منى فران وأمّها.. ربع قرن من الفراق

منى فران مع أمها سيتا تراوريه («السفير»)
منى فران مع أمها سيتا تراوريه («السفير»)


ولدت مرتين، مرة عندما جئت إلى هذه الدنيا قبل ستة وعشرين عاماً، ومرة عندما وجدت والدتي بعد 24 عاماً من الأمل المفقود. هذا ليس مقطعاً من سيناريو فيلم درامي، ولا من رواية، هذه قصة منى وسام فران.

لم يخطر على بال منى (26 عاما من النبطية)، أنها ستحتضن الأم التي أنجبتها في مدينة «تنغريلا» في شمال ساحل العاج، وتذرف الدمع، حزناً على سنوات الفراق، وفرحاً على لحظة اللقاء.

عاشت منى ستة وعشرين عاماً من دون أم، عاشت عمراً بلا أم. الأم بالنسبة اليها كانت حلما، كانت أملاً بلقاء دائم. كبرت منى وحيدة، تسأل عن أمها فيكون الجواب أكثر أسى من السؤال.

ابتعدت منى عن أمها قسراً قبل أربعة وعشرين عاماً، بعدما أحضرها والدها معه إلى لبنان، تاركاً والدتها في موطنها الأصلي «بوركينافاسو» على حدود ساحل العاج.

كبرت منى وتزوجت، وفي كل مرة كانت تسأل والدها، الذي وافته المنية قبل نحو أربع سنوات، عن أمها، يكون جوابه بأنها توفيت في أفريقيا.

لم يكن أمام منى سوى تصديق الرواية. عاشت مع حسرة فقدان الأم عاماً بعد عام. اقتنعت منى أنّ أمّها ليست موجودة، وأنّ أي انسان لا يمكنه أن يعوض هذا الفراق القسري.

بعد وفاة الأب، قلّبت منى في أوراقه ومستنداته. لم تعر الأمر كثير اهتمام، حتى أنّ وثيقة الولادة الصادرة عن بلدية «تنغريلا»، والتي يرد فيها اسم والدتها «سيتا تراورية» لم يثر اهتمامها، باعتبار أنّ أمها قد توفّت. كأنّ منى تحاذر دائماً لمس جرحها. ظل الوضع على حاله، إلى أن التقت قبل شهور، في منزل قريبها عمران إبراهيم في بلدة الدوير الجنوبية، بعاملة من «بوركينافاسو».

تبادلت منى والعاملة أطراف الحديث عن «بوركينافاسو»، وأخبرتها منى بأنّ والدتها من هناك، وهي لا تعرف عنها شيئا، وطلبت من العاملة إمكان مساعدتها، على الرغم من اقتناعها ضمنياً بأن والدتها قد توفيت، كما سبق وأخبرها والدها.

أهي الصدفة، أو القدر، لا يّهم. بالنسبة إلى منى، المهمّ، هو أن حكايتها وصلت إلى خاتمة سعيدة. فبعدما تابعت العاملة القضية، بطلب من منى وأقاربها، مع شقيقها الذي يعمل في مجال الاتصالات والانترنت. وقد تمكن الأخير، ويدعى كريستوف، من العــثور على والــدة منى، بعد أكثر من ستة أشهر من البحث والتحري، التقى خلالها أكثر من امرأة تحمل الاسم نفسه.

تخبر منى: «إثر ذلك، أخبرنا كريستوف بمكان وجود والدتي، وأمّن لنا رقم هاتفها، فتواصلنا معها، ثم كلفنا كريستوف بإنجاز معاملات السفر إلى بوركينافاسو، فيما تولينا نحن تأمين تذكرة سفرها إلى لبنان، وكان اللقاء الأول مع أمي، منذ أسبوع، في مطار بيروت الدولي، وكنت قد رأيت صورها عبر الانترنت».

لحظة لقاء الأم كان بالنسبة إلى منى ولادة ثانية. الولادة الأولى لم تكتمل. بقيت ناقصة 26 عاماً. الولادة الأولى لم تكن بقرار منها، أمّا ولادتها الثانية فكانت قراراً وقدراً.

لا تريد منى اليوم، أن ترى أمّها ترحل ثانية، تريدها معها في لبنان، تريد أن تعوض ما فاتها من حرمان الأمومة، وتقول: «ليتها كانت إلى جانبي منذ البداية، لكننّي أحمد الله أنني وجدت أمي ولو بعد وقت طويل».

الوالدة سيتا تراورية لم تنس ابنتها يوماً، فقد كانت تعيش على أمل لقائها يوماً. لم تغب منى عن فكر والدتها يوماً، تفكر في مصيرها، وقد حرمت منها قبل 24 عاماً. كانت على علم بوجودها في لبنان، لكنها لم تستطع تحديد مكانها أو عنوانها، بعدما انقطعت عن الوالد منذ مجيئه إلى لبنان.

تقول الأم بفرح كبير: «إن اللحظة التي سألني فيها كريستوف، بعدما استدل على عنواني، عمّا إذا كان لدي ابنة في لبنان اسمها منى وسام، كانت بمثابة حياة جديدة بالنسبة إلي، فاحتضنته وشكرت الله على هذه النعمة».

عاشت سيتا تراورية أصعب الأوقات خلال حرب تموز في العام 2006، التي كانت تتابع أحداثها عبر وسائل الإعلام، وقد قلقت كثيراً على ابنتها، خصوصاً أنّها على علم بتحدّر زوجها من جنوب لبنان.

أربعة وعشرون عاماً مرت، كان فيها غياب اللقاء قاسيا وعصيّا على التعويض. اليوم اهتدت منى إلى حضن أمّها. اليوم بدأت حياة جديدة.

تعليقات: