرح ونأكل ما طاب لنا. كانت أيامنا سعيدة وآمنة. انقلبت حياتنا».
يقول رابح عدوي (سبع سنوات): «أمس وزع علينا بابا نويل هدايا العيد في المدرسة في حاصبيا، إنها مناسبة جميلة جعلتنا نتذكر حلو العيد وفرحه، لكن ما نفع الهدايا ونحن في الغربة نعيش حياة ذلّ، ليس لنا من مطلب في هذا العيد سوى وقف الحرب في بلدنا».
«ليس من طلب في العيد سوى العودة الى سوريا»، هذا ما تقوله الطفلة فدوى الجبوري من بابا عمرو، التي لم تجد في العيد ثياباً تلبسها، «كل ثيابي بللت بمياه المطر، عيدنا كله برد وجوع وفقر وعوز، العيد بالنسبة لنا اسم يمر ليوم عادي، الفرح بعيد المنال». تضيف: «العيد بهجة، محبة، بحبوحة، هدايا، أكل وأمان، كل هذا مفقود فكيف سيكون عيدنا هذا العام. العيد عندما يتوقف إطلاق النار في بلدنا، عندها تكون الفرحة الكبيرة، ويكون عيد الأعياد».
تعليقات: