منتزه حصن الوزاني خلال العاصفة
انحسرت العاصفة الثلجية التي ضربت لبنان، وتدنت درجات الحرارة إلى ما دون الصفر في المناطق الجبلية، ما أدى إلى فرض حصار كامل على معظم القرى والبلدات، نتيجة موجة الجليد التي تشكلت على الطرق، وتوقفت حركة السير في عدد منها، حتى للسيارات المجهزة بسلاسل معدنية أو ذات الدفع الرباعي، وامتنع سكان بعض المناطق عن التنقل، تخوفاً من الانزلاقات. انحسار العاصفة يكشف شيئاً فشيئاً عن أضرار في الأملاك والمزروعات والطرق.
في قضاء بعلبك (عبد الرحيم شلحة)، بقيت بلدات عيناتا، وحام، ومعربون معزولة كلياً، مع انقطاع خطوط الكهرباء والاتصالات الأرضية. أهالي عيناتا، أكدوا أن جرافة وزارة الأشغال لم تستطع فتح الطريق لكثافة الثلوج. وأكد سمير رحمة أن الأهالي معتادون على تلك الأوضاع، إلا أن التخوف من حصول أي حالة مرضية مفاجئة، مضيفاً أن الكهرباء مقطوعة منذ يوم الأحد الماضي نتيجة تساقط خطوط التوتر العالي في المنطقة الواقعة بين المشيتية وعيناتا. وناشد رحمة وزارة الأشغال تأمين هرّامة ثلوج لفتح الطريق. وأفاد عضو بلدية معربون ماجد شبلي أن البلدية تحاول منذ أمس الأول، فتح الطريق لكن السماكة العالية للثلوج التي تتراوح بين متر وثلاثة أمتار، حال دون ذلك. وقد وصلت الجرافة إلى منطقة وادي البنية التي تبعد نحو 8 كيلومترات عن معربون، مبديا تخوفه من حصول حالات مرضية تستدعي نقلها إلى المستشفى.
في البقاع الأوسط (سامر الحسيني)، استفاق الأهالي على بساط أبيض أدى إلى إقفال معظم الطرق الداخلية. وتسبب تراكم الثلوج ولليوم الثالث بإقفال الحدود عند نقطة المصنع، التي خلت من حركة العبور بالاتجاهين، سوى من قبل عدد محدود لسيارات الدفع الرباعي، التي نقلت نازحين إلى لبنان. إلى ذلك عانى البقاعيون من غياب جرافات وزارة الأشغال العامة، فعملت جرافات البلديات على فتح الطرق. ذلك فيما بقيت بلدة برالياس تحت كارثة فيضان نهر الليطاني، الذي اجتاح مئات الدونمات الزراعية. ووصلت المياه إلى بعض المنازل المجاورة لمجراه. وبقيت القرى البقاعية التي تتغذى بالتيار الكهربائي من «مؤسسة كهرباء لبنان» في الظلام الكامل منذ بدء العاصفة، إلا أن الأمر كان على العكس في القرى التي تقع ضمن نطاق تغذية «شركة كهرباء زحلة»، التي عمل فنيوها على إصلاح بعض الأعطال ووصل مئات الأمتار من الكابلات التي اقتلعتها الرياح.
وعاشت عشرات القرى والبلدات في البقاع الغربي وراشيا (شوقي الحاج) تحت رحمة الظلام الحالك، وعانت من أزمة خانقة في تأمين مياه الشفة، التي توقفت عن الضخ بسبب تفجر قساطل الجرّ الرئيسية والداخلية، ومع ازدياد الطلب على مادة المازوت في ظل موجة الصقيع القاسية، فإن بعض محطات المحروقات استغلت الفرصة وقامت برفع سعر الصفيحة إلى ثلاثين ألف ليرة، بحجة بدء نفاد الكميات المعدة للبيع، وعدم تمكن الصهاريج من الوصول إلى المنطقة. وأعرب المزارعون عن تخوفهم من استمرار موجة الجليد الجاثمة فوق آلاف الدونمات المزروعة بالحبوب، وما قد تخلفه من أضرار قد تؤدي إلى تلف الموسم.
وقد سيطرت موجة من البرد القارس في عاليه والمتن الأعلى (أنور عقل ضو)، تسببت بتجمد الثلوج ما أعاق حركة السير وسبب صعوبات كبيرة للجرافات، وأبقت الطرق في عاليه والمتن الأعلى بدءاً من 800 متر وما فوق سالكة للسيارات رباعية الدفع أو المجهزة بسلاسل معدنية، فيما ظلت الطرق الفرعية مقفلة بالكامل. وقد لامست الثلوج البلدات التي تعلو نحو 500 متر عن سطح البحر، إلا أن المشكلة الأكبر التي واجهت المواطنين لليوم الثاني على التوالي، تمثلت في الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، وتسبب تراكم الثلوج أيضاً بأعطال طاولت شبكات خطوط المولدات الخاصة.
وسجلت درجات الحرارة مستويات غير مسبوقة منذ نحو عشرين سنة، إذ تراجعت لتلامس الـسبع درجات تحت الصفر، ما حرم المواطنين من المياه جراء تجمد المياه في التمديدات الموصلة الى المنازل. وعملت إلى جانب جرافات وزارة الاشغال العامة بعض الجرارات الخاصة المستأجرة من قبل المجالس البلدية، وتركز عملها على فتح الطرق الرئيسية، ومن المتوقع أن تبدأ غداً فتح الطرق الداخلية.
في الشمال
عاشت مناطق الشمال حال انفراج أمس، واستقر المارد الأبيض على المرتفعات وغطت الطرق طبقة من الجليد. في الضنية (عمر إبراهيم) أدت الثلوج إلى قطع معظم الطرق التي يزيد ارتفاعها على 700 متر عن سطح البحر، في وقت عزلت فيه العديد من القرى والبلدات الجردية لساعات عن محيطها بسبب كثافة الثلوج التي تساقطت ليل أمس الأول. وناشد أهالي بلدات وقرى جرد المنطقة وزارة الطاقة والمياه، و«مؤسسة كهرباء لبنان» إعادة التيار الكهربائي إلى مناطقهم. وفي بلدة عاصون، خصصت البلدية جرافة للعمل على إزالة الثلوج التي تراكمت على الطريق المؤدية إلى «مستشفى الضنية الحكومي»، الذي يقع على ارتفاع 850 متراً تقريباً، وإبقائها مفتوحة أمام الموظفين والمرضى.
وفي البترون (لمياء شديد) اجتاحت موجة من الجليد بعد ظهر أمس طرق المنطقة، واستيقظ المواطنون في الوسط البتروني العالي على تراكم الثلوج ابتداءً من ارتفاع 600 متر عن سطح البحر حيث بلغت سماكة الثلوج 10 سنتمترات في الوسط العالي لتبلغ متراً و30 سنتمترا في تنورين الفوقا و80 سنتمترا في دوما ومتراً في بشعله وكفور العربي . وقطعت الثلوج طريقي تنورين باتجاه اللقلوق وتنورين باتجاه حدث الجبه بشكل كامل، حيث تراوحت سماكة الثلوج المتراكمة بين المترين والثلاثة أمتار.
ومع انحسار العاصفة خرج المزارعون في السهل الزراعي في بساتين العاصي لتفقد مزروعاتهم داخل البيوت البلاستيكية وخارجها. ولم يتم تقدير الأضرار ريثما يذوب الثلج الذي تراكم على البيوت. كما تبين حصول انهيارات ترابية في بعض القرى فيما بقي طريق راسنحاش مقفلا، على أن تتم المباشرة بفتحه اليوم من قبل آليات وزارة الأشغال. وفي بلدية عبرين باشر المجلس البلدي بانقاذ ما يمكن إنقاذه من الكتب التي غمرتها السيول وتقدير قيمة الخسائر في المكتبة من كتب وتجهيزات. وحمل رئيس البلدية ساسين فارس الشركة المتعهدة تنفيذ أعمال الصرف الصحي في البلدة مسؤولية اجتياح السيول لمبنى البلدية. وأكد عدم وجود أي نية بتقديم شكوى ضد الشركة، موضحاً أنه تلقى وعداً من المسؤولين في الشركة بالتعويض الكامل عن الخسائر والأضرار.
وفي الكورة (فاديا دعبول) لم تصحْ توقعات الكورانيين برؤيتهم الثلج يغطي قراهم وبلداتهم. إذ اقتصر تساقطه على أعالي بلدات كوسبا ورشدبين وعين عكرين ومتريت، التي يتراوح ارتفاعها بين 500 و700 متر. ما شكل طبقة ثلجية خفيفة. وكان موج البحر عند شاطئ انفه قد ارتفع بشكل دخلت فيه المياه إلى الشاليهات القريبة ما تسبب في بعض الأضرار. كما أن جدارن الدعم في بعض سهول زيتون كوسبا وبطرام وأميون تعرضت لانهيارات. إضافة إلى أن الحفريات، التي سببتها العاصفة من جهة وتلك التي تفاقمت مع إمدادت مشروع الصرف الصحي، تحولت إلى مصائد للسيارات.
وفي عكار (نجلة حمود) عزلت القرى والبلدات العكارية يوم أمس عن العالم الخارجي، حيث استفاق المواطنون على كثافة ثلوج بلغت المتر في البلدات الجبلية في منطقة جرد القيطع والجومة. كما توفي ديب العلي 45 عاماً من بلدة فنيدق بجلطة قلبية وهو يقوم بجرف الثلوج من أمام منزله، وسط انقطاع في التيار الكهربائي عن غالبية البلدات، وانقطاع في خطوط الهاتف والإنترنت. وعملت الجرافات التابعة للبلديات ووزارة الأشغال العامة والدفاع المدني على إعادة فتح الطرق بصعوبة كبيرة، بسبب تكون طبقات من الجليد. كما تسببت العاصفة بأضرار كبيرة في مزارع الدواجن.
الأضرار جنوباً
في صيدا (محمد صالح)، عملت البلدية والدفاع المدني والهيئات المعنية على رفع الأضرار. ففي ميناء الصيادين تم انتشال أحد الزوارق الغارقة. وعمل الصيادون على تنظيف شباكهم، بعد توقف عن العمل استمر لمدة خمسة أيام بسبب العاصفة. واعتبر رئيس بلدية صيدا بالتكليف إبراهيم البساط أن الأضرار كانت محدودة، وأنها نجمت بشكل أساسي عن سيول الأمطار التي وصلت إلى المدينة على شكل أنهار، مصحوبة بالأتربة والأوحال والحجارة. وفي مخيم عين الحلوة، عمل الأهالي على إزالة الأضرار. وعمدت اللجان الشعبية على رفع تقارير بالخسائر المادية التي في المنازل، بسبب السيول التي انهمرت من منطقة سيروب والمية ومية، وحمّل الأهالي «الأونروا» مسؤولية عدم أخذ بعض الإجراءات الوقائية للعاصفة، والعمل على تنظيف شبكة الصرف الصحي. وفي صور (حسين سعد)، استكملت عملية فتح المجاري وإزالة الأتربة، من الطرق والأحياء في صور، وعدد من قراها من جانب عدد من البلديات، كانت سببتها الفيضانات. وتفقد المزارعون بساتينهم، ولا سيما الحمضيات، حيث تبين حجم الخسائر الكبيرة في الموسم. واستعاد صيادو الاسماك في مرفأي صور والناقورة بعضاً من نشاطهم بتخليص شباكهم، استعداداً للإبحار مع تحسن الطقس.
في النبطية (عدنان طباجة)، أدت السيول الجارفة إلى انهيار كمية كبيرة من الأتربة إلى محيط طريق عام النبطية - مرجعيون، عند مثلث الدمشقية ـ المحمودية ـ الخردلي. وتسببت العاصفة بأضرار في شبكتي الهاتف والكهرباء. وأنجزت الورش الفنية إصلاح الأعطال الهاتفية الواقعة ضمن صلاحيتها في المنطقة، بينما بقيت مئات الخطوط معطلة في قرى الشرقية، كوثرية السياد، الدوير وغيرها. كما تضررت بعض المزروعات والأشجار المثمرة والحرجية والخيم البلاستيكية لا سيما في سهل المئذنة في بلدة كفررمان.
في حاصبيا (طارق أبو حمدان)، تمكنت الجرافات العائدة لوزارة الأشغال وللبلديات، من فتح مختلف الطرق الرئيسية، فيما عملت على إعادة فتح طريق شبعا البقاع عبر عين عطا، حيث بلغت سماكة الثلوج حوالي المتر، في حين وصلت سماكة الثلج في شبعا إلى حدود 70 سنتيمتراً، وفي كفرشوبا إلى نصف متر. وعانى الأهالي من انقطاع التيار الكهربائي لليوم الرابع على التوالي، ما أثر سلباً على الحياة بشكل عام في ظل موجة الصقيع القاتلة. وأشار المزارعون إلى أضرار فادحة في المزروعات والبساتين المثمرة في وادي الحاصباني. كذلك أغرقت السيول العديد من سهول الماري، الوزاني، عين عرب وسردة ووادي خنسا المزروعة بالخضار.
سهل المرج خلال العاصفة
تعليقات: