الكثير من الأراضي لم تتحرّر من اليونيفيل والجيش اللبناني بسبب الألغام (حسن بحسون)
اعترفت إسرائيل بأنّ قسماً من أراضي مستوطنة «مسكاف عام» هي سيادية لبنانية. لا بد أن نيات خبيثة تقف وراء إقرار العدو بذلك. مع ذلك، يشكل هذا الاعتراف للعديسة ولبنان فرصة جديدة للمطالبة باستعادة الأراضي التي اقتنصها ترسيم الخط الأزرق من الناقورة حتى شبعا، فيما يتجه مالك أحد الأراضي إلى رفع شكوى على إسرائيل لاستعادتها
يوم الجمعة الفائت، نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية مقالاً بعنوان «أراضي الكيبوتس وراء حدود لبنان»، تشير فيه إلى أن إدارة كيبوتس مسكاف عام، أي التجمّع السكاني التعاوني في هذه المستوطنة الواقع قبالة بلدة العديسة، «تبلغت من وزارة الداخلية الإسرائيلية أن قسماً منها هي أراضٍ سيادية لبنانية ولا يحق استخدامها»، وذلك في معرض ردّ الوزارة على طلب تغيير وجهة استخدام عدد منها وتحويلها من أراضٍ زراعية إلى سكنية. واشترطت قبل البحث بالطلب «الانسحاب إلى حدود إسرائيل وتعديل الخط الأزرق».
إذاً، فقد شهد شاهد من العدو بأنّ للعديسة أراضي صادرها الاحتلال، ثم تواطأت الأمم المتحدة معه خلال ترسيم الخط الأزرق عقب تحرير الجنوب عام 2000، لكي تحافظ على سيطرة جنودها عليها.
نحكي عن الأرض التي قطعت فيها جرافات العدو قبل أقل من ثلاثة أعوام ما بات يعرف بـ«شجرة العديسة»، بحجة أنها واقعة في الأراضي المحتلة. يومها ارتوت الشجرة بدماء شهداء عملية تصدي الجيش اللبناني لمحاولة قطعها، هم: العسكريان عبد الله طفيلي وروبير العشي والزميل عساف أبو رحال.
ارتوت الشجرة، وها هي تزهر، ارتفاعها حتى السماء يحتاج إلى رعاية من الدولة اللبنانية من خلال تحريك ملف الأراضي التي لا تزال محتلة وإعادة التذكير بالنقاط التي تحفظ عليها لبنان خلال الترسيم في الأمم المتحدة، وخصوصاً بعد هذا الاعتراف الإسرائيلي. وهي أقلّ الخطوات المطلوبة من الدولة، إذا تذكرنا أن إسرائيل التي تعترف اليوم بلبنانية الأراضي التي يوجد جنودها عليها، احتجت أخيراً لدى مجلس الأمن على وجود حوض زهور محاذٍ لنقطة الجيش التي انطلقت منها مواجهة العديسة، بحجة أنه يقع داخل الخط الأزرق.
طويلة كانت الجولة التي اصطحبنا فيها مختار العديسة خليل رمال لتفقد الأراضي التي يأسرها العدو والخط الأزرق. من حدودها مع هونين ومركبا جنوباً، إلى حدودها مع كفركلا شمالاً، سرق العدو نحو 2500 دونم بين أملاك خاصة ومشاعات، منذ ما قبل نكبة فلسطين عام 1948. يقول المختار إن هذه البلدة الحدودية كانت تخسر عند كل تقسيم جديد المزيد من أراضيها، بدءاً من ترسيم الحدود عام 1920 بموجب اتفاقية سايكس بيكو، ثم ترسيم الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة بموجب اتفاقية الهدنة عام 1949، وأخيراً بموجب ترسيم الخط الأزرق عام 2000.
يعرض رمال تاريخ الاستيطان منذ عام 1908 عندما شُيّدت مستوطنة التخشيبة أو كفرجلعاد عند حدود العديسة قبالة النقطة التي يتمركز فيها الجنود الإندونيسيون في اليونيفيل. فيما شيد كيبوتس مسكاف عام عام 1945 فوق تلة تدعى الطيارة، حيث استُحدثت لاحقاً طريق عسكرية وقُضم المزيد من الأراضي بين الثغرة وآبل القمح، وصولاً إلى الخلة وعربصاليم ودبش العوجة والمرج الفوقاني والمصيصة حتى اجتياح عام 1978.
يذكر رمال أن والده، الذي كان مختاراً حينها، قصد محافظ الجنوب حليم فياض، عارضاً انتهاكات إسرائيل لأراضي العديسة، ومنها عشرات الدونمات المملوكة بصكوك ملكية. فياض نقل الرسالة إلى الحكومة اللبنانية التي رفعت شكوى على إسرائيل باسم العديسة في مجلس الأمن الدولي. وينقل عن والده أن المندوب الإسرائيلي في مجلس الأمن برّر الأمر بالقول إن «قضم الأراضي تدبير احترازي. وإذا انسحب المقاتلون الفلسطينيون نترك الأرض».
يصنّف رمال الأراضي المحتلة بألفي دونم ضمت عام 1948، و1200 دونم قضمت عام 1948. أما بالنسبة إلى الخط الأزرق، فيؤكد رمال أن لجنة ترسيم الحدود تجاوزت العديسة ولم تطلب شهادة المختار والأهالي. في هذا الإطار، يوضح مصدر أمني أن حدود العديسة ورميش ومزارع شبعا أراضٍ متحفظ عليها، أي إن لبنان رفض الترسيم الذي اقترحه العدو ومندوب الأمم المتحدة تيري رود لارسن، مؤكداً أنها أراضٍ سيادية لبنانية.
ماذا يفعل أصحاب الأراضي التي اعترفت إسرائيل بلبنانيتها؟
يلفت رمال إلى أن مهمة الحكومة اللبنانية اليوم باتت الطلب من الأمم المتحدة استعادتها، وخصوصاً أن وزارة الخارجية كانت عقب التحرير قد طلبت من أصحاب الأراضي تقديم مستندات ملكيتهم لرفعها إلى الأمم المتحدة. لكنهم لم يوضعوا لاحقاً في تطورات الملف من الجانب الرسمي. أحد هؤلاء، سليم حسون، الذي ورث مساحة خمسة عشر ألف دونم عن والده عبد الرحمن حسون. الأخير كان قد ورثها بدوره عن والده، الذي كان قد اشتراها من شاكر سعيد من العديسة بموجب حجة مسجلة في دائرة مرجعيون عام 1953. يشير حسون إلى أن الشريط التقني والخط الأزرق يقطعان أرضه التي تحدد الحجة حدودها بالأراضي الفلسطينية. من هنا، تلقف الاعتراف الإسرائيلي، متجهاً لاستثماره في رفع شكوى على إسرائيل لاستعادة أرضه، إما أمام الأمم المتحدة أو أمام القضاء الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة.
لكن مصادر مواكبة استبعدت توجه إسرائيل للتخلي عن تلة مسكاف عام التي تعد الأكثر استراتيجية وارتفاعاً على الحدود الجنوبية، حيث يرتفع عمود طويل عليه كاميرات مراقبة ترصد مسافات بعيدة داخل الأراضي اللبنانية وتحيط به خمسة مراكز عسكرية. علماً بأن الكثير من الأراضي التي تحررت في عام 2000، لم تتحرر من حواجز قوات اليونيفيل والجيش اللبناني اللذين يمنعان أصحابها من التوجه إليها لوجود ألغام فيها أو لدواعٍ أمنية، رغم أن أعمال التنظيف قد أنجزت قبل أكثر ثلاثة أعوام. وهي أراضٍ زراعية منعت عن أصحابها منذ عام 1968.
تعليقات: